لماذا قتلت “النُصرة” أخي رائد؟/ محمد أبو الغيط
“هل يموت الذي كان يحيا وكأن الحياة أبد؟” نعم يموت، فقد مات رائد الفارس.
قُتل رائد برصاصاتٍ أطلقها مجهولون معلومون، لتنتهي حياته داخل مدينته الصغيرة، كفرنبل، كما اختار، وهو الذي كانت شهرته كفيلةً بفتح أبواب أي دولةٍ يختارها لاجئاً لو شاء.
مات صاحب اللافتات الساخرة الشهيرة، والضحكة المجلجلة، والأفكار المفاجئة. حين أخبروه أن إذاعته، راديو فريش، يجب أن تمنع الموسيقى المُحرمة (يقولها من لا يُحرّم الدماء)، سخر منهم باستبدالها بأصوات طيورٍ وحيوانات، وساعة بيغ بين، وجماهير كرة قدم.
وحين أجبروه على منع مشاركة النساء في الراديو لأن صوت المرأة عورة (يقولها من لا يخصف على عورته من ورق الأرض)، فأذاع رائد أصوات النساء بعد تعريضها لمؤثرات صوتية تجعلها تشبه الرجال.
لم يكن رائد ناشطاً إعلامياً فقط، فمنذ وقت مبكّر، حاول المساهمة بمختلف أساليب التنظيم المدنية، ساهم في تشكيل تنسيقية كفر نبل، ولاحقاً ساهم بتأسيس اتحاد المكاتب الثورية.
من السهل الآن ممارسة الحكمة بأثر رجعي، ربما لو حدث كذا أو فعلنا كذا لتغيّر المسار في سورية أو مصر أو اليمن أو ليبيا، لكننا هنا والآن، لذلك يقف المرء مذهولأً أمام من ينطق لسان حاله: “صامدون هنا رغم هذا الدمار العظيم“.
يتساءل متنطعون أو أغبياء أو متغابون: ومن يثبت أن جبهة النُصرة هي من اغتالته؟ وكأنه من الوارد فعلاً أن تُطارده سيارةٌ في قلب المدينة، ثم يهبط ملثمون ينهون المهمة، ويغادرون بهدوء من دون علم أو دعم من الجهة الحاكمة المسيطرة.
وكأن الطرف الذي اعتقل حمود جنيد نفسه عام 2016، ودأب على مداهمة مقرّات عمله، وإهانة علم الثورة لإهانة معتنقيه، يمكن أن يكون بعيداً عن قتله.
لا يقل الفاعل وضوحاً، على الرغم من محاولات التعمية العبثية، عن وضوح بقاء قتلة “النُصرة” على أصلهم، على الرغم من العبث نفسه، كفك الارتباط عن القاعدة، أو تغيير الاسم إلى هيئة تحرير الشام مع اندماجاتٍ وهمية. يتعمد الفاعل نفسه ترك مساحة المكاشفة، لأن رسالة الرعب مطلوبة. وبالفعل قامت الهيئة خلال الفترة الماضية بحملة اعتقالات ومطارداتٍ لمن بقى من ناشطي الثورة المدنية الفقيدة.
دماء رائد الفارس وحمود جنيد تخبر التيار الديمقراطي العربي بكل القصة. لا يمكن أبداً التهاون مع خطر الاحتلاليين والظلاميين، “كاب” العسكري ولحية المتطرّف، نسور الأول لا تفترس إلا أهله، وسيوف الثاني لا تذبح إلا قومه. التحالف مع أحدهما كاللعب مع الأفعى، سيصل إليك سمّها عاجلاً غير آجل.
كتبت سابقاً عن قصة مصعب عزّو، الناشط الإعلامي في مدينة سراقب الذي قتلته “النُصرة” أيضاً. آهٍ، يا مصعب ويا رائد ويا جنيد، كم مرّة سنُحرّر المدينة من محتليها، ثم من محرّريها؟ وكم مرة ستُخطئنا الرصاصة، حتى تصيبنا؟
نعت الولايات المتحدة وبريطانيا رائد الفارس. وصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رائد وحمود بأنهما كانا “ضمير الثورة”. هل يمكن قتل المعاني المجرّدة كالضمير والصدق والسعادة؟. الإجابة: نعم.
كتب ماكرون في تغريدته “لن ننسى مقاومي كفر نبل”. ما معنى هذه العبارة في الواقع العملي؟ وهل المنتظر من الرئيس الفرنسي أن يكتب التغريدات كأصغر مواطن عادي؟ وماذا ستستفيد كفر نبل، الواقعة تحت الاحتلالين، من عدم نسيان السيد ماكرون لها؟ الإجابة الوحيدة تحملها احدى لافتات كفرنبل الشهيرة: “يسقط النظام والمعارضة.. تسقط الأمة العربية والإسلامية.. يسقط مجلس الأمن.. يسقط العالم.. يسقط كل شيء..”.
العربي الجديد