سيرة سارة مارديني… حين يتحوّل “إنقاذ اللاجئين” إلى تهمة/ ناصر السهلي
اشتهرت السباحة السورية سارة مارديني بإنقاذها لاجئين من الغرق، لكنها الآن تواجه بتهم ارتكابها “جرائم” خطيرة أثناء عملها التطوعي في جزيرة ليسبوس اليونانية، أقلها “تهريب البشر” و”التجسس”.
قبل 3 أعوام جرى الاحتفاء بهذه الشابة العشرينية (23 عاماً) مع أختها يسرا، لإنقاذهما 18 شخصاً من الغرق أثناء هربهم بحرا من تركيا إلى ليسبوس اليونانية. وسارة التي تقيم منذ 2015 في برلين، وتتابع دراستها المعتادة، أثار توقيفها الصحف الألمانية، خصوصا مجلة “دير شبيغل”، التي سلطت الضوء على الشابة السورية التي منحت عدداً من الجوائز، واعتبرت سفيرة الأمم المتحدة للاجئين في جميع أنحاء العالم، والتقت عدداً من الشخصيات السياسية حول العالم، على رأسهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وبابا الفاتيكان.
تمكنت “دير شبيغل” من التحدث مع سارة هاتفياً، وإثارة قضيتها أول من أمس، بعد أن اعتقلتها الشرطة اليونانية أثناء تنفيذها مهمة لصالح “المركز الدولي للاستجابة الطارئة” (Erci) التي تأخذ على عاتقها مساعدة الناس الفارين من بلادهم. واعتبرت المجلة الألمانية أن “مارديني وجهت لها تهم خطيرة لم توجه سابقاً لشخص ساعد اللاجئين في اليونان، فاعتبروها عضوا في شبكة إجرامية دولية تسعى لتمكين المهاجرين غير الشرعيين من عبور حدود الدول، وبالإضافة إلى ذلك تهمة تهريب البشر وغسل الأموال والتجسس”. وتتساءل شبيغل “كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ ما الخطأ الذي ارتكبته سارة مارديني؟”. وتنقل المجلة عن سارة قولها إنها لم ترتكب خطأ، و”كل ما قمنا به هو مساعدة أناس آخرين”.
أصدقاء سارة في برلين يتحدثون لـ”شبيغل” عنها، مؤكدين أنها سافرت إلى ليسبوس مرات عدة، “وكانت في 2015 على وشك الموت أثناء هروبها نحو أوروبا، وساعدت اللاجئين تعبيراً منها عن الامتنان لإنقاذ حياتها، وبنفس الوقت كان عملها نوعاً من التعامل مع صدماتها الشخصية”.
ونشطت سارة مارديني خلال عامين في المنظمة الدولية “مركز الاستجابة” الذي أنقذ مئات اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم في مراكب مكتظة على وشط الغرق، وكانت توزع عليهم المياه والبطانيات وجوارب جافة، إلى أن جرى اعتقالها المفاجئ الأسبوع الماضي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها اسم سارة مارديني انتباها دوليا. ففي أغسطس/آب 2015 تصدرت هي وأختها الصغرى يسرا، العناوين وحصدت الأختان الهاربتان من الحرب في سورية التعاطف العالمي بسبب عملهما البطولي وإنقاذ أرواح هاربين نحو اليونان. مارديني وأختها كانتا تقيمان في دمشق، وتعلمتا السباحة منذ صغرهما، وكانتا جزءا من منتخب بلدهما للسباحة، لكنهما اضطرتا لمغادرة البلاد قسراً نتيجة القصف الذي هدد حياتهما.
“دير شبيغل” تعرض قصة لجوء سارة وأختها من سورية بعد أن أمن والدهما 10 آلاف دولار لتهريبهما في محاولة منه لإنقاذ حياتها وحياة أختها الصغيرة. فأبحرتا من تركيا في مركب صغير نحو ليسبوس قبل أن يتوقف المحرك، وتجدا نفسيهما مع البقية في المياه. جرّتا المركب المطاطي سباحة لساعات، وأنقذتا بقية اللاجئين. وحصلت سارة ويسرا على اللجوء في ألمانيا وأقامتا في معسكر لجوء ببرلين، وبدأتا التدرب على السباحة مجددا.
وشاركت يسرا في 2016 في أولمبياد ريو دي جانيرو ضمن اختيار اللجنة الدولية الأولمبية لفريق خاص باللاجئين. ورغم اختيارها أيضا سفيرة الأمم المتحدة للاجئين حول العالم، ومواصلة تدريباتها للمشاركة في أولمبياد طوكيو 2020 والتحاقها بالدراسة في كلية “بارد” ببرلين، إلا أن اليونانيين يوجهون اليوم تهما خطيرة للشابة التي تجد دعما من جامعتها ومركز الاستجابة الدولي. وجرى اعتقال سارة في مطار أثينا مع مواطن ألماني وآخر يوناني ووجهت لهم جميعا التهم ذاتها.
إحدى التهم الخطيرة الموجهة لسارة مارديني تتعلق بـ”التجسس على خفر السواحل اليونانيين والأوروبيين في وكالة فرونتيكس لحماية الحدود البحرية الأوروبية لمنع تدفق اللاجئين من تركيا”.
سارة عبرت للمجلة عن الدهشة من التهم، “سألوني لماذا جئت إلى ليسبوس بما أنني أعيش في ألمانيا، وقلت لهم إني تطوعت للترجمة إلى العربية في الجزيرة وبأني درست الإنقاذ البحري، وطرحوا علي أسئلة عن معدات اتصال نستخدمها، لأن الجميع لديه فرصة الاستماع لما يقال عبر الأثير المفتوح، وأرادوا فوق ذلك معرفة سبب استخدامنا لـ واتسآب كوسيلة اتصال، وكأنها وسيلة غير قانونية”.
يبدو في المقابل أن اعتقال سارة وشخصين آخرين يأتي في سياق محاولة الشرطة اليونانية، وبالتعاون مع الأوروبيين، لوقف عمليات إنقاذ اللاجئين. فالشرطة في أثينا تقول لـ”شبيغل”، “نحن قمنا بعمليات بحث وتحر واسعين عن منظمة الاستجابة الطارئة ولدينا 30 مشتبها، بينهم 24 أجنبيا”، رغم أن هذه المنظمة تعمل في ليسبوس منذ سنوات وتعاونت مع فرونتيكس في إنقاذ أرواح اللاجئين من الغرق، إضافة إلى خفر السواحل، وقدمت مساعدات طبية لمعسكر موريا للاجئين الأكثر شهرة في اليونان من حيث قسوة العيش فيه.
وشهد البحر المتوسط في أكثر من مرة تجريم عمل منظمات الإنقاذ، وزادت خلال الأشهر الأخيرة محاولات اتهام مراكب متطوعي الإنقاذ الأوروبية تثيرها على وجه الخصوص الحكومة الإيطالية بأنها “منظمات تهريب وتربح مالي باسم إنقاذ اللاجئين”. ويبدو أن السلطات اليونانية باتت تتبنى ذات الصيغة في تعاطيها مع ناشطين يعملون في البلد منذ سنوات.
وسبق لسارة أن كتبت في 8 أغسطس/آب على “فيسبوك” تدعو الناس إلى التبرع لمنظمة “الاستجابة الطارئة” لجمع مبلغ 15 ألف يورو لمعسكر موريا الذي يحتاج للمساعدة. وتريد السلطات اليونانية استخدام ما كتبته سارة كدليل ضدها، في حين تعتبر تلك المنظمة أن “طلب الدعم المالي ليس جريمة ولا يمكن أن تثبت أي من التهم الموجهة لمنظمتنا ولسارة وبقية المتهمين”. وما كانت تسعى له سارة من جمع التبرعات هو “شراء 10 إلى 12 غسالة ثياب لمعسكر موريا للاجئين، وعملت متطوعة للترجمة أيضا”، بحسب ما يقول مصدر من مركز الاستجابة للصحيفة، وينفي أية “مزاعم عن تهريب بشر وتربح، كل ما كنا نمنحه لها نتيجة تطوعها مصروف جيب وهو 100 يورو أسبوعيا”.
ويرى متابعون لشؤون اللاجئين في اليونان وخارجها أن توجيه السلطات لهذه الاتهامات “يعتبر تغيرا كبيرا في سياسات البلد مع اللاجئين، وهو مسعى للحد من نشاط ناشطين أجانب على أراضيها”. وآخر ما طالب به محامو سارة وبقية الموقوفين أن “يصار إلى إطلاق سراحها انتظارا لجلسات محاكمتها، لكن الأمر قد يأخذ أشهرا قبل البت فيه”.
وتؤكد “دير شبيغل” أن “رئيس ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير على علم بقضية اعتقال سارة مارديني، ويؤكد مكتبه أن الأمر يعود الآن للحكومة للتعاون مع السلطات اليونانية بشأن قضيتها”. وتثير قضية سارة في ألمانيا العديد من الأسئلة المتهكمة على التهم الموجهة إليها، وخصوصا ممن يعرفون قصتها، بمن فيهم مدربها في السباحة سفين سبانيكريبس الذي يقول: “تلك تهم فارغة وسخيفة لا أساس لها”.
العربي الجديد