ايغور ماتفييف في «الدروس والتوقعات الاقتصادية للأزمة السورية»: تنافسٌ حلفاء دمشق على الحصص في عمليات إعادة الإعمار/ سمير ناصيف
يتسابق كثيرون من الخبراء في شؤون الشرق الأوسط وسوريا للكتابة وإجراء البحوث والدراسات عن ما سيكون الوضع عليه في سوريا بعد التطورات الميدانية الأخيرة. ومعظم استنتاجات هؤلاء المفكرين العالميين والإقليميين تركز بشكل أساسي على ماذا سيحدث سياسياً أكثر مما سيحدث اقتصادياً.
الخبير الاقتصادي الروسي الدكتور ايغور الكسندروفيتش ماتفييف اختار في كتاب صدر له مؤخرا التركيز على الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة للأزمة السورية وتناولها بشكل مفصل وموثق.
وماتفييف ليس فقط أحد الباحثين في الجامعات ومعاهد الأبحاث الروسية برغم انه عمل في هذا الحقل في بداية عمله وأبحاثه ولكنه أصبح لاحقاً دبلوماسياً متخصصاً في الشؤون السورية ونائبا لمدير قسم العلاقات الدولية في «مجلس الاتحاد الروسي» ما بين عامي 2008 و2014 ثم أوفِد لمنصب رئيس قسم التجارة والاقتصاد في السفارة الروسية في دمشق ما بين عامي 2014 و2017.
أهم ما ورد في كتابه المعنون «الدروس والتوقعات: التأثير الاقتصادي للازمة السورية» الصادر مؤخراً انه يطرح أسئلة هامة حول إمكان حدوث تضارب في مواقف ومصالح القوى الحليفة الفاعلة سياسياً وعسكرياً على الساحة السورية لأسباب اقتصادية متعلقة بمن سيحظى بالأفضلية في إبرام عقود مع الحكومة السورية لإعادة إعمار المناطق المنكوبة في البلد بسبب الحرب الأهلية المستمرة هناك منذ سبع سنوات.
يقول المؤلف في الصفحة (106) من الكتاب، ان الرئيس الإيراني حسن روحاني يواجه تحدياً داخلياً من «الحرس الثوري الإيراني» الذي ساهم مساهمة رئيسية في الدعم العسكري للنظام السوري مما أدى إلى تحقيق انتصارات ميدانية بارزة للنظام. ويعتبرُ الحرس الثوري، ذو النفوذ القوي في النظام الإيراني، أن إيران يجب ان تحظى بدور رئيسي في عملية إعادة بناء سوريا اقتصادياً، قد يفوق في بعض الأحيان الدور الروسي (ص 107).
ويرتكز الحرس الثوري ومؤيدوه في هذا الموقف على اتفاقيات اقتصادية وقعها رئيس الوزراء السوري عماد خميس مع إيران في عام 2017 دعمت الاقتصاد السوري وشملت مشاركة إيران في إنشاء شبكات للهاتف الخليوي لتضاف إلى شبكات الهاتف الخليوي السوري التي تديرها شركتا «يرياتيل» و»MTN» هذا بالإضافة إلى وعد الحكومة السورية لإيران بإنشاء تجهيزات للتخزين النفطي والغازي وتحديثها في حمص وبانياس وطرطوس واستخراج الفوسفور في تدمر (ص 108).
واعتبرت طهران ان مساهمتها في ترجيح كفة النظام السوري وعدم انهياره اقتصادياً في السنوات السبع الماضية يجعل من الطبيعي حصول إيران على استثمارات مقبلة في هذه المجالات وغيرها في سوريا في المستقبل لها وزنها الاقتصادي.
ولعل هذا الأمر، حسب المؤلف، أدى إلى ازدياد الزيارات الإيرانية الرسمية، على مستوى عالٍ، إلى سوريا في الفترة الأخيرة. (هنا بالإمكان الإشارة إلى زيارة وزير الدفاع الإيراني الأخيرة إلى سوريا التي تمت مؤخراً بعد صدور هذا الكتاب).
ويوضح المؤلف أن المجموعة القيادية في سوريا منقسمة في مجال مدى التعاون المرغوب اقتصادياً مع إيران ومدى ضرورة التعامل الحصري مع طهران في الشؤون الاقتصادية لكونها «الصديقة الوفية» بنظر بعض الجهات السورية، فيما ترى جهات سورية أخرى ان بعض الأطراف الإيرانية ساهمت في خلق محاور متنافسة في سوريا (ص 108).
وبالنسبة للدور الروسي في عمليات الإعمار في سوريا، يقول المؤلف انه يندرج في الاتفاقيات الثنائية الروسية ـ السورية التي تمت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 بين نائب رئيس الحكومة الروسية ديمتري روغوزين ونائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية السورية وليد المعلم. وان هذا التعاون الاقتصادي يشمل قطاعات الطاقة ونشر توسيع شبكات توزيع الكهرباء وعمليات وتجهيزات النفط والغاز والمعادن الأخرى في سوريا بالإضافة إلى تطوير الثروة المائية وعمليات إعادة البناء وتعزيز خدمات القطاع الصحي والتكنولوجيا. (ص 109).
وقد تحضرت لتنفيذ هذه العمليات، حسب المؤلف، شركات روسية كبيرة ومتوسطة وصغيرة الحجم. كما ركزت بعضها على تسهيل تصدير الصادرات الزراعية السورية إلى روسيا وزيادة حجم التبادل التجاري وتحديث قطاع المواصلات.
أما الصين، حسب الكاتب، فكان دورها الاقتصادي في سوريا في البداية محدوداً، ولكنه تطور بعد نشوب الخلافات بين روسيا وأمريكا وتركيا وبعض الدول العربية الخليجية وأصبح دورها هاماً جداً. وبدأت وسائل الإعلام الصينية منذ منتصف عام 2016 بوصف الرئيس بشار الأسد بالقائد القومي وصاحب التوجه الليبرالي.
وبالرغم من اعتراف وقبول الصين بالدورين الأساسيين الروسي والإيراني في سوريا، فان القيادة الصينية كانت تشير إلى وجود مشاكل اقتصادية داخلية في هذين البلدين قد تعرقل عمليات التجارة والاستثمار الصغيرة نسبياً من جانبهما في سوريا.
وأرسلت الصين في السنوات الأخيرة (2016 و2017) بعثات تجارية إلى سائر أنحاء سوريا وخصوصا اللاذقية وطرطوس وحلب، حسب المؤلف.
كما يتطرق الكاتب إلى دور الهند في العلاقات التجارية والاقتصادية مع سوريا قائلاً، ان زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندر مودي إلى إسرائيل في تموز (يوليو) 2017 لم تؤثر على علاقة دمشق «البراغماتية» بالدولة الهندية بما في ذلك في قطاعي النفط والغاز.
كما تم تبادل زيارات بين وزراء من الهند ورئيس الوزراء السوري عماد خميس لبحث تعزيز التعاون التجاري بين البلدين وذلك في مطلع صيف عام 2017 وقبل ذلك. وقدّمت الحكومة الهندية 4 ملايين دولار أمريكي للمساعدات الإنسانية في سوريا (ص 115).
أما بالنسبة إلى دور الشركات الأوروبية في عملية إعادة إعمار سوريا، فيقول المؤلف ان 34 شركة أوروبية شاركت في معرض دمشق الدولي إلـ 59 العام الماضي. كما ضغطت بعض هذه الشركات الهامة مثل اريكسون وسيمنز وسكودا وغيرها، على حكوماتها لعدم عرقلة تعاونها الاقتصادي والتجاري مع سوريا. (ص 116).
وفعلت الأمر نفسه شركات في دول مجموعة «البريكس» على شاكلة البرازيل ودول أمريكية جنوبية ومن قارات أخرى.
أما أمريكا، ففي رأي الكاتب، ولأسباب سياسية، تحاول حجز حصته لنفسها في عملية إعادة الإعمار عن طريق تعاونها الوثيق مع القوات العسكرية الكردية في شرق البلاد وتفاوضها غير المباشر عبر نفوذها الواسع في «البنك العالمي» و»صندوق النقد الدولي» وسكرتارية الأمم المتحدة، وطبعاً بالتفاوض والحوار غير المعلن مع الجهات الأساسية الفاعلة ميدانياً وسياسياً في سوريا باستثناء إيران.
هناك مقطع هام جداً في صفحات الكتاب الأولى حيث يشير الكاتب في الصفحة (13 ـ 15) إلى ان علاقة سوريا بدول الخليج العربي وتركيا كانت جيدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولكن الأمر اتجه نحو العداء والسلبية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005 حيث ساءت العلاقة بشكل خاص بين سوريا والسعودية التي كان الحريري يحمل جنسيتها وينفذ مشاريع اقتصادية وسياسية تدعمها الرياض في المنطقة ويُعتبر من أقرب المقربين إلى قياداتها. (ص 14).
وقد وُجهت الاتهامات إلى سوريا بارتكاب جريمة الاغتيال، حسب الكاتب، مما اضطرها إلى سحب قواتها من لبنان بعدها. ثم انطلق عداء طائفي سني ـ شيعي في البلد شجعت كل فئة منه دول إقليمية وغربية.
ويعتبر الكاتب ان عمليات إعادة إعمار سوريا في هذه المرحلة مرتبطة بالنجاح في إرساء السلام العادل في هذا البلد بمشاركة وقبول أكثرية (أو حتى جميع) الفئات التي لعبت دوراً في الحرب السورية الأهلية (2011 ـ 2018).
ويقول ان التشاؤم ما زال موجوداً حالياً إلى ان يتم العثور على حلول تفاوضية سياسية لقضية محافظة إدلب التي تتجمع فيها الفئات الجهادية المسلحة المعارضة للنظام (ص 121). ويضيف ان حذر الشركات الأوروبية والأمريكية إزاء المشاركة في عمليات إعادة الإعمار سيستمر ولكنها (أي هذه العمليات) قد تبدأ في مناطق محددة ثم تتوسع (بموافقة الأطراف الفاعلة).
الدور الروسي الإيجابي الأساسي اقتصادياً، حسب ماتفييف، كان المساعد في إنشاء «اقتصاد حرب» في سوريا ساهم في عدم انهيار البلد اقتصادياً ومالياً. وقد رافق ذلك انتصارات عسكرية ضد بعض الجهات التي كانت تعرقل عملية إعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلد (ص 123) وبالتالي انبثقت استراتيجية «إعادة بناء سوريا» التي أعطت الضوء الأخضر للشركات العالمية للمبادرة في عمليات إعادة الإعمار والاستثمار.
السؤال المطروح الآن، في رأي الكاتب، هو ماذا سيحدث في مناطق شرقي سوريا التي ما زالت تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية المدعومة من أمريكا والدول المانحة؟ وما سيكون الوضع إذا كانت عملية إعادة الإعمار ستقتصر على المناطق المدنية الكبرى (دمشق، وحلب، وحمص) حيث التكاليف هناك ضخمة؟ (ص 124).
ويستخلص المؤلف ان إنجاح عملية إعادة الإعمار سينعكس ايجابيا على إمكان حل قضية النازحين والمهاجرين السوريين بأعداد كثيفة إلى البلدان المجاورة وعلى معالجة المآسي الإنسانية المؤلمة التي يتعرضون لها بسبب تدمير بلدهم.
Igor A. Matveev: Lessons and Prospects (The Economic Impact of the Syrian Crisis)
Arab Scientific Publisher, Beirut 2018.
176 pages.
القدس العربي