أسماء الأسد مصابةً بالسرطان: هكذا تغيّرت بروباغندا النظام/ وليد بركسية
لسنوات طويلة قبل وفاته العام 2000، عانى الرئيس السوري حافظ الأسد من مرض سرطان الدم، لكن النظام البعثي القائم على فكرة الأسد للأبد، حجب أي معلومات تتعلق بمرض “القائد الخالد”، كجزء من سياسة اعتمدها النظام طوال عقود وأسهمت في خلق هالة أسطورية للأسد الأب أمام السوريين بشكل خاص. وبالتالي، يأتي الكشف الرسمي عن إصابة أسماء الأسد، زوجة الرئيس الحالي بشار الأسد بالسرطان، كسراً لتلك السياسة بوصفها لا تنسجم مع الزمن المعاصر.
وبغض النظر إن كان مرض أسماء حقيقياً، أم مُختلَقاً، أم تقليداً لحالة دراماتيكية أفرزها كشف النجمة اللبنانية إليسا عن شفائها من المرض نفسه مؤخراً، فإن تصدير النظام للمعلومات بشكل مباشر ومن دون تسريبات أو إشاعات، يظهر كيف بات النظام بارعاً، أكثر من أي وقت مضى، في التلاعب بالرأي العام، المحلي والعالمي، عبر السوشيال ميديا. وهي لعبة كان يخسرها في السنوات الأولى من الثورة السورية، لصالح المعارضين.
المختلف بين حالَتي أسماء وحافظ، هو السوشيال ميديا والتطور التكنولوجي الذي غيَّر طبيعة التواصل البشري بشكل كلي عن حقبة الأسد الأب. بالإضافة إلى حقيقة أن أسماء، وحتى بشار، ليسا حافظ الأسد، فهما ليسا بحاجة لخلق تلك الدعاية التي تصورهما كقائدين خالدين عتيين وجبارين، لا يطاولهما المرض أو الموت، وهي صورة كان النظام الناشئ في السبعينيات إثر انقلاب عسكري والذي تعرض لأزمة في الثمانينيات، بحاجة ماسة إلى خلقها بموازاة “أبديّته”، لأن منصب الرئيس في الدعاية الرسمية كان دائماً رمزاً للنظام بأسره.
أما اليوم، فيتم الترويج لصورة أسماء وهي تتلقى العلاج في مشفى عسكري، كرمزية لتعافي “سوريا الأسد” من الإرهاب والمؤامرة الكونية على أيدي “رجال الجيش العربي السوري”. كما يكشف التعاطف العام معها، في أوساط المؤيدين، تقديراً، ليس لكونها “السيدة الأولى” فحسب، بل لأنها “فضّلت تلقي العلاج في الداخل السوري” بدلاً من “اللجوء للخارج”، في مقارنة مع اللاجئين السوريين بوصفهم ناكرين للجميل. وربما لا يتم التعبير عن تلك المقارنة بشكل صريح، إنما يمكن تلمّسها في الحوارات والتعليقات عموماً.
وبغض النظر عن تلك الكليشيهات، يبدو أن النظام بات يدرك أنه لا يستطيع التعامل مع المعلومات من باب الحجب فقط، بل صار يمزج تلك السياسة المطبقة في ملفات عامة يحرّم الحديث عنها، مثل الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب مثلاً، مع سياسات أكثر حداثة مستمدة من العصر الحالي، في قضايا عامة وشخصية، من أجل تفعيل أكبر للبروباغندا الرسمية، ومخاطبة الناس عبر السوشيال ميديا من جهة، ومخاطبة الإعلام الغربي بلغة العصر من جهة أخرى، بدلاً من تقديم صورة متحجرة وعتيقة الطراز.
والحال أن هذا الانتقال، والسلاسة التي يتسم بها تقديم البروباغندا الرسمية، يظهران خطورة النظام القابل للتطور، وهي خاصية تراكمية أظهرها النظام منذ وصوله للسلطة في انقلاب عسكري لحافظ الأسد العام 1970. ففيما كان النظام متماسكاً على مستوى الخطاب الدبلوماسي بعد العام 2011، إلا أنه كان هشاً على مستوى الضخ للرأي العام عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت منطقة جديدة بالنسبة إليه. وذلك سواء على صعيد مخاطبة الجمهور المحلي أو العالمي، أو مع تغيير التكنولوجيا لطبيعة تبادل المعلومات عن الأسلوب الذي اعتاده النظام في ثمانينيات القرن الماضي على سبيل المثال، حينما كان في الإمكان الاعتماد على التعتيم والإعلام الرسمي لخلق “حقائق” مزيفة.
ويجب القول أن أسماء، في صورة مرضها، لم تكن بطلة لحظتها الخاصة. بل ممثلة مساعدة لزوجها بشار، الذي يبرز في الصورة كرجل حنون وعطوف يساند زوجته بإخلاص وهو يمسك يدها ويرافقها في رحلة ألمها. وهي صورة كلاسيكية يحبها الجميع، ويقدّرها البشر عموماً (رغم ما رآه كثيرون افتعالاً للابتسامات والحنان). وكأن بشار بطل في فيلم رومانسي عربي من خمسينيات القرن الماضي. لا يحاول بشار، هنا، محو صورته كديكتاتور دموي، لأنه لا وجود لتلك الصورة أصلاً لدى جمهور الموالين. لكنه يكرس الصورة المعاكسة، ويخاطب الإعلام الغربي المستميت من أجل لحظات إنسانية كهذه.
ولعل أسماء، بشكل ما، تبدو ضحية للنظام السوري، أكثر من كونها ضحية للسرطان القاتل (إن صحّت أخبار مرضها). ففي أكثر لحظاتها ضعفاً على المستوى الجسدي، تبدو مضطرة (أو راغبة) في لعب دور دعائي لتلميع صورة زوجها الدموية، مثلما كان الحال منذ بداية الثورة السورية العام 2011. وإن كانت مقتنعة بذلك الدور، فقد تكون ضحية لنفسها في النهاية. ومع تعدد هذه الاحتمالات، قد لا يعرف أحد الحقيقة يوماً. وهي هنا تضطر لتصدير مرضها الشخصي للعالم كله، ولا تبدو بالتالي منتصرة أو مهزومة، بل عليلة وتحارب، مثلما هي حال “سوريا الأسد” في الإعلام الرسمي.
وإن كانت السخرية والشماتة بأسماء، في السوشيال ميديا، “مفهومة”، بسبب تراكم القهر إثر سنوات الحرب السورية الطويلة وما قام به النظام من جرائم ضد الإنسانية، إلا أنها تبقى مريرة، وخصوصاً لكل من عرف السرطان أو عايشه في محيطه العائلي والاجتماعي. إلى جانب أن الشماتة أو التعاطف هما شعوران يتحددان بالانتماءات السياسية ومدى الحب والكراهية لدى كل فرد على حدة. وبالتالي، ربما لا يستحق أي إنسان، مهما كانت أفعاله، هذا النوع من المعاملة في لحظات ضعفه وألمه، مع التسليم بأن “العدالة الإلهية” مصطلح خيالي للمؤمنين الرومانسيين. وتبقى المطالبة الواقعية بالمحاكمات العادلة لرموز النظام السوري، بمن فيهم أسماء الأسد، بموازاة حل سياسي جذري، أفضل من الانجرار وراء مشاعر لحظية، تجعل الإعلام الموالي وجمهوره يصيحون ويشتمون: “انظروا.. هذه هي أخلاق المعارضين”
المدن