“الجنس مقابل الغذاء” في مراكز إيواء دمشق وريفها/ نور ابراهيم
إذا كنت سمعتَ سابقاً عن “الابتزاز الجنسي” بحق النازحات السوريات في مخيّمات النزوح داخل البلاد، فإن قريناتهنَّ النازحات في “مراكز الإيواء” في العاصمة دمشق وريفها تواجهن المعاناة ذاتها، والاستغلال ذاته، مع اختلاف هوية الجُناة من منطقة إلى أخرى، ضمن قاعدة “الجنس مقابل المساعدات”، سواء كُنَّ في المخيّمات أو في مركز إيواء حكومية.
لثلاثة أشهر متوالية تعرضت ريم (20 سنة) لاعتداء جنسي من المشرف على مركز الإيواء الذي تقيم فيه، مع عائلتها في حي كفرسوسة بدمشق، لكنها لم تجرؤ على البوح لأحد خوفاً من الفضيحة.
التقتها معدة التحقيق خارج مكان إقامتها في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 وكان الخوف مسيطراً عليها وطلبت عدم ذكر هويتها خوفاً على سلامتها وسلامة عائلتها.
بدأت قصتها في آذار/ مارس 2016 حين أرسلتها والدتها لإحضار حصة العائلة من المساعدات الإغاثية التي اعتادوا استلامها منذ نزوحهم إلى المركز، من ريف دمشق عام 2012، ليستغل المشرف المسؤول عن التوزيع صغر سنها لإجبارها على إقامة علاقة جنسية معه مقابل المساعدات.
بعد فترة، أخبرته ريم إنها لم تعد ترغب بالعلاقة معه فهدّدها بالطرد من المركز مع عائلتها، وبأنه سيفضحها أمام الجميع.
تقول: “خفت كثيراً وبدأت أفكر بمصيري ومصير عائلتي، لذلك قررت أن أسكت لحماية نفسي وحماية أهلي وبقيت على هذه الحال حتى أتت فتاة أخرى أصغر مني سناً… حينها تخلى عني”.
قصة ريم، واحدة من مجموعة قصص لسيدات سوريات تعرضنَ للاستغلال الجنسي والتحرش، بما فيه التحرّش اللفظي والجسدي والنظرات المؤذية، في مراكز الإقامة الموقتة (مراكز إيواء النازحين) في العاصمة دمشق وريفها، حيث أجبرنَ على تقديم تنازلات جنسية وإقامة علاقات جنسية مع مسؤولين ومشرفين على هذه المراكز، مقابل الحصول على حصصهنَّ من المساعدات الإغاثية. وتضطر هؤلاء النساء إلى التزام الصمت، خوفاً من الطرد خارج المركز، أو قطع المساعدات أو التهديد بالفضيحة والاعتقال في بعض الأحيان، إذا اكتشف أمرهن.
وتزداد معاناة هؤلاء النساء مع التضييق داخل هذه المراكز، وعدم السماح لهنَّ بمغادرة المركز ولو لساعات إلّا بعد تقديم طلب رسمي قد يأتي بالقبول أو الرفض من قبل إدارة المركز، كما تؤكّد 5 نساء التقتهنَّ معدّة التحقيق، ما يمنع النساء من إيجاد فرص عمل تحقّق لهنَّ العيش الكريم والهروب من الابتزاز مقابل المساعدات، ومن جحيم مراكز الإيواء هذه.
قابلت معدّة التحقيق 8 نساء، منهن اضطررن لتقديم “تنازلات جنسية” لمديرين ومشرفين في مراكز الإيواء في دمشق وريفها، وذلك خلال زيارات متعاقبة إلى مراكز عدة. والتقت معدّة التحقيق 35 شخصاً من المتطوّعات والمتطوّعين داخل هذه المراكز على امتداد فترة إنجاز التحقيق، وأكّدوا وقوع عمليات ابتزاز جنسي ممنهج، مقابل منح المساعدات الغذائية للسيدات النازحات.
وعلى الضفاف الأخرى، تعذّرت مواجهة المشرفين على هذه المراكز أو الجهة المسؤولة عنهم خوفاً على حياة معدّة التحقيق، وعلى الضحايا في آن معاً.
أكد تقرير “أصوات من سوريا” عام 2018 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن المساعدات الإنسانية يتم تقديمها مقابل الجنس في مختلف المناطق السورية.
ويكشف التقرير المطوّل أنّ “النساء والفتيات داخل مراكز الإيواء يتعرضن للاستغلال الجنسي من أولئك الذين يشغلون مناصب في السلطة، مقابل السكن والمساعدات، وتبقى النساء والفتيات اللواتي ليس لهن من يحميهن مثل الأرامل والمطلقات، والنازحات، معرضات بشكل خاص للاستغلال الجنسي”.
بحسب دراسة أجرتها مفوضية اللاجئين على حال النساء السوريات عام 2014، فإن واحدة من كل ثلاث نساء، لم تغادر البيت أبداً أو غادرته نادراً أو عند الضرورة فقط، وذلك بسبب انعدام الأمن والخوف من التحرش، كما أظهرت دراسة أخرى أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية السورية بعنوان “أوضاع المرأة في بعض مراكز الإقامة الموقّتة في دمشق” عام 2014، أن 3.5 في المئة من النساء تعرضن للعنف الجنسي بعد مجيئهنَّ إلى المركز، وتراوح العنف الجنسي بين التحرّش اللفظي والجسدي والنظرات المؤذية.
ليلة الاغتصاب!
كانت معدة التحقيق في زيارة إلى مراكز إيواء يضم قرابة 500 عائلة نزحت من مناطق مختلفة في ريف دمشق صبيحة 24 كانون الثاني/ يناير 2017، وفي لقاءٍ جمعها مع النساء في المركز، بدأن الحديث أمامها عن تنازلات قدمنَها في المركز للمشرف المسؤول عن توزيع المواد الغذائية للحصول على مستحقاتهنَّ، لكن أياً منهنَّ لم تجرؤ على إعطاء أي تفاصيل، إلا أن جملة واحدة من أم سعد المرأة الأربعينية ذات البنية القوية كانت كافية لإظهار حجم المأساة، حينما كسرت صمت الجميع وقالت فجأة… “من سيحمينا من بطشهم إذا تكلمنا ومن سيعطينا حقنا؟”.
حنان الأرملة الثلاثينية، أم لطفلين تقيم في مركز إيواء الدوير في ريف دمشق منذ نزوحها من منطقة ميدعا ومقتل زوجها في أيلول/ سبتمبر 2014.
قابلت معدّة التحقيق، حنان، في 28 آذار2017، بعد حصولها على ورقة الموافقة (إذن) على الخروج لساعات من المركز بحجة أخذ طفلتها للطبيب في دمشق.
عام 2016، ذهبت حنان لاستلام المساعدات الغذائية المخصصة لعائلتها من المشرف المسؤول الذي أعطاها جزءاً من السلة ليخبرها بأنها ستحصل على الجزء المتبقي مساء، حين عادت في المساء اغتصبها المشرف داخل غرفته.
تقول حنان لمعدة التحقيق، إنه من الصعب جداً وصف ما حدث، ثم تتابع “لم أستطع الصراخ في وجهه، اقترب مني وبدأ بلمسي، شيءٌ ما عقد لساني ومنعني من الكلام حاولت أن أبعده، لكنه أصر على اغتصابي”.
خرجت حنان من غرفته بعدما اغتصبها، من دون أن تجرؤ على إخبار أحد بما حدث معها، بل إن الحادثة تكررت معها مرات عدة، ولم تستطع الهروب من المكان بسبب عدم وجود مأوى بديل.
استغلال حاجات النساء
من أكثر الأسباب التي تدفع المشرفين في المراكز لاستغلال حاجة النساء مقابل تقديم تنازلات جنسية، عدم وجود معيل للنساء، وعدم امتلاكهنَّ مهارات تؤهلهنَّ للكسب والعيش، ما يجعل هذه المساعدات طوق النجاة الوحيد، بحسب الشهادات التي جمعتها معدّة التحقيق.
هدى (35 سنة) تعرّضت هي الأخرى لاستغلال جنسي من قبل مدير المركز الذي قطنته ثم غادرته بعدما ضاق بها الأمر.
في 23 تموز/ يوليو 2017، قابلت معدّة التحقيق هدى في منزلها بعد مغادرتها المركز.
نزحت هدى مع طفليها 11 و9 سنوات، من منطقة عين ترما في الغوطة الشرقية عام 2013 إلى مركز إيواء في حي كفرسوسة الراقي بدمشق بعدما فقدت لزوجها في العام ذاته.
خلال إقامتها في المركز عام 2015، كان المسؤول عن التوزيع يلاطفها ويتقرب منها إلا أنها لم تستجب لمحاولاته، ليخبرها في إحدى المرات بأنه مستعد لإعطائها كل ما تحتاجه هي وأطفالها مقابل ليلة واحدة معها، وحين رفضت منعها من استلام حصتها من السلة الغذائية لأكثر من ثلاثة أشهر.
معاناة هدى وجوع أطفالها، على رغم كل محاولاتها لتأمين لقمة عيشهم سواء باستدانة الطعام أو النقود من جيرانها، دفعاها للاستسلام لضغوطه في نهاية المطاف.
في آب/ أغسطس 2016 أصيب ابنها بمرض سكري الأطفال (توقّف الجسم عن إفراز هرمون الأنسولين)، فاعتقدت أن ذلك “عقاب من الله على فعلتها” وتوقفت عن مواعدته ثم قررت الخروج من المركز في تشرين الأول/ أكتوبر، فاستأجرت غرفة لعائلتها وعملت في ورشة خياطة وفي بيع المؤن المنزلية لتوفير متطلبات حياتهم، وتقطن الآن في مدينة جرمانا، ولا تغيب عن ذاكرتها التفاصيل المؤلمة التي عايشتها داخل المركز.
وكان المدير السابق للهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا والمدرس في قسم الطب الشرعي بجامعة دمشق، حسين نوفل أعلن في حزيران/ يونيو 2017 أن عدد حالات العنف بحق النساء والأطفال، ارتفعت بشكل ملحوظ في ظل الأزمة الحالية، وذلك بسبب أسباب كثيرة، أولها النزوح الذي شكل ضغطاً على الكثير من الأسر، التي أجبرتها الظروف على تشارك السكن أو استئجار غرف صغيرة، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر.
تشير شهادة أنس الذي عمل متطوّعاً في ثلاثة مراكز للإيواء، بعد نزوحه من مخيّم اليرموك عام 2013، إلى أن التحرش بالنساء داخل مراكز الإيواء على أشده. شاهد أنس مشرفي المخيّمات، وهم يجبرون النازحات على تقديم تنازلات جنسية، وفي إحدى مناوباته لليلية في مركز منطقة جديدة عرطوز قرب العاصمة، فوجئ بامرأة تطرق باب غرفة المدير ليلاً، إذ كانت على موعد معه، وذلك مقابل الحصول على بطانية (غطاء نوم) أو علبة حليب إضافية لتأمين احتياجات طفلها.
الخوف من الفضيحة!
“لا أريد أن أخرب بيتي بيدي” كانت هذه إجابة امرأة تعرّضت للاستغلال الجنسي في مركز الإيواء في مدينة التل شمال دمشق، عندما حاولت معدّة التحقيق مقابلتها في أواخر أيلول 2017.
الخوف من العار والأذية والطرد أو الاعتقال، صعّب مهمة معدة التحقيق ومنع الضحايا حتى من تقديم شكوى أو التبليغ عن المعتدي، إضافة إلى أن المجتمع المحيط يُلقي اللوم على النساء اللواتي يتعرضنَ للعنف الجنسي وينبذهنَّ. وقد تتبرأ العائلة من الفتاة التي تتعرض للاعتداء الجنسي وفقاً للسيدة ثناء الثلاثينية التي نزحت من منطقة ميدعا في ريف دمشق إلى أحد مراكز الإيواء، والتي قالت: “لم أجرؤ على إخبار أحد بما حدث معي كنت خائفة جداً، استغلني لإقامة علاقة جنسية معي مرات عدة، أخاف على أولادي وأخاف منه فهو المسؤول عن المركز، يستطيع طردي وأطفالي منه ونحن لا نملك مكاناً آخراً يؤوينا عدا عن ذلك فإنّه يستطيع كتابة تقرير كيدي كاذب عني لأحد الأفرع الأمنية، فيتم اعتقالي”.
ومع اختلاف قصص الضحايا وأوجه معاناتهنَّ فإن الخوف كان قاسماً مشتركاً بين اللواتي التقتهنَّ معدّة التحقيق.
وداد (35 سنة) متطوّعة في “الهلال الأحمر السوري” عملت عامي 2015 و2016 في مركز إيواء في ريف دمشق، شاهدت بأم عينها 4 عمليات استغلال جنسي من قبل مشرف المركز، بحق فتيات ونساء تتراوح أعمارهنَّ بين العشرين والأربعين سنة.
المشكلة الأكبر التي تواجه وداد هو صمت الضحايا، تقول “أفهم جيداً تخوفهنَّ من الكلام بسبب شعورهن بالضعف، بخاصة أن معظمهنَّ خسرن أزواجهنَّ بين قتل واعتقال واختفاء، فلا سند لهن، كما أن النفوذ والصلاحيات التي يملكها المعتدي وصلاته مع الأجهزة الأمنية تجبرهنَّ على الصمت”.
بؤرة للاستغلال!
ترى الباحثة الاجتماعية علياء أحمد، أنَّ مراكز الإيواء “بؤرة لاستغلال النساء جنسياً”، إلا أن المؤلم هو أن الضحية نفسها غالباً ما تسعى للتستر على الجريمة المرتكبة في حقها والصمت عنها، وذلك خوفاً من تحميلها ذنب ما تعرضت له، فهي “لو صانت نفسها لما حدث لها ذلك” وفق المتداول الشعبي.
وتضيف: “تعيش بعض النساء في مراكز الإيواء وحيدات مع أطفالهن، يجعلهن هذا الأمر فريسة سهلة في نظر المعتدي، بسبب غياب الرجل (الحامي)، وفق اعتقاد شائع يفترض أنّ وجود الرجل كفيل بتأمين الحماية للمرأة، وفي ظل غياب قانون يحمي النساء”.
وتوضح أنّه “بالنظر إلى صعوبة الإبلاغ ضدّ مرتكبي الانتهاكات وعدم جدواها وانعكاسها سلباً على الضحية في معظم الحالات، لن يتورّع المعتدون عن ممارسة شتى الضغوط، حتى باستخدام العنف في حال رفض النساء الخضوع لرغباتهم الجرمية”، مشيرة إلى أنّها لاحظت أنّ الشريحة الأكثر تعرّضاً لهذا الانتهاك تتمثل في النساء الفقيرات النازحات، بخاصة الآتيات من مناطق سيطرة مقاتلي المعارضة، ما يجعلهن عرضة لمزيد من الابتزاز لدواعٍ أمنية أو سياسية، فتهمة “الإرهاب” حاضرة دوماً، وهن لا حول لهنّ ولا قوة.
وتفسّر الباحثة أنّه “في هذه الظروف ستجد كثيرات أنفسهنَّ مضطرات إلى الرضوخ للمعتدي والصمت، أو الهروب من مركز الإيواء وبدء رحلة العذاب، حيث ستتعرض المرأة لمخاطر متعددة في البحث عن بدائل لا تقل سوءاً”.
إسكات الصوت
تواصلت معدّة التحقيق، مع عنصر في قسم شرطة كفر سوسة خدم في مخفر الشرطة عامي 2014 و2015، وذلك للتعرف إلى حجم الشكاوى التي قدمتها نساء، ومن أجل استرداد حقوقهن، فأفاد بأن القسم تلقى في هذه الفترة ما يزيد عن 5 بلاغات من قاطنات في المركز عن حوادث ترتبط بوجود مشكلة مع المشرف.
الشرطي أضاف أنّه عندما يتم الرجوع إلى النساء من قبل الشرطة لفتح محضر وكتابة ضبط شرطة، كان مشرف المركز يتوجه إلى رئيس الدورية على الفور ويتحدث معه على انفراد ليبتعد من المكان متذرعاً بأن ما يحصل لا يعدو عن كونه “مشكلات نسوان”، لينتهي البلاغ بهذا الحديث من دون تسجيل أي ضبط أو حتى فتح تحقيق رسمي أو حتى تسجيل شكوى في ديوان المخفر، وهو ما يبدد حق النساء المُعتدى عليهنَّ في تسجيل شكوى رسمية ورفع مطالبهن إلى القضاء لفتح باب المحاسبة ضد الجناة.
ويوضح الشرطي أنه غالباً ما كان يلاحظ على هؤلاء النساء علامات توحي بتعرضهنَّ لضرب أو اعتداء من خلال ملابسهنَّ الممزفة أو المتّسخة أو الحجاب غير المضبوط بدقة، أو حتى بكائهنَّ المستمر ورفضهنَّ التحدث عما حصل.
وفي أحاديثه اليومية مع زملائه في قسم الشرطة، أكدوا أن رئيس مركز الإيواء في الحي، “مدعوم” ولا يستطيع رئيس الدورية أن يتعرض له، مؤكداً أنّه لطالما ورد إلى مسامعهم أحاديث عن استغلال المدير بعض النساء المقيمات في المركز وإقامته علاقات جنسية معهنَّ، مقابل إعطائهن حصصهن من المساعدات الإغاثية المقدمة للمركز والتي يشرف بنفسه على توزيعها.
من جانب آخر، تقدمت 4 نسوة من أحد مراكز إيواء منطقة عدرا العمالية في شمال دمشق بشكوى إلى محافظة دمشق في كانون الأول/ ديسمير عام 2017 مفادها أن مدير المركز المدعو “أ .ح”، قام بإجبارهنَّ على إقامة علاقات جنسية معه، مقابل حصولهنَّ على مخصصاتهن من المساعدات، تحت التهديد بطردهنَّ من المركز، وفق ما علمت معدّة التحقيق من متطوّعين شهدوا على الشكوى”.
وبعد إثارة التحقيق في الموضوع مع الأهالي القاطنين في المركز من قبل محافظة دمشق و”اللجنة العليا للإغاثة”، تم إغلاق التحقيق وكأن شيئاً لم يكن، ليبقى مدير المركز المذكور في منصبه ويتبين لاحقاً أن صاحبات الشكوى تم طردهنَّ من المركز.
لم تتمكّن معدة التحقيق من الوصول إلى أولئك النساء، لعدم معرفة مكان إقامتهنَّ الجديد، وعند البحث في ديوان محافظة دمشق حول الموضوع، رفض الموظف المسؤول التعاون، متذرعاً بأنها ملفات سرية ويصعب عرضها على الإعلام.
للقاصرات نصيب من التحرش
تمكنت معدة التحقيق من التحدث مع 5 فتيات قاصرات في فترات متقطعة، يقطنّ في مركز إيواء بريف دمشق، أعمارهن بين 13 و15 عاماً، تعرضت إحداهن لتحرش جنسي، من أحد المسؤولين عن المركز، في حين تعرضت الأربع الأخريات للتحرش من قاطنين وعاملين في المركز عام 2016، من دون أن تجرؤ أي منهنَّ على البوح إلا لوالدتها.
أمهات القاصرات الخمس طلبنَ منهنَّ الصمت وإخفاء ما حدث حتى عن أفراد الأسرة، خوفاً على السمعة وخوفاً من الطرد.
إحداهنَّ ولاء (13 سنة)، نزحت من منطقة عدرا العمالية في ريف دمشق عام 2013 مع عائلتها، واستقرت في مركز إيواء قرب دمشق، وتقطن مع أمها وأخواتها في غرفة صغيرة، تغلق والدتها الباب جيداً قبل النوم بسبب خوفها المستمر على بناتها، بخاصة بعد اعتقال زوجها عام 2014 وعدم تمكنها من معرفة أي أخبار عنه حتى اليوم.
لم تجرؤ والدتها على فعل أي شيء حين أتت ولاء إليها باكية قبل أشهر بعد تعرّضها للتحرش الجنسي من المشرف المسؤول عن توزيع المساعدات في المركز، حين ذهبت لاستلام حصة العائلة.
تقول ولاء “لم أكترث حين بدأ بملاطفتي بطريقة غريبة، كنت متعبة جداً من الانتظار لساعات وكنت أفكر في العشاء الذي تعده والدتي، وبأنني أريد أخذ السلة والذهاب إلى غرفتنا بسرعة، وبخاصة أن أمي حذرتنا دوماً من التنقّل في المركز حين يحل الظلام، ولكن حين اقترب مني وبدأ يلمسني، حاولت الصراخ لكنه أغلق فمي بقوة وراح يمرر يديه على أعضائي التناسلية”.
تضيف: “ذهبت إلى أمي وبكينا كثيراً لكننا لم نجرؤ على فعل شيء… أبي مفقود منذ 3 سنوات ولا نعلم شيئاً عنه وليس لدينا أحد يحمينا وهم يمكنهم إيذاؤنا فماذا يمكننا أن نفعل؟”.
آثار نفسية
يركّز الطبيب النفسي، محمد المحسن، على التبعات النفسية لإجبار المرأة على تقديم تنازلات جنسية مقابل حصولها على قوتها قائلاً: “إن مشاعر القهر والخذلان تسيطر على الضحية التي تم استغلالها جنسياً، ويرافق ذلك شعور بالكآبة”، موضحاً أن حالتها النفسية قد تصل إلى اكتئاب شديد عندما تتذكّر تفاصيل الاعتداء.
ولفت إلى أن الضحية تتعرّض لقلق وتوتر ونظرة سوداوية إلى الحياة قد تدفعها إلى الانتحار في بعض الحالات، لأن حالة الإكراه على ممارسة سلوك جنسي والتعرض للاغتصاب يفضي إلى إيذاء نفسي، يحتاج إلى رعاية طبية ونفسية لتتمكن الضحية من تخطيه”.
القانون يجرّم ولكن الشكوى مستحيلة!
يميّز القانون السوري بين مصطلحين تحت باب “الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة”، في فصله الأول، وهما الاعتداء على العرض، والاغتصاب.
في حالة الابتزاز الجنسي الذي تتعرّض له النازحات في مراكز الإيواء، يعرّفه قانون العقوبات السوري بأنّه “جريمة اغتصاب”، بسبب توفّر شرط “الإكراه المعنوي” كون الضحية قد أكرهت بالتهديد على الجماع، فإن المعتدي يُحاكم تبعاً لقانون العقوبات.
المحامية باسمة جبري، عضو مجلس إدارة “شبكة النساء السوريات”، العاملة في الشأن الإنساني التابعة للأمم المتحدة، تقول: “فقدنا الأمل من أن تتم محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الفظائع، إذ ليست لدينا آلية واضحة لتقديم الشكاوى”.
شروط توفر الإكراه أو التهديد في القانون السوري
اللارضا واللاقبول، يحتمان وجود إكراه مادي، أساسه العنف أو التهديد، أو إكراه معنوي أو حالة استغلال السلطة أو حالة القصر، وإذا لم تتوافر في هذه الجرائم إحدى هذه الحالات فلا عقاب على الفاعل، وفق قرار 886 / 1984 – أساس 1194 – محكمة النقض – الدوائر الجزائية – سوريا.
تؤكد جبري أن القانون السوري يقف مع الضحية ويجرّم المُعتدي ويعاقبه لكن على الضحية امتلاك الجرأة للتبليغ، مضيفةً: “نفهم كل التخوّفات والهواجس التي تسيطر على الضحايا من الخوف من الأهل الذين يلعبون دوراً سلبياً، إلى الخوف من تشويه السمعة والخوف من المجتمع، وأخيراً الخوف من الجاني إذا كانت لديه سلطة ما”.
الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج) وبإشراف الزميل أحمد حاج حمدو
هذا التحقيق أنجز بدعم من Open Media Hub وبتمويل من الاتحاد الاوروبي
درج