درعا: النظام خارج الخدمة وجهود أهلية لبدء إعادة الإعمار/ قتيبة الحاج علي
مضى أكثر من شهرين مذ سيطرت قوات النظام السوري على محافظة درعا جنوب البلاد، لتُطوى فيها صفحة الحرب العسكرية التي بدأت من درعا ذاتها قبل أكثر من 7 أعوام، وتُفتح صفحة حربٍ جديدة على أنقاض المدن والبلدات المدمرة.
في درعا عائلات بلا منازل، أطفالٌ بلا مدارس، شبابٌ يبحثون عن فرصة للعمل، حربٌ ساحتها إعادة الإعمار وتوفير الخدمات، حربٌ من أجل العودة إلى الحياة من جديد.
إعادة إعمار المنازل والمدارس والمستشفيات، تصدرت أولويات الأهالي في هذه المرحلة، فأنقاض السنوات الماضية أصابت البنى التحتية بشكل شبه كامل، تحديداً في البلدات التي شكّلت خطاً للمواجهة العسكرية بين قوات النظام وفصائل المعارضة لسنوات عدة، إذ تتجاوز نسبة الدمار في بلدتي اليادودة والنعيمة الـ 50 في المئة، وتصل في أحياء درعا البلد إلى أكثر من 80 في المئة، بحسب تقديرات محلية.
سماح قوات النظام لأهالي مدينة الشيخ مسكين وبلدتي خربة غزالة وعتمان، بالعودة إليها بعد تهجيرهم منها لأكثر من 5 أعوام، كشف عن حجم الدمار الذي أصاب الممتلكات العامة والخاصة، حيث تُقدّر الإحصاءات المحلية نسبة المنازل المدمرة بشكل كامل بـ30 في المئة، والمحترقة والمتضررة نسبياً بـ50 في المئة، بينما تعرضت شبكتا الكهرباء والهاتف إلى السرقة بشكل كامل.
ترقب الأهالي لبدء عمليات الإعمار، اصطدم بغياب اهتمام سلطات النظام بهذا الملف، على رغم ما تظهره على وسائل الإعلام من اندفاع وحماسة لذلك، إلا أن الواقع يشير إلى أن إعادة السلطة الأمنية وملاحقة المطلوبين وتسلّم أسلحة فصائل المعارضة سابقاً، تتقدم أي ملفات أخرى.
غياب المديريات المدنية، أو عجزها عن تأمين الخدمات المطلوبة منها، استدعى جهود المجتمع المحلي لبدء إعادة الإعمار، وإن كانت ضمن الحدود الدنيا، لتظهر الكثير من المبادرات القائمة على التبرعات والعمل التطوعي، لتبدأ هذه المبادرات من أبسط الخدمات المقدمة للمدنيين من تنظيف الشوارع، وصولاً إلى مشاريع تأهيل شبكات الكهرباء.
أبرز هذه المبادرات: مشروع عمل تطوعي رافقته حملة للتبرعات، نظمها أهالي بلدة خربة غزالة لإعادة تأهيل مدارس البلدة وتحضيرها للعام الدراسي، ووصف المدرس محمد المصري هذه المبادرة لـ “درج” بأن “الأهالي أنقذوا العام الدراسي في البلدة، بعد تجاهل وزارة التعليم مسألة ترميم المدارس وتعيين المدرسين، وكان التلاميذ سيُضطرون إلى قطع كيلومترات عدة للوصول إلى مدارس البلدات المجاورة”. أهالي خربة غزالة نجحوا في افتتاح المدارس في بلدتهم بعد أسبوعين فقط من بدء العام الدراسي.
أيضاً، يُساهم المغتربون من أبناء محافظة درعا في مشاريع التأهيل وإعادة الإعمار، إذ نظم مغتربو بلدة صيدا في دولة الكويت، حملة تبرعات، نجحت في تأمين مبلغ ضخم تم تخصيصه لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء في البلدة، بعد أن تعرضت للتدمير والنهب بشكل كامل، عندما سيطرت قوات النظام على البلدة عسكرياً قبل أشهر. عمليات تأهيل شبكة الكهرباء في بلدة صيدا بدأت مطلع أيلول/ سبتمبر، بعد أن تكفل مغتربو البلدة بثمن المحولات والكابلات الكهربائية وتخصيص رواتب لورشات العمل.
مديرية الكهرباء في محافظة درعا، ركزت جهودها، خلال الأشهر الماضية، على إعادة تأهيل محطة توليد الكهرباء في مدينة الشيخ مسكين وإعادة ربطها بشبكة كهرباء المنطقة الجنوبية، إضافة إلى إعادة تأهيل جزئية جداً في بعض المدن والبلدات.
المهندس ماهر كيوان، قال ل”درج”، إن خسائر شبكة الكهرباء في محافظة درعا تُقدر بالمليارات، بينما تعاني مديرية الكهرباء من نقص في التمويل والمعدات والكوادر البشرية، مضيفاً: “أعيد تأهيل شبكة الكهرباء في مدينة نوى بمشاركة 6 مهندسين وفنيين من مديرية الكهرباء فقط، قُدمت المساعدة لهم من عشرات الأهالي في الأحياء التي يعملون داخلها”.
الأضرار التي لحقت بشبكة الاتصالات الهاتفية، لا تقل “فداحة” عن قطاع الكهرباء، يوضح كيوان أن “المقاسم وشبكات الهاتف الأرضي واللاسلكي سُرقت من معظم المناطق، بينما دُمر مركز الهاتف في درعا البلد بشكل كامل، وهو من أحدث المراكز على مستوى سوريا”. إعادة ترميم شبكة الهاتف تحتاج إلى إشراف وتمويل حكومي.
الجهود الكبيرة التي بذلها المجتمع المحلي ومشاركته في تنفيذ الكثير من المشاريع في قطاعات رئيسية كالخدمات البلدية والمياه وترميم الأسواق، لم تكن كافية. خدمات كثيرة ما زالت غائبة عن معظم المدن والبلدات، تحديداً تلك التي تحتاج إلى دعم وإشراف حكومي، حيث تعاني مناطق كثيرة من نقص كبير في الخدمات الطبية، بعد إغلاق عشرات المراكز الصحية والمستشفيات الميدانية، وحصرها في عدد محدود من المستشفيات الذي تُشرف عليه وزارة الصحة، كما يعاني الأهالي من أزمة كبيرة في مادة الخبز، بعد تخصيص كميات محدودة من مادة الطحين، من قبل الشركة العامة للمطاحن، وتغيب المنشآت والاستثمارات الصناعية بشكل واضح للغاية عن جنوب سوريا، فما زال المستثمرون يخشون من غياب الاستقرار الأمني والاقتصادي في ظل سياسة النظام وعلاقاته بمحيطه الإقليمي والمجتمع الدولي عموماً.
منحت محافظة درعا خلال الأشهر القليلة الماضية، نموذجاً يُمكن الاستناد إليه، لما قد تشهده سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، فالمجتمع المحلي والمغتربون السوريون قادرون على إعادة النهوض بسوريا مرة أخرى، على رغم حجم “الكارثة” والدمار الواسع في البلاد، لكن التحدي الأكبر لمرحلة إعادة الإعمار، يكمن في إعمار النظام السياسي وتطبيق القانون وتحقيق العدالة، وإلا فإن الخلل سيبقى قائماً، والحرب التي لم تنتهِ بعد، قد تبدأ من جديد.
درج