خمس وسبعون ثانية ومئة كلمة عن اللاجئين السوريين/ ماهر الجنيدي
بلى، ثمة جديد في الطرح. فعلى عكس معظم ردود الأفعال على الكلمة الثانية منذ بدء الحراك الثوري للرئيس اللبناني، الجنرال السابق، ميشيل عون، التي ألقاها في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، فإن من الممكن القول إن هذه الكلمة جاءت بجديد، بل وبجديد مترقّب منذ مدّة.
فقد تطرّق الخطاب مرتين إلى ذكر اللاجئين السوريين في لبنان، لتكون أول مسألة من بين المسائل الأساسية التي تطرق لها الجنرال السابق أكثر من مرّة.
المرّة الأولى التي ذكر فيها الخطاب اللاجئين السوريين كانت مع بداية الدقيقة الثانية، ضمن لائحة التزاماته التي قطعها على نفسه لتولّيه منصبه حين تلا عبارة طويلة مكوّنة من تسع كلمات: [التزمت العمل على تأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم]، بوصفها أولوّية جاء ذكرها أسبق من التزامه بجهود “مكافحة الفساد”، العبارة المكوّنة من كلمتين فحسب. مع إيضاحه فوراً أنّ الأولوية القصوى كانت لصالح “الاستقرار الأمني والقضاء على الإرهاب”.
في المرة الثانية شغل موضوع النازحين السوريين فقرة خاصة. ففي الدقيقة الثامنة عشر، وبعد وقفة صمت موجزة، قال الجنرال السابق، على مدى سبع وستين ثانية، وواحدة وتسعين كلمة، من خطاب مقتضب من نحو 17 دقيقة: [ويبقى موضوع النازحين السوريين، فمنذ تسلّمي سدّة الرئاسة، حملت معي هذه الأزمة إلى المنابر الدولية والعربية، وكانت محوراً أساسياً خلال لقاءاتي مع الموفدين الدوليين، شرحت الأعباء المترتبة عنها على لبنان، ودعوت إلى إيجاد الحل لها بمعزل عن الحلول السياسية، ولكن الإجابات كانت تقريباً واحدة: كلام منمّق عن الدور الإنساني الذي يقوم به لبنان، وكلام سياسي عن ربط العودة بالتوصل إلى حل سياسي، مع ضغوط متواصلة لإبقاء النازحين حيث هم، لاستعمالهم في ما بعد ورقة ضغط عند فرض التسويات السياسية. وهذا ما رفضه لبنان بشكل قاطع وهو اليوم يدفع ثمن هذا الرفض].
وإذا كان تكرار ذكر بعض المسائل في الخطاب قد تمّ من باب التذكير تارةً، ومن بات التشديد تارةً، فإنه في مسألة اللاجئين السوريين جاء بوضوح من باب زرع نقطة خلاف، سبق للمتظاهرين في هذا الحراك الثوري أن نأوا بنفسهم عفواً أو ربّما قصداً، ما يعكس وعياً عميقاً لدى الشارع الثوري بأن حالة الفساد والتحلل والاهتراء التي تعتور التركيبة السياسية في لبنان لا تتصل من بعيد ولا من قريب باللاجئين السوريين.
بل إنّ بعض الهتافات، والحقّ يقال، كانت استباقية على أي لعب قذر بهذه الورقة، فجاءت على العكس، إيجابيّة ومرحّبةً باللاجئين عموماً، السوريين وغير السوريين، لتكون نقطة وعي مضيئة ونيّرة، تضاف إلى سحابة الأضواء النيرة المتلألئة التي أشرقت علينا من هذا الحراك الثوري المشرّف.
حشر مسألة اللاجئين السوريين باستخدام مئة كلمة من الخطاب، ونحو دقيقتين كاملتين، هي أمور لا تبشّر بالخير على الإطلاق. إنها بالتأكيد مغامرة خطرة، أو على الأقل محاولة غير بريئة لزج اللاجئين كورقة خلافية بين المتظاهرين والسلطة، وتحميلهم مسؤولية الطائفية والمحاصصة والفساد. إنها محاولة لإشعال نزعة العنصرية.
عبّر الكثيرون عن استيائهم من الرائحة النتنة التي تفوح من هذه العبارات في الخطاب، والتي صاغها على ما يبدو أشخاص ذوو عقليّة مغامرة يجازفون بالكثير. إن اللعب بورقة اللاجئين بهذه الطريقة يدلّ على خلل في الحسّ بالمسؤولية، قد يفضي بلحظة واحدة إلى نتائج كارثية، لا يطيقها السوريون ولا اللبنانيون، ولا يرغبون بها.
ترى هل يفكّر المغامرون، ويعيدون التفكير ثانية، فيُبعدوا اللاجئين السوريين وكذلك الفلسطينيين عن أصابعهم، وعن عنصريتهم.
بلى، ثمّة جديد في الخطاب.
درج