فالج لا تعالج/ ميشيل كيلو
ما إن قام الحرس الجمهوري بانقلاب عسكري أطاح من آلت الرئاسة إليه دستورياً، وفرض بشار الأسد وارثاً عرش أبيه الميت، حتى تنكر جلالته لوعد الإصلاح، ولمن طالبوا به داخل سورية وخارجها، وأعلن تمسّكه بسلطة “القائد الخالد”، لقب أبيه الميت الحي، وبعلاقاتها القمعية بالسوريين. وكان وارث العرش الأسدي قد وعد بالتغيير، فالإصلاح، فالتطوير والتحديث، ثم أعلن قبيل الثورة: إن النظام أشبه بسيارة قديمة إن قادها سائقها بسرعة تفكّكت، لذلك سيأتي الإصلاح، ولكن بعد أجيال. بدل أن يصلح سيارة النظام المتهالكة، نسب الرئيس الأرعن المسؤولية عن عدم أهلية نظامه للإصلاح، متناسياً أن أباه انفرد بالحكم ثلاثين عاماً، اتخذ خلالها ما أراده من قراراتٍ أوقعت الشعب في كوارث، فاقمها ابنه بالإصرار على إبقاء نظامه من دون تغيير، وتحويل وعد الإصلاح إلى تلاعب سياسي رخيص بالوطن والشعب، لعب دوراً حاسماً في انفجار مجتمعي، لم يطلب المنخرطون فيه، سلمياً ومدنياً، غير الإصلاح، على الرغم من تعرّضهم لإطلاق نار قاتل بأسلحة أجهزة السلطة وجيشها، ومرتزقة إيران الذين استجلبهم محب شعبه إلى سورية قبل الثورة، لمساعدته على سحق مواطنيها.
واليوم، وبعد “الانتصار” الإيراني ــ الروسي ــ اللبناني ــ الأفغاني ــ الأوزبكي ــ الباكستاني.. والذي ينسبة الأسد لنفسه، لم تعد حليمة إلى عادتها القديمة وحسب، بل إلى ما هو أسوأ منها بكثير. لذلك وسعت سياساتها القمعية ــ الإبادية ضد من عادوا إلى “حضن الوطن”، ومارستها وسط صمت دولي مقلق، لاجتثاث عشرات آلآف الثائرين الذين ألقوا السلاح. لكن الأسدية قرّرت أن جرثومة الحرية التي دفعتهم إلى الثورة، لم تبارح صدورهم، وإن عليها القضاء عليهم، وإلا بقي انتصار النظام ناقصاً، وكانت عودتهم إلى بيت الطاعة الأسدي حافلةً بالمخاطر. لذلك لا يجوز أن يكون توقف الثائرين عن القتال نهاية حرب الأسدية ضدهم، وإنما هي إحدى مراحلها، تتواصل خلالها بصيغ أخرى غير قتالية، قد تأخذ صورة هدنةٍ تعد بالسلام بقدر ما تحقق الأهداف التي كان تحقيقها رهناً بالمدافع والدبابات والطائرات. هذا النمط من مواصلة الحرب الذي يتجلبب بسلام تجلبه الهدن والمصالحات الوطنية، مع أن عليه ألا يكون أقل فتكاً بالبشر من نمطها القتالي، بما أنه يأتي ضحاياه من حيث منحهم الأمان، وطمأنهم على حياتهم، بيد أنه يواصل البطش بهم وبأسرهم وجيرانهم وبيئتهم الاجتماعية وأصدقائهم، حسب تحديدات أعلنها بشار الأسد في واحدةٍ من خطبه حول هوية العدو الداخلي الذي تجب إبادته.
تتوارد أنباء مرعبة عن مصير سكان المناطق الذين استدرجوا إلى “الهدن والمصالحات الوطنية”، وأنباء معاكسة عن تجدّد المقاومة ضد الأسدية، تتصل بدفاع عشرات آلاف السوريين عن أنفسهم، ممن كانوا قد خدعوا بوعود إنهاء الحرب واستئناف حياتهم الطبيعية، لكنهم وجدوا أنفسهم عرضة للاعتقال، والقتل، والموت تحت التعذيب، والاغتيال، والإخفاء القسري، والاغتصاب، ومصادرة الممتلكات، والتشرّد، والتجويع، أو سيقوا إلى أجهزةٍ مارست بالأمس إرهاب الدولة عليهم، وتكلفهم اليوم بممارسته ضد شعبٍ كانوا جزءا منه، ودافعوا عنه إلى الأمس القريب.
تواصل الأسدية ما تتقنه: إرهاب الدولة، وتقمع وتقتل السوريين في مناطقها “الآمنة” خصوصاً، وتستهدف الذين ألقوا سلاحهم، بعد أن خدعت أغلبهم بوعد السلام وإنهاء الحرب، التي تتجدّد هذه الأيام بالسياسات عينها، التي أدت إلى انفجار الثورة، وستشعل ثورات جديدة، إن واصلت الأسدية تدمير دولة سورية ومجتمعها، ورفض الإصلاح، والتنكر لحقوق شعبٍ خرج عن طاعتها، واعتمدت حياله الإرهاب سياسةً لم يسبق أن تبنّت غيرها حيال مواطنٍ يعي أنه يفقد إنسانيته، بقدر ما يفقد حريته وكرامته.
العربي الجديد