الرّوائي في السينما… ٥ أفلام أحبّها + فيلم آخر- مع روابط لكل الأفلام للمشاهدة
سليم البيك
هو كما في الفيلم أعلاه سكّير، وكما في الفيلم الذي قبله، نسونجي، لكنّه حنون على شقيقته المأزومة نفسياً. يجول بين النوادي الليلية، يمضي وقته مع النّساء المثيرات، بشكل أكثر جرأة وأقل تلصصاً مما ذُكر أعلاه. الجانب التلذّذي بالحياة لدى البطل يأتي مجاوراً لحنوّه وعطفه متى تعلّق الأمر بشقيقته.
أفتتحُ بهذه المقالة ملفّاً سيكون عزيزاً، لتزامنه مع دخول المجلّة عامها الرّابع، ولموضوعه وهو العلاقة بين السينما والأدب، وللمشاركات التي ستتوالى بعد هذه، ولكل منها مقاربة متمايزة لتلك العلاقة، تتناول الأدب في السينما، والسينما في الأدب، وموضوعات تجمعهما.
وكي نعطي للملف أبعاداً أكثر من مجرّد نصوص تُقرأ، اخترتُ أن تكون افتتاحية الملف اقتراحات لأفلام تناولت الأدب، فيستطيع القارئ لمقالات هذا الملف أن يكون كذلك مشاهداً لأفلام أقترحُها، وقارئاً لروايات تقترحها مقالات أخرى نبدأ بنشرها اليوم.
حاولت أن أحدّد اختياراتي قدر الإمكان كي لا أملأ الصفحة بالأفلام، فاخترت لقائمتي هذه أفلاماً لمخرجين أحبّ أعمالهم، يكون بطلُها روائياً. لم أحاول التنويع في بلد الإنتاج وسنته، ولم أتقصد البحث عن أفلام ليست غربية أو تكون لمخرجات نساء (سعياً لإحداث توازن ما) فالمعيار الوحيد في اختيارها هو إعجابي بها (قبل غيرها) كأفلام أحبّ اقتراحها للمُشاهدة، أما التفاوت في شخصيات الروائي في الأفلام الخمسة فهي صدفة حسنة.
كما كان لا بد من تنحية أفلام أحبّها (وأحبّ اقتراحها) لأنّ بطلها كاتب سيناريو وليس روائياً كـ Contempt (١٩٦٣) لجان لوك غودار، و .Sunset Blvd (١٩٥٠) لبيلي ويلدر و Broken Embraces (٢٠٠٩) لبيدرو ألمودوڤار. كما أستثني من هذه اللائحة فيلم La Dolce Vita (١٩٦٠) الذي أكرّس له مقالة خاصة ضمن الملف.
خرجتُ أخيراً بهذه الأفلام الخمسة، أقدّمها بترتيب زمني (وبعدد كلمات متساوٍ لكل فيلم).
La Notte
(الليلة) ١٩٦١
للإيطالي مايكلأنجلو أنطونيوني، والفيلم يتوسّط ثلاثية إذ يسبقه L’Avventura ويلحقه L’Eclisse. من بطولة جين مورو ومارتشيلّو ماستروياني ومونيكا ڤيتّي. علاقة بين البطل (الرّوائي) وزوجته بدت مستقرة، تتأزّم. ينقل الفيلم حالات وأفكار عن الحب والخيانة والعلاقة بين الرجل والمرأة، وذلك في اليوم الذي يحتفل فيه البطل بإصدار روايته الجديدة. بخلاف الأفلام التالية، الروائي هنا في علاقة مع امرأة يحبها، لدينا رومانسية وثنائية هنا. نال الفيلم جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام ١٩٦١.
لمشاهدة الفيلم من أحد الرابطين التاليين
L’Homme qui aimait les femmes
(الرجل الذي أحب النساء) ١٩٧٧
للفرنسي فرانسوا تروفو. من بطولة شارل دينر. بخلاف الفيلم أعلاه، لا علاقة حب هنا، بل محاولات البطل (الروائي) الأعزب مغازلة النساء والتقرّب منهن ومراقبتهن. الكتابة هنا موضوع أساسي، وتحديداً لتبرير اختلاس النّظرات تجاه سيقان النّساء. نراه على الآلة الكاتبة، على طول الفيلم، كاتباً عن علاقاته معهن، من خلال سردها كما من خلال عشيها، إذ نشاهد ما يكتبه، أي ذكرياته، في مَشاهد تتوالى فيها سيقان النّساء مع كتب مصفوفة على أرفف، حتى نهايته العبثية.
لمشاهدة الفيلم اتبع الرابط التالي
The Shining
(الإشعاع) ١٩٨٠
للأمريكي ستانلي كوبريك. من بطولة جاك نيكلسون. الفيلم السابق كان كوميدياً، أمّا هذا فرعب سيكولوجي، يركّز على الحالة النّفسيّة للبطل (الروائي) السكّير، التي تتطوّر لتصير جنوناً وهلوسة نشاهدها كأنّها واقع، وذلك أثناء عملية الكتابة التي تبدو مسدودة وعبثية وإن أتى البطل للفندق الفارغ كي يتفرّغ لروايته. في الفيلم عزلة في فندق كبير بغرف عديدة وخالية وممرات مريبة، ليل وثلوج ودهليز وفأس ودماء، وزوجة وطفل ضحيّتا محاولةِ الرّجل إنجاز روايته وبالتالي جنونِه، وموسيقى موتّرة.
لمشاهدة الفيلم اتبع الرابط التالي
Love Streams
(تيارات الحب) ١٩٨٤
للأمريكي جون كازافيتس. من بطولته وزوجته جينا رولاندز. العلاقة هنا هي بين البطل (الروائي) وشقيقته. هو كما في الفيلم أعلاه سكّير، وكما في الفيلم الذي قبله، نسونجي، لكنّه حنون على شقيقته المأزومة نفسياً. يجول بين النوادي الليلية، يمضي وقته مع النّساء المثيرات، بشكل أكثر جرأة وأقل تلصصاً مما ذُكر أعلاه. الجانب التلذّذي بالحياة لدى البطل يأتي مجاوراً لحنوّه وعطفه متى تعلّق الأمر بشقيقته. نال جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام ١٩٨٤.
لمشاهدة الفيلم من أحد الرابطين التاليين
Deconstructing Harry
(تفكيك هاري) ١٩٩٧
للأمريكي وودي ألن. من بطولته وجودي داڤيز. الكوميديا صرفة هنا، وشخصيّة البطل (الروائي) الموتورة مختلفة عن كل ما سبق، هو أقرب ليكون فاشلاً في كافة جوانب حياته بما في ذلك الكتابة إذ يعاني من انسداد الإلهام (رايترز بلوك)، يسعى لاعتراف من حوله به كروائي، لكن مشاكله تمتد من الانسداد إلى علاقاته مع النّساء (العشيقة والعاهرة والزوجة السابقة) ومع عائلته التي تلومه على كشف أسرارها ضمن شخصياته الروائية التي ستتجسّد أخيراً، تواسيه وتصفق له.
الحياة الحلوة… الأدب يأتي أخيراً/ سليم البيك
الفتاة النادلة التي التقاها في المطعم، والتي بدت كتجسيد لروايته التي كان يحاول أثناءها كتابتها. تعود في المشهد الأخير للظهور، على الشاطئ، محاوِلةً قول شيء لمارتشيلّو الذي يعجز عن فهمها وسماعها، إذ لا يسمع الكلمات/الكلام، ثم يتركها وقد عجز عن جعل كلماته هو مسموعة لها (كما عجز عن كتابتها)، ليلحق برفاق الحفلات وهم ينادونه مبتعدين.
من بين لائحة الأفلام التي بطلها روائيٌ، وأحبّها وأحبّ اقتراحها، هو هذا الفيلم الذي لم أدرجه هناك لتكون له مساحته الخاصة هنا، أحكي فيها عن تصوير هذا الفيلم لشخصيّة الروائي، عن نموذج لصورة الرّوائي في السينما، وإن لم تكن “روائيته” موضوعاً أساسياً، وذلك في أحد أفضل أفلام أحد أفضل المخرجين لديّ.
«لا دولتشي ڤيتا»
قد لا يلاحط أحدنا أن الشخصية الرئيسية في فيلم الإيطالي فيديريكو فلّيني روائيٌ، فهذا تفصيل يُذكر عرَضاً ثلاث مرّات، ضمن مَشاهد مزدحمة بالأحاديث، كأن يسأله أحدهم أين وصل في كتابه فيجيب بكلمتين لا تشيران إلى أي تقدم به، أو يقول كذلك سريعاً ورداً على سؤال آخر إنّه سيترك الصحافة وكذلك الأدب. فمارتشيلّو صحافي، وهذه المهنة أساسية هنا في حكاية الفيلم وفي شخصية بطله. الأدب لديه فعلٌ ثانوي إذ لا نراه حتى جالساً على كرسي يكتب إلا في مشهد واحد، في ترّاس مطعم تحت الشمس جالساً إلى طاولة أمام آلة كاتبة. لكن، وكما أن الأدب في الفيلم يأتي أخيراً بالنسبة لبطله المشغول بالنساء والسّهر، فالكتابة (في المطعم) أتت أخيراً إذ نراه يحاول الاتصال تليفونياً أو الانشغال بما حوله متفادياً الكتابة، أو متهرّباً منها.
يمضي مارتشيلّو كلّ وقته في الخارج، يدرك ذلك ويقوله لأحدهم. وهذا ما نشاهده، أما الكتابا فآخر أولوياته، إذ يمضي وقته مع المصوّر المرافق له، يرشده كيف يلتقط صوره لصحيفته التابلويد. وكما يلاحق نجمات سينما كصحافي، يلاحقهن كذلك كرجل نسونجي، يقيم علاقات سريعة هنا وهناك، ينتقل من حفلة إلى سهرة إلى أخرى إلى موقع تصوير فيلم… له كاريزما خاصة، وهو محبوب من النساء اللاتي يُحسن جذبهن والتنقّل بينهن.
ليس الأدب هنا ثيمةً أساسية، بل يمرّ خفيفاً دون أن يؤثّر كثيراً عدم انتباه أحدنا إليه على تلقينا للفيلم، وذلك لانغماس الروائي في “الحياة الحلوة” لاهياً بها عن مَنح بعض الوقت للأدب وإكمال روايته. يقول في مشهد: “أهدرُ الوقت، لم أعد قادراً على تدبير أي شيء.” وذلك إشارة، إضافة إلى الأدب، إلى عمله في الصحافة وإلى زوجته التي يسعى مراراً للإفلات منها كي يتسلى مع أخريات.
ليس هنالك حضور للأدب في الفيلم إلا كممارسة غائبة، أما سبب الغياب فهو الوقت غير الممنوح له، فالروائي هنا يستمتع بوقته من ناحية ويعمل لصحيفته من ناحية أخرى، وفي المرة الوحيدة التي حاول الجلوس إلى طاولة ليكتب، تلهّى. النتيجة أن الكتابة غابت عن الفيلم، أو عن يوميات البطل في فيلمه، والكتاب لم يكتمل.
تلك الفكرة الثانوية -جداً- في الفيلم، وقد أتت ضمن موضوعات رئيسية أشد عمقاً تتعلق بمعنى أن تكون الحياة حلوة، وعبثية ذلك، وبمعنى أن البؤس قد يطل من خلف الباب حيث يفرح المحتفلون، بأية لحظة. تلك الفكرة الثانوية المتعلقة بمدى تكريس الكاتب من وقته للكتابة، وبمدى انشغاله بعمله اليومي (هو هنا الصحافة)، وبمدى انحيازه إلى متعٍ يومية (هي هنا السّهر والنّساء)، هي فكرة أساسية في الفيلم، وحضورها يسبّب عدم قدرة الروائي على الكتابة، فالحكاية/الرواية التي تُكتب لا بد من استمرارية لها في ذهن مؤلفها، وهذا أساسه الوقت الممنوح لها.
لدى مارتشيلّو جانبان في شخصيته، أحدهما مسيطر على الآخر، وهذا ما يجعلنا لا نراه إلا محتفٍ بـ “الحياة الحلوة”، على حساب رغبة نشعر بها لديه أحياناً، هي في أن يتطوّر كروائي أولاً وصحافي ثانياً، أن يكرّس نفسه لذلك ويمنحه وقته. أخيراً، نراه ينغمس أكثر في ما هو فيه، تجرّه رغبة أخرى هي الشهرة والنجمات والسّهر.
الفتاة النادلة التي التقاها في المطعم، والتي بدت كتجسيد لروايته التي كان يحاول أثناءها كتابتها. تعود في المشهد الأخير للظهور، على الشاطئ، محاوِلةً قول شيء لمارتشيلّو الذي يعجز عن فهمها وسماعها، إذ لا يسمع الكلمات/الكلام، ثم يتركها وقد عجز عن جعل كلماته هو مسموعة لها (كما عجز عن كتابتها)، ليلحق برفاق الحفلات وهم ينادونه مبتعدين.
الفيلم من بين الأكثر تأثيراً في تاريخ السينما، له مَشاهد صارت أيقونات (مارتشيلّو ماستروياني وأنيتا إكبيرغ في نافورة تريفي في روما). وهو الفيلم الذي نقل فلّيني إلى العالمية، ونال السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام ١٩٦٠.
يمشاهدة الفيلم اتبع الرابط التالي
أو من الرابط التالي
رمان