6 روايات تصدّرت المشهد الروائي السوري/ علا المصياتي
يتابع اليوم الكتّاب السوريون المنشغلون تقفي أثر المتغيّر العام والخاص عبر الكتابة الروائية، بين متخيل وتوثيق يبنون الحكايات، يستعيدون خيط الزمن الماضي لتكبير الصورة وروي ما جرى، ويعيدون تصغير البؤرة للتركيز على ما يجري الآن. في الوقت الذي فقدت فيه أية مادة متخيلة قيمتها أمام مجريات الأحداث في الواقع حضرت الحدود الشفافة بين حقيقة وخيال، وظهرت مظاهر الشك في تلك الوقائع التي صار من الصعب التعامل معها كيقين وأمر بديهي. وكأن الشخصية السورية أمام مهمة جديدة وطارئة عليها وهي الحكي والتوثيق، لذلك انشغل العديد من الكتاب والمهتمين بالتدوين، بالكتابة عن اليومي والطارئ، وفي المقابل انشغل آخرون في العودة إلى التاريخ ورصد شكل الحياة في سياقات زمنية ومكانية أخرى، وبناء مراجعات ذاتية وعامة، علها تجيب أو تساعد على بناء تصور للواقع وكيف سيكون عليه في الأيام القادمة.
يمكن أن نلاحظ في الروايات الستة التي خصتها هذه القائمة حضور حبكات بوليسية واستلهام من التاريخ، بالإضافة للاهتمام المتزايد بحكايات الأبطال الذي لم يعودوا كذلك، هؤلاء الأبطال ممن عاشوا في سياقات وأزمنة إشكالية، تُروى من خلالهم حكايات متجددة عن الأمكنة، ما زال الكتاب السوريين شغوفين بها بهدف بناء ذهنية استرجاعية ومراجعة زمنية.
ستة أعمال روائية سوريّة منشورة منذ بداية هذا العام، لكتاب سوريين، خارج سوريا وداخلها، أغلبهم كتبوا أعمال روائية سابقة عن الحدث السوري بعد عام 2011.
1- ممدوح عزام: لا تخبر الحصان
في آخر رواياته “لا تخبر الحصان” (دار ممدوح عدوان ودار سرد)، لم يغب البعد التاريخي للجغرافية السورية من فضاء السرد عند ممدوح عزام. ففي حوالي 250 صفحة يعود الروائي بنا إلى أربعينيات القرن الماضي، ليروي حكاية سالم الدركي المتقاعد بعد عمله لسنوات طويلة على الحدود السورية التركية.
تجمع البطل علاقة استثنائية مع حصانه الذي كان شاهدًا على تاريخه وتاريخ المكان، فقد قضى ما قضاه في رحلات مطاردة المهربين وقطاع الطرق التي كان يقوم بها لوقت طويل من عمره.
2- خالد خليفة: لم يصل عليهم أحد
لا يغيب الشمال السوري عن خيال الروائي خالد خليفة في روايته الأخيرة “لم يصلّ عليهم أحد” (دار نوفل).
مدينة حلب وأريافها مسرح متجدد حافل بالحكايات، يعود إليه خليفة مجدّدًا بعد رحلة الأخوة إلى العنابيّة لدفن جثة الأب في روايته “الموت عمل شاق”، وبعد النبش العاطفي في تاريخ ومنبت التغييرات التي أصابت المدينة في الثمانينات في روايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”.
هذه المرة يعود بنا الكاتب إلى أواخر القرن التاسع عشر، مع حدوث كارثة طبيعية تضرب قرية حوش حنا، حيث يقلّب خليفة تاريخ المكان الديني والاجتماعي، من خلال الحضور الدائم لتيمة الموت، القبر والجنازة، ومواضيع أخرى مثل العائلة وتشيع مفهومها والانفصال عن الجمع، يرصد حكايات فردية وأخرى جماعيّة تحدد منطق ما للمكان.
3- روزا ياسين حسن: بين حبال الماء
روزا ياسين حسن “بين حبال الماء” (دار ممدوح عدوان ودار سرد للنشر” تروي حكاية تموز الصبي المفتون بعالم الأفلام، حيث وجد فيها حياةً موازية لما يعيش، يقرر السفر إلى دبي من أجل العمل وكسب المال ومن ثم متابعة الحلم، وهو دراسة فن صناعة الأفلام وامتهانه، ليضيع في عوالم المدينة بين الشهوة والمال، فيجد نفسه بعيدًا عن العالم الذي يحبه.
يلوح له عالمٌ آخر يدفعه للعودة إلى سوريا للالتحاق به حيث هناك أفلام أكثر واقعية تحتاج لعدسة وعين لتحفظها وترويها.
4- عبير إسبر: سقوط حر
بعد غياب طويل، تعود الروائية والمخرجة عبير إسبر إلى المشهد الروائي السوري عبر رواية “سقوط حر” (دار نوفل)، لتسرد حكاية ياسمينا التي تستعيد تفاصيل من حكايتها مع والديها، حبيبها، وتسترجع من خلالها حكاية لحظات استثنائية تتقاطع فيها مع حال البلد.
كل هذه الارتباطات مع الماضي والشخصيات تحيلنا للتفكير في عنوان الرواية، لربما كان هذا السقوط أشبه بحالة تخلٍّ مطلقة وترك نهائي لكل تلك الروابط والتحرر منها.
5- خليل صويلح: عزلة الحلزون
تتجوّل رواية خليل صويلح “عزلة الحلزون” (دار نوفل) بين التاريخ العائلي للراوي وبين التاريخ السياسي لسوريا، وبين الكتب أيضًا، ورغم كل ذلك إلا أن يحيط نفسه بنوع من القشرة التي تحميه من الآخرين، ومن هنا جاءت فكرة العنوان.
“عزلة الحلزون” رواية مكثفة أشبه ببحثٍ عميق حول حمولة الأدبيات العربية والتراث الدموية، والتاريخ المضطرم من الحروب والصراعات والقمع الذي تعرضه له الكتاب والفلاسفة.
تدور الرواية حول سيرة الراوي الذي يعمل مدقّقًا لغويًا في موقع إلكتروني، ومحرّرًا في دار نشر تراثية، وبينما يغرق بين الأخبار الملفّقة في الموقع، وكتب الجاحظ وابن المقفع وابن رشد، يعيش آثار أخرى لواقع سوري أشد مأساوية، ما يجعله يتوه كليًّا.
6- واحة الراهب: الجنون طليقًا
واحة الراهب ، الجنون طليقًا، دار أنطوان /نوفل. رواية بوليسية من 200 صفحة، ترصد أحداث دمويّة تجري في مستشفى للأمراض العقلية والنفسية على أطراف العاصمة دمشق، وتتخذ من هذه المستشفى فضاءً متخيلًا يختلط فيه الواقع والخيال في أجواء الحرب والعنف التي تشهدها البلاد. بين العقل والجنون، تحدث جريمة تلو الأخرى خلال تواجد طاقم تصوير فيلم سينمائي في المكان، وتطارد الأخير هواجس وجود مجرم بين أفراده، ليذوب الخيال الفاصل بين حقيقة ودراما، وتدور الشكوك حول الذات والآخرين، وتتسع حالات البارانويا التي تصيب الأبطال، والذين يبحثون بشكلٍ حثيث عن خلاصهم من واقع صار أصعب وأعقد من المتخيل. الواقع السوري بكل ما فيه من رعب ودموية حاضر كفضاء أساسي للسرد. هذه الرواية الثانية للكاتبة بعد روايتها مذكرات روح منحوسة 2017.
الترا صوت