كيف ارتكبت الولايات المتّحدة جرائم حرب في سوريا؟/ روي جوتمان
وسط تقارير تفيد ببداية انسحاب القوات الأميركية من سوريا، يتّهم فريق سوري بارز معنيّ بحقوق الإنسان، الرئيس دونالد ترامب بتبنّيه موقفاً من “الإهمال واللامبالاة”، على أقل تقدير.
التقرير الذي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي جاء فيه ادّعاء باحتمال وجود جرائم حرب بين الهجمات التي يشنّها التحالف المناهض للدولة الإسلامية والذي تقوده الولايات المتحدة، طالب الولايات المتحدة “بإعادة النظر في قرارها بشأن انسحاب القوات الأميركية”. ويرى التقرير بالأساس أن جزءاً كبيراً من الدمار الحاصل هو مسؤوليّة الأميركيين، بصرف النظر عن وحشية العدو الذي كان أمامهم.
التحليلات المتعلّقة بالتأثير السياسي لخطط الولايات المتحدة، لاذعة، وتأتي في وقت يسعى مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، إلى إيضاح قرارات إدارة ترامب في المنطقة والإشادة بها، وهي قرارات اعتُبرت اعتباطية ومُربكة.
قال بومبيو، “تعلمنا أن الفوضى غالباً ما تتبع انسحاب أميركا، وأن الضغائن عادة ما تنمو عندما نهمل أصدقاءنا، وأن أعداءنا يتقدّمون حين نقيم معهم شراكات”، وأضاف: “الأخبار السارة هي أن عصر الشعور الأميركي بالخزي قد ولّى، وكذا السياسات التي أحدثت الكثير من المعاناة غير الضرورية”.
لا شيء يمكنه أن يكون أبعد من الصورة التي يرسمها بومبيو عن الصورة التي تصوّرها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي خلصت إلى أنه “من منظور حقوق الإنسان، لا يمكن القوات الأميركية المغادرة هكذا ببساطة بعد أربع سنوات من التدخل العسكري، من دون المساهمة في حسم القضايا التي لا تزال مُعلّقة، والتي كان بعضها نتيجةً مباشرة للتدخل العسكري”.
أعلن ترامب، الذي ينتابه إحباط واضح من الطبيعة المستعصية لميدان المعركة في الشرق الأوسط، الانسحاب من سوريا مخالفاً رغبات جيمس ماتيس وزير الدفاع، الذي استقال بعدها بيوم، وعلى رغم احتجاجات الكثيرين في الكونغرس، بمن فيهم السيناتور ليندسي غراهام. منذ ذلك الإعلان، يحاول غراهام ومعه جون بولتون، مستشار الأمن القومي، تخفيف أثر القرار أو حتى إلغاءه.
الكولونيل شون ريان، المتحدّث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة “داعش”، قال إن الولايات المتحدة بدأت “عملية انسحابنا المتأني” من سوريا، مضيفاً: “بدافع القلق بشأن أمن العمليات، لن نناقش جداول زمنية محدّدة، أو مواقع، أو تحرّكات القوات”.
أعلن تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه “على مدار السنوات الأربع الماضية، ارتكب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الكثير من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، والتي يمكن اعتبار الكثير منها جرائم حرب، بما في ذلك الهجمات التي تسببت في مقتل مدنيين، منهم نساء وأطفال”.
إلا أن الولايات المتحدة راضية عن أفعالها.
قال بومبيو أثناء وجوده في القاهرة “فوّض الرئيس ترامب قادتنا في الميدان شن هجمات أسرع وأقوى من أي وقت مضى على داعش. وحالياً، تم تحرير 99 في المئة من الأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة داعش”، وأضاف “تعود حياة ملايين العراقيين والسوريين إلى طبيعتها. وعلى دول التحالف العالمي أن تفخر بشدة بهذا الإنجاز. لقد قمنا معاً بإنقاذ حياة الآلاف”.
وتطالب الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتعويضات لحوالى 3 آلاف مدني، قالت إنهم قُتلوا في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد المتطرفين الإسلاميين. وبناء على بياناتها الخاصة، قالت إن 2984 من المدنيين قُتلوا على إثر ما فعله التحالف، من بينهم 932 طفلاً و646 امرأة. أما التحالف نفسه فيُقر بقتل 1139 مدنياً في العراق وسوريا منذ 2014، لكنه لم ينشر أرقاماً تفصيلية مماثلة لتلك الخاصة بالشبكة.
إن الخسائر المدنية هي أحد جوانب الانتشار الأميركي التي تغيب إلى حد كبير عن الجدل الوطني المتعلق بقرار ترامب المفاجئ بسحب قوات العمليات الخاصة البالغ عددها 2000 تقريباً. كان التركيز الرئيسي منصبّاً على مصير ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، التي كانت تعد قوة مشاة أميركية تستولي على المدن التي احتلها “داعش” في سوريا.
لكن مجموعة حقوق الإنسان التي تتخذ من قطر مقراً لها، تُردّد موقف الحكومة التركية، وتصف وحدات حماية الشعب الكردية بأنها “منظمة متطرّفة” تابعة لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة تصنّفها الولايات المتحدة جماعةً إرهابية. حكمت وحدات حماية الشعب مساحات شاسعة بعدما قضت على وجود “داعش” فيها. إلا أنه بعد عام واحد، بذلت الولايات المتحدة “بعض الجهد” لإرساء حاكم محلي مُنتخب ديموقراطياً وللعمل على تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة.
لم تشهد المناطق التي طهّرتها وحدات حماية الشعب “إزالة الأنقاض حتى أو إعادة تأهيل أهم المرافق الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والأسواق”، ومعظم السكان النازحين منها لم يعودوا إلى ديارهم بعد.
قال بومبيو لجمهوره في القاهرة: “قرر الرئيس ترامب إعادة قواتنا في سوريا إلى الوطن. نحن دائماً ما نعود، والآن هو الوقت المناسب، لكن هذا ليس تغييراً في المهمة. إذ لا نزال ملتزمين القضاء التام على داعش والقتال المستمر ضد الإسلام المتطرف بأشكاله كلها”.
من منظور الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يعكس انسحاب ألفي فرد من قوات العمليات الخاصة “موقفاً من الإهمال واللامبالاة تجاه القضية السورية، ويُمثل تهاوناً إضافياً مع التوسع الروسي”. كما ورد في التقرير أن روسيا تخلت في الربيع الماضي عن اتفاقية عام 2017 التي أبرمتها مع الولايات المتحدة، والمتعلقة بإقامة منطقة فض نزاع في جنوب سوريا.
كان انتقادها الأكثر قساوةً هو فشل الولايات المتحدة في إقامة حكم محلي ديموقراطي قوي في المناطق التي سيطر عليها “داعش” في السابق.
تقول المجموعة: “أهدرت الولايات المتحدة الكثير من الفرص التي كانت أمامها، كي تساهم في عملية التحول الديموقراطي وتساعد الشعب السوري في بناء دولة ديموقراطية حديثة تتبوأ مكانها إلى جانب الديموقراطيات الحضارية المتقدمة”.
وقال التقرير إن الفشل الأميركي في إقامة كيان سياسي قوي في الإقليم الذي يهجره “سيترك مساحات شاسعة من الأراضي معرضةً ليس لخطر سيطرة داعش وحسب، بل –وهو الأكثر خطورة- لخطر سيطرة الميليشيات الإيرانية أيضاً”.
طلبت صحيفة The Daily Beast، من القيادة المركزية الأميركية ووزارة الخارجية التعليق على الاستنتاجات الرئيسية لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لكنها لم تتلق رداً.
التقرير كتبه فاضل عبد الغني ذو الـ38 عاماً والمتخرّج من كلية الهندسة المدنية من مدينة حمص، وكان أسس الشبكة السورية عام 2011. ذُكرت أعمال الشبكة كثيراً في التقارير السنوية لحقوق الإنسان التي نشرتها وزارة الخارجية.
وقال عبد الغني إن ربع سوريا –مدينة الحسكة ودير الزور والرقة- يخضع حالياً لسيطرة وحدات حماية الشعب، المدعومة من الولايات المتحدة، وكان سؤال الأكبر والوحيد هو عن مصير هذه المناطق.
يقول عبد الغني: “ما هو مستقبل هؤلاء الناس؟ من سيحكمهم؟ هذه مسؤولية أميركا”.
قال أيضاً إن الانسحاب من دون تحديد السيادة المستقبلية قد يؤدي إلى “حرب أهلية طويلة بين العرب والأكراد”، وإن الشعب “لن يقبل حكم المتطرفين الذين لا يمثلون الأكراد”، وتوقع أن تسلم وحدات حماية الشعب المنطقة لحكومة الأسد.
ثم قال إن المشكلة الأخرى هي مبدأ المساءلة وتعويض المدنيين الذين قتلتهم الضربات الجوية الأميركية أو قوات سوريا الديموقراطية -القوات البرية العربية – الكردية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب- خلال السنوات الأربع والنصف التالية لتدخل الولايات المتحدة في سوريا.
أضاف عبد الغني أن بإمكانه دعم أقواله، بأن الولايات المتحدة ارتكبت جرائم حرب، بقاعدة بيانات جُمعت بعناية. وقال إنه يملك “مئات” الأمثلة على الردود غير المتكافئة على الهجمات العسكرية وعلى الفشل في التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية. يقول عبد الغني: “كل قصف لا يميز بين المقاتلين والمدنيين وتنتج عنه خسائر في الأرواح، يُعد انتهاكاً”.
لذلك أعربت منظمات أخرى عن مخاوفها بشأن جرائم الحرب الأميركية المحتملة في سوريا.
وفي مثال على انتهاكات التحالف، قدمته لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا في آذار/ مارس 2017، استهدفت طائرة تابعة لقوات التحالف مقاتلي “داعش” في إحدى قرى حلب، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً، بينهم 13 مدنياً، 9 منهم أطفال. ووفقاً للجنة فإن مصادر محلية ذكرت أن مقاتلي “داعش” أجبروا المدنيين على دخول المنازل كرهائن. لكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ادعى أن مدنياً واحداً “قُتل بالخطأ نتيجة الانفجار الذي أعقب الهجوم”.
قالت لجنة الأمم المتحدة إن الهجوم الجوي “يثير المخاوف بشأن مبدأ التناسب والاحتياطات للهجمات في إطار القانون الإنساني الدولي”.
في آذار 2017، ذكرت صحيفة The Daily Beast، مقتل 29 مدنياً على الأقل أثناء الصلاة في مدينة الجنة بإدلب في شمال سوريا، جراء غارات جوية أميركية. وزعمت القيادة المركزية الأميركية أن من قتلتهم هم “عدد من الإرهابيين” من تنظيم القاعدة.
بعد تحقيق استمر أسابيع، خلصت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الطائرة الحربية الأميركية قصفت مسجداً. كان العنوان الفرعي للتقرير “فشل سلطات الولايات المتحدة في اتخاذ الاحتياطات اللازمة”. وفي تقريرها كتبت “هيومان رايتس ووتش” أن “الفشل في فهم أهم خصائص الحياة وأنماطها حول الهدف، يثير التساؤل عما إذا كان الضباط مستهترين على نحو إجرامي في إطلاق الهجوم”.
لكن البنتاغون خلص بعد تحقيق داخلي أجراه إلى أن الطائرة الحربية الأميركية قتلت أكثر من 20 مقاتلاً من القاعدة وربما مدنياً واحداً فقط.
دخلت جماعات حقوق الإنسان في نزاع مع الجيش الأميركي حول عدد المدنيين الذين قُتلوا في الحملات التي تقودها الولايات المتحدة ضد “داعش”. وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد القتلى المدنيين الناتج من قصف التحالف بحوالى 2934 شخصاً. لكن Airwars، وهي مجموعة مراقبة مقرها في بريطانيا، تقدر عدد القتلى في سوريا بما لا يقل عن 4919 شخصاً خلال تلك الفترة – وهو رقم أعلى بكثير. أما القيادة المركزية الأميركية فهي لم تُقدم أرقاماً بعد.
في مدينة الرقة وحدها، تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن 1785 مدنياً قُتل، إما جراء قصف قوات التحالف أو في عمليات القوات البرية التي تقودها قوات حماية الشعب. وهو رقم يزيد عن نصف العدد الإجمالي للمدنيين الذين قتلوا خلال 4 سنوات. وقد قدرت Airwars العدد الإجمالي بـ2100. أما البنتاغون فلم يكشف عن إحصاءاته الخاصة.
كيف إذاً نفسر ذلك التفاوت؟ قال أليكس هوبكينز من شركة Airwars لصحيفة “ديلي بيست” عبر بريدٍ إلكتروني: “يشير ذلك إلى خلل منهجي في نظام عسكري يعتمد بشدة على ما يمكن رصده من أعلى – حتى عندما يستمر موت المدنيين في مساحات غير مرصودة في الأسفل. تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لأصوات المجتمعات المتأثرة مباشرةً بأعمالهم العسكرية”.
لا تعترف روسيا، على عكس الولايات المتحدة، بوقوع ضحايا مدنيين، لكن عدد الضحايا المدنيين المنسوب إلى روسيا هو ضعف عدد الضحايا المنسوب إلى الولايات المتحدة، وهو 6231 شخصاً منذ بداية دخول روسيا الحرب في أيلول/ سبتمبر 2015 حتى أيلول 2018، طبقاً لما ذكرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وتُقدر Airwars، العدد بما لا يقل عن 12713 شخصاً (وربما يصل إلى 19327).
قال عبد الغني لصحيفة “ديلي بيست”، إن قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فيها أسماء ومواقع وصور وتفاصيل أخرى خاصة بالضحايا المدنيين. وقال إن القيادة المركزية الأميركية، لم تتواصل أبداً مع مجموعته ولم توافق قط على عقد اجتماع. وانتقد عبد الغني القيادة المركزية لما سماه “استراتيجيتها للاعتراف ببعض الوقائع وإنكار أخرى”، ولعدم إجراء تحقيق وافٍ ولعدم تحميل ضباطها مسؤولية أخطائهم. وقال إنه ليس على علم بأي تعويضات للضحايا عن الحوادث التي تم الاعتراف بها.
لم يرد البنتاغون على الفور عندما سُئل عما إذا كانت هناك تعويضات قد دُفعت للضحايا.
هذا الموضوع مترجم عن thedailybeast.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي
درج