لعنة اللجوء السوري/ رضوان زيادة
كنت مشاركاً في ندوة ضمت منظمات أوروبية عديدة تعمل في إطار مساعدة اللاجئين السوريين، وهدفت الندوة، بشكل رئيسي، إلى حصر ومتابعة القوانين الأوروبية التي صدرت خلال الأعوام الخمسة الماضية، بهدف وقف عبور اللاجئين أو منعهم أو حتى تجريم من يساعدهم.
لا تترافق كل الحروب مع اللجوء كما عرفناه سابقاً، لكنها حتماً تشهد نزوحاً داخل البلد، لكن إذا ما عبر هؤلاء النازحون إلى حدود دولة أخرى تحول النازحون إلى لاجئين، وقد تميزت الحرب السورية بأنها كانت وقوداً لملايين اللاجئين، ليس إلى دول الجوار فحسب، لبنان والأردن والعراق وتركيا، وإنما هاجر السوريون، ولجأوا إلى دول أوروبا المختلفة وشرق آسيا. ومع تصاعد أزمة اللاجئين في أوروبا في عام 2015، جرى توزيع حصص اللاجئين على الدول الأوروبية المختلفة. ولذلك، وصلت عائلات سورية لاجئة إلى آيسلندا على سبيل المثال، ولم يكن معظم السوريين قد سمع بها أو فكر بالذهاب إليها.
دفعت عوامل كثيرة اللاجئين إلى الهروب من وطنهم وترك بيوتهم واللجوء، مثل القصف العشوائي والاستخدام المكثف للبراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الكيميائية والحصار وغير ذلك، لكن بشار الأسد أصدر رزمة من القوانين والإجراءات الأمنية، وعمل على تدمير الممتلكات التي تجعل من هذه العودة مستحيلة إلى البلد الأم سورية، وحولت اللاجئ السوري إلى مقيم دائم في بلد اللجوء المضيف. إذ غالباً ما يتبع عملية تهجير السكان من المناطق
المستهدفة استيلاء قوات النظام على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم، وجرى الحديث عن إنتاج الوثائق المزورة كنايةً عن تكتيك واسع الانتشار في نقل الملكية القانونية للممتلكات والأراضي من مالكيها الشرعيين إلى الموالين للنظام. كما ظهرت تقارير عن التدمير المتعمد للسجلات المدنية في حمص، والمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في ريف دمشق وحمص وحلب، فضلاً عن مصادرة الوثائق عند نقاط التفتيش.
كما تمتلئ الإنترنت بمقاطع فيديو مذهلة في وضوحها، وفي دلالتها على ارتكاب الجريمة، كفعلي سرقة ممتلكات الغير ونهبها، تحت اسم مليشيا الدفاع الوطني، وغيرها من المليشيات الموالية للنظام، أو أفراد من الجيش السوري التابع للنظام، كما قام النظام، وبشكل علني، بتدمير أبنية ومساحات كبيرة من الأراضي بحجة التنظيم، فقد وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه اعتباراً من يوليو/ تموز 2012، قامت السلطات السورية عن عمد بتهديم الآلاف من البنايات السكنية، وأحياء بكاملها في بعض الحالات، باستخدام المتفجّرات والجرافات، في دمشق وحماة. وزعم مسؤولون حكوميون ومنافذ إعلامية موالية للحكومة أن عمليات الهدم أتت كجزء من جهود التخطيط العمراني لإزالة مبانٍ مقامة بالمخالفة للقانون، إلا أن عمليات الهدم كانت تجري تحت إشراف قوات عسكرية، وكثيراً ما كانت تتم في أعقاب قتال بين القوات الحكومية والمعارضة في تلك المناطق. وقالت المنظمة الحقوقية الدولية إن هذه الظروف تشير، علاوة على أقوال شهود وتصريحات أقل مواربة من مسؤولين حكوميين تناقلتها وسائل الإعلام، إلى تعلق عمليات الهدم بالنزاع المسلح، في مخالفة للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب.
وخلصت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن سبع حالات من حالات الهدم واسع النطاق الموثقة في تقريرها تخالف قوانين الحرب، إما لأنها لم تخدم أي غرض عسكري ضروري، وبدت كأن المقصود منها معاقبة السكان المدنيين، أو لأنها تسبّبت في أضرار غير متناسبة للمدنيين. وقد وقعت أول حالةٍ من حالات الهدم واسع النطاق التي وثقتها “هيومن رايتس ووتش” في يوليو/ تموز 2012. وتبيّن صور القمر الصناعي التي حللتها المنظمة أن السلطات السورية هدمت، منذ ذلك الحين، ما يبلغ مجموعه 140 هكتارا (ما يعادل مساحة مائتي ملعب كرة قدم) من البنايات السكنية في معظمها، في سبعة أحياء في حماة ودمشق. كانت مبانٍ مهدومة كثيرة عمارات سكنية ترتفع عدة طوابق، وبلغ بعضها ثمانية. لقد فقدت آلاف العائلات مساكنها نتيجة عمليات الهدم هذه.
كما هدمت سلطات الحكومة بنايات سكنية في منطقتي التضامن والقابون مباشرة، عقب تصدّي القوات الحكومية لهجمة عسكرية من المعارضة في العاصمة في منتصف يوليو/ تموز 2012. كما تردّدت مزاعم باستخدام مقاتلي المعارضة حيين سكنيين في حماة، دمرتهما قوات الحكومة في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2012 وإبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2013، لدخول المدينة والخروج منها. وقد تمت بعض عمليات الهدم في نطاق أهداف حكومية عسكرية أو استراتيجية، كانت قوات المعارضة قد هاجمتها، مثل مطاري المزة العسكري ودمشق الدولي، ومستشفى تشرين العسكري في حي برزة. وعلى الرغم من أن اتخاذ السلطات إجراءاتٍ لحماية هذه الأهداف العسكرية أو الاستراتيجية ربما كان له ما يبرّره، إلا أن تدمير مئات المباني السكنية، على بعد كيلومترات من تلك الأهداف في بعض الحالات، يبدو أنه لم يتسم بالتناسب، وكان يخالف القانون الدولي. وقد استمر نظام الأسد بعمليات الهدم الكامل عبر تسوية أحياء بكاملها بالأرض، لأسباب سياسية محضة، تقوم على تأييد هذه الأحياء للثورة السورية، كما جرى في حمص وداريا وغيرها.
كما قام النظام أيضا بعملية مسح كاملة وواسعة النطاق وتزوير لسجلات الممتلكات في جميع أنحاء البلاد، بهدف منع السكان من العودة والمطالبة بأي حقوق. ففي 1 يوليو/ تموز 2013، مثلا، قصفت قوات النظام السجل العقاري لمدينة حمص المركزية، وهو ما أدى إلى حريق هائل، دمر العديد من سجلات الممتلكات في المدينة، وهو ما دفع سكان المدينة إلى الاعتقاد أنه كان متعمدا، لأنه كان الهيكل الوحيد الذي احترق في الجزء الأكثر أمنا من المدينة. وسجلت أيضا حرق سجلات الأراضي في كل من الزبداني وداريا ودرعا والقصير، فحرق السجلات لا يمنع فقط أصحاب الأملاك الخاصة الأصليين من استعادة ممتلكاتهم، لكنه يسمح أيضا بنقل الملكية للأفراد والجماعات الموالية للنظام.
وفي بعض الحالات، شملت السجلات المدمرة أيضا فواتير الكهرباء والماء التي يمكن استخدامها لإثبات الملكية، كما ترددت رواياتٌ كثيرة عن تزوير السجلات، بما في ذلك استخدام وثائق مزورة لتنفيذ بيع الملكية ونقلها إلى الملّاك الجدد.
وقد ترافق ذلك مع إصدار قوانين ومراسيم قد تبدو “محاولاتٍ” لإصلاح القوانين العقارية، وتسريع إعادة الإعمار في ظل الحرب، لكنها لا تأخذ في الحسبان حالة الأشخاص النازحين أو المفقودين. ولذلك، أصبح بعضهم يعتبر أنها بالعكس وضعت من أجل استهدافهم، ومنعم من العودة، عبر مصادر ممتلكاتهم وحرمانهم من حق الملكية الخاصة.
العربي الجديد