التضامن مع اللاجئين ليس بجريمة/ وسام الناصر
لم يكن ليخطر في بال “ستيفان”، المحامي الفرنسي الذي ربما لم يرتكب حتى مخالفة إشارة مرورية في حياته، أن يصبح متهماً بتهريب لاجئين سوريين، ويحكم عليه بسبع سنوات سجن في اليونان. لم يكن لدى هذا المحامي اهتمام خاص بموضوع اللاجئين أو حتى علاقة خاصة تربطه بالضفّة الأخرى من المتوسط.
بدأ “ستيفان “يهتم تدريجيّاً بقضّية اللاجئين بعد تعرّفه في شهر أبريل 2011على “زينة” المحاميّة السورية، التي ستصبح زوجته وأم أطفاله. حاول الزوجان تقديم ما استطاعا من مساعدات للاجئين السوريين من خدمات ترجمة أو استشارات قانونية وغيرها، إلا أن قصة “ستيفان” بدأت مع محاولات عائلة “زينة” الخروج من جحيم الحرب في سوريا. وقصة عائلة زينة قد تكون قصة اعتادها السوريون لهول ما مرَّ على رؤوسهم من مآسٍ. هي قصة عائلة سوريّة عادية اضطرت لهجر منزلها بسبب الحرب، يُخطف الأب ويتم تعذيبه لشهور ومن ثم يُطلق سراحه مقابل فديّة مالية، قصة أم أنهكها الخوف على أولادها ليل نهار. عائلة سورية رفضت السفارة الفرنسية إعطاءها تأشيرة سفر فلجأت إلى طُرق الموت في البحار. قصة عائلة سوريّة عاديّة، ابتزها المهربون في لبنان وتركيا، وأنقذها خفر السواحل اليوناني من الموت المحتم في “بلم” حُشر فيه أضعاف طاقته من المهاجرين الحالمين بالأمان.
تبرّع “ستيفان” بالذهاب إلى اليونان لمرافقة عائلة زوجته بنفسه لفرنسا؛ ليجنّبهم رحلة أخرى
في البحر قد تكلّفهم المغامرة حياتهم جميعاً. لم يذهب بشكل اعتباطيّ، فهو محام وتأكد أنّ القانون الفرنسي لا يدينه في حالة مساعدة أحد أفراد عائلته أو عائلة زوجته، وأخد معه كل ما يثبت صلة القرابة بالعائلة. إلا أنه صُدم على أرض الواقع بالطريقة التي يُعامل بها اللاجئون في اليونان. فقد تم اعتقاله ليوم كامل مع عائلة زوجته، دون طعام أو شراب، وكما تمت مساومتهم على الطعام مقابل التوقيع على اعترافات كُتبت باللغة اليونانية، ولم يسمح له بالتواصل مع محام يدافع عنه. صُعق المحامي الفرنسي باستهتار ولا مبالاة القضاء اليوناني، فقد عرضوا الإفراج عنه بكفالة مقابل مبلغ خمسة آلاف يورو، وعندما أخبرهم بأن لديه ثلاثمئة يورو فقط، أخذوها منه وأطلقوا سراحه، ولكن تم الاحتفاظ بسيارته.
تابعت العائلة السورية مسيرها بمفردها لأسابيع عديدة، في رحلة تنقلوا بها بين أيادي المهربين من بلد إلى آخر ليصلوا أخيراً إلى فرنسا. تواصل “ستيفان” بعد عودته إلى فرنسا مع سفارة بلده في اليونان، التي وصلته بدورها مع محامية يونانية تعمل بالسفارة لم تقدّم له ما يفيد في قضيته. فلمْ تطلِعه على أيّ تفاصيل واكتفت بإخباره بموعد محاكمته وبالتهمة التي وُجهت له. حٌكم عليه بسبع سنوات سجن بقضية تهريب لاجئين غير شرعيين وأخبرته المحامية أنّ بإمكانه شراء هذه المدّة بالمال (خمسة يوروهات عن كل يوم) أي ما يعادل تقريبا 14 ألف يورو، لتعود وتخبره فيما بعد بأن المبلغ هو 27 ألفاً، متحججةً برسوم قضائية إضافيّة. شعر “ستيفان” بعدم جديّة هذه المحامية فقام بتوكيل محام آخر، وقدم طعناً في الحكم وهو لا يزال ينتظر قرار المحكمة النهائي مطلع شهر مارس.
أدرك “ستيفان” حجم التضليل الإعلاميّ ومدى الاستغلال السياسيّ لقضيّة اللاجئين وقررَ أن يبدأ معركته من أجل توعية الرأي العام بقضية اللاجئين وكسر المقولات الرائجة؛ التي تحيل اللاجئ إلى طالب مساعدات وإلى عبء على دافعي الضرائب. كما أدرك سريعاً أنّ معركته لن تكون رابحة إن خاضها مع السياسيين أو عن طريق القضاء فقط؛ لذلك بدأ بحملة عن طريق شبكة أصدقائه وعلاقاته ليصل بها إلى وسائل الإعلام المحليّة في مدينته أو الوطنيّة على مستوى فرنسا. حاول “ستيفان” من خلال ما جرى مع عائلة زوجته أن يوضّح للرأي العام الفرنسي أنَّ هذه القصة ممكن أن تكون قصة أيّ شخص فرنسي آخر، فهي ليست أول عائلة تهاجر إلى فرنسا، ومعظم الفرنسيين لديهم في عائلاتهم أشخاص من أصول مهاجرة. ففرنسا برأيه بُنيت بسواعد مهاجريها الذين تدفّقوا إليها عبر موجات متتالية، ولهم الفضل في إنقاذ اقتصادها الذي دمرته الحرب العالميّة الثانيّة.
يَجْهد “ستيفان” في التوضيح لكلِّ من يلتقي به بأن معظم هؤلاء اللاجئين لم يختاروا ترك منازلهم وأوطانهم، ولم يتحملوا أعباء الموت في البحار بشكل طوعي. يحاول أن يشرح أنهم كانوا يملكون منازل وأعمالاً ولديهم عائلات وصداقات حميميّة، ولكن الحرب أخذت منهم كل شيء وأجبرتهم على الهجرة طلباً للأمان. يقول “ستيفان”: ” نحن في فرنسا نسينا أوقات الحرب ومآسيها، ومن الصعب
أن يتخيّل الناس ما معنى أن تعيش في دولة يملؤها الخوف والرعب. عندما كانت زوجتي تتحدث مع أهلها كان يذهلني الصمت عمّا يجري، وكأنه لا يوجد حرب في سوريا. هذا الخوف لا يمكن أن يشعر به إلا من عاشه وهذه هي معركتي، أن أفْتَحَ أعين الناس على معاناة هؤلاء اللاجئين ومآسيهم”.
اطّلع هذا المحامي الفرنسي من خلال تغريبة هذه العائلة السوريّة على جانب من المعاناة التي يعيشها اللاجئ في طريقه إلى أوروبا، عَرَفَ مدى القهر والألم الذي يشعر به الإنسان الغريب خارج وطنه بلا مال ولا لغة، وخَبِر بشاعة ابتزاز المهربين وقطاع الطرق، وأدرك بشاعة السياسيين واستهتارهم بمصائر الناس. لذلك قرر نشر قصته في كتاب بعنوان “أردتُ فقط إنقاذ عائلتي” (Je voulais juste sauver ma famille)، يشرح فيه تفاصيل معاناة هذه العائلة السوريّة علّه يفلح في كسر بعض الأفكار والسرديات المسبقة عن اللاجئين. ينقلنا الكتاب ما بين مآسي الحياة في سوريا ومعنى أن تعيش في ظل نظام دكتاتوري، وبين طرق اللجوء الصعبة وخياراتها المصيريّة. يركّز الكتاب على اختلاجات الإنسان ومشاعره، ويصف بدقة وعناية لحظات الألم والخيارات المصيريّة في حياة اللاجئ.
يأمل “ستيفان” بأن يفتح هذا الكتاب النقاش على مستوى الاتحاد الأوروبي، إن كان فيما يتعلّق بانسجام التشريعات الناظمة للجوء، أو فيما يخص التعامل مع محنة اللاجئين وآلامهم، فالتضامن مع اللاجئين برأيه ” لا يمكن، ويجب أن لا يكون جريمة”.
تلقزيون سوريا