قواعد اللعبة “وسنينها”/ أحمد عمر
قُلبت قواعد لعبة المُلك والإمامة مع حافظ الأسد في سوريا كما لم يحدث في تاريخها قط، وهي تذوق نتائج ذلك القلب. ومع بشار الأسد صار الملعب بلا مدرجات ولا مرمى ولا حكام تماس، والكرة الحالية جرة غاز بعد أن كانت برميلاً.
الرياضة من أخس المناهج في المدارس العربية، وهي من أرفعها في المدارس الأوربية، وقد اتفق صناع الأدبيات السياسية على استعارة لغة كرة القدم الشعبية الأولى في كوكب الأرض، لفن الحكم وإدارة الصراعات: “كيم أوفر”، الكرة في ملعبكم، كول..
قضت الدول الكبرى التي حصّنت نفسها بعد الحرب العالمية بحق الفيتو، بمنع الشعوب العربية والنامية من اللعب، وكتبت عليها أن تشجع مندوبها السامي الحاكم العربي، الذي يستمد الشرعية من المركز الغربي. انتهت حقبة الاستعمار التقليدي، وبدأت حقبة الاستعمار الذكي بحاكم عربي.
ستصفق الشعوب له، وهو يلعب وحده، ضدها، غلاماً غرّاً، أو شيخاً على عربة معاقين، ستهتف له، وهو يشوط الهواء، ويرفس اللاعبين في وجوههم، وستسكت على قتلهم في أرض الملعب، ستغني به وهو يرتع في الملعب ويلعب، ستنشد له الأناشيد وهو يحضن الكرة، مع أن مسك الكرة ممنوع في قواعد اللعب.
آلاف الصور نقلتها وكالات الأنباء لجرائم خرق قواعد اللعبة، واللاعب الوحيد في سوريا، يبقر بطون الجماهير والبلاد بالبراميل. نخبة اللاعبين قضت تحت التعذيب، قبل أربعين سنة، فبقينا بلا آباء، ونجا بعض النخبة في الهرب إلى الغرب، فكسب الغرب مكسبين في صراعه الأزلي مع الشرق. الحاكم العربي يقصف الجماهير، ويخرب المدرجات، ويزرع أرض الملعب بالقبور، 55 ألف صورة اختلسها القيصر وهرب بها إلى محاكم العالم الحر، لكنه يعيش متنكراً، فالعالم الحر لم يقرر بعد تغيير قواعد لعبة “الطغيان الشرقي“، بعد انتهاء عصر الاستعمار الذئبي وبداية عصر الاستعمار الثعلبي، عن طريق متعهدين من الوطن، يرفعون شعارات وطنية مثل الوحدة والحرية والاشتراكية وأحياناً الإسلام. أمس أصدر مجلس النواب قانون القيصر، والتصفيق يشتد له في المدرجات البعيدة، وما يزال أمامه تصفيات ربع النهائي في مجلس الشيوخ، ثم تصفية قرار رئيس الجمهورية. لقد غلب خبر كاذب عن جنين في حاضنة كويتية نزع عنها الجندي العراقي أنابيب الهواء خبر 55 ألف صورة موثقة.
الغرب يحافظ على قواعد اللعبة في بلاده، ويدمرها لدى خصمه، وهو يحب أنواعاً أخرى من اللعب العنيف، العنف غريزة بشرية تجلب له المزيد من اللاعبين الموهوبين، الهاربين من ملاعبنا التي تشبه الحظائر، وتتيح له تصدر المشهد في العلم والأدب والرياضة. إسبانيا عادت إلى مصارعة الثيران بعد عقود من الاحتجاج على قسوة الإنسان على الحيوان، وتوقف عابر، العنف ضرورة، وتساق عادة أعذار وتسويات حكيمة في الدفاع عن قتل الثور في أرض الملعب، فهو سينتهي في المسلخ، فلمَ لا نمنحنه بطولة الموت على أرض الملعب؟
الحرب خدعة، لكن السلام أيضاً خدعة عند الغرب، فالسلام هدنة بين حربين، لقد قصفت أمريكا اليابان بقنبلتين نوويتين، فغيرت قواعد الحرب والسلام في اليابان والعالم، تحوّل بعدها أكثر شعب حباً للفداء والتضحية إلى شعب مسالم مثل الحمام والدواجن. وزيادة في حرص الدول المتحضرة على العدل والتحكيم السليم في كرة القدم، أضاف مؤخراً آلة الإعادة “الفار”، التي نرجو أن تطبق على لعبة الأسد في سوريا بالبراميل والكيمياء. عند زيارة رئيس فرنسا ماكرون الجزائر طبق بعض الذين قابلوه تقنية الفار وطالبوه بالاعتذار عن الاستعمار الرهيب للجزائر، فقال لهم ما قالت ليلى مراد للأستاذ حمام في فلم “غزل البنات”: الماضي إحنا مالنا ومالو. الاعتذار سيلزمه إعادة بلد الأنوار والثورة الشهيرة جماجم 18 الف زعيم جزائري ، قطع جيش الأنوار رؤوسهم وأخذها إلى متحف اللوفر للذكرى.
ولأن قواعد اللعب في كرة القدم وليس في السياسة راسخة مثل صبّة الباطون، والحياة متغيرة بنواميسها، يضطر الحاكمون إلى تغيير اللغة عند فوز فريق على فريق في كرة القدم، مثال قول المعلق الرياضي عدنان بوظو: خسرنا بشرف. ومن ذلك أخبار تصدرت صحافة خليجية تسخر من فوز قطر في كأس آسيا، وتعيّرها بلاعبي الفريق غير القطريين، وهم عرب من الأشقاء، وكان سبعة من أعضاء فريق الكرة الألماني وافدين! وشتان بين المانيا التي يصل تعداد سكانها 85 مليون نسمة وهي من هي في الصناعة والكرة، وبين قطر.
أمس خرج علينا إعلامي فلسطيني معروف، ليبشرنا بأنّ الأسد سيغيّر قواعد اللعبة، التي كان بطلها من غير حرب، وسينطلق بالكفاح المسلح من الجولان. سمعنا بهذا الهراء منذ سنوات عشر، وهو هراء يشبه هراء أهداف حزب البعث، وكان إعلان مثل هذا النبأ السعيد منوطاً دوماً بإعلاميين غير سوريين، كما كانت الصحافة اللبنانية ملعباً أثيراً لدى المعارضة والسلطة السورية، مع أن مساحة لبنان هي نصف عشر مساحة سوريا، وما تزال ملعب العرب والجيران السياسي والعسكري أيضاً لأن الحكام العرب يتجنبون اللعب بين أرضهم وجمهورهم على عكس ما تقول قواعد الكرة. قواعد الديمقراطية العربية السورية كانت تنص: الرئيس السابق هو الرئيس القادم، باستفتاء، أي من غير منافس، تحت قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وشرط الفوز في الانتخابات هو رضى الناخب الوحيد في الغرب. من قواعد اللعبة السياسية العربية أن يغيّر الرئيس قواعد اللعبة فيما يجب أن يكون مقدسا وراسخا: الدستور.
ولهذا وذاك وذيّاك، نسينا أبجد هوز حطي كلمن
وشكلنا غير “منسجمن”
ونعبد صرمٌ.
المدن