كرسي الرئيس وصندوق السلحفاة/ أحمد عمر
فضّلَ إعلام النظام السوري صدَقة السرّ، وتخفَّف مع بداية المظاهرات من ذكر الرئيس، وانحنى للريح، وزاد من ذكر الوطن على غير معهوده، ثم ما لبث أن عاد إلى عادته والعزف على عوده، بعد أن تبيَّن له أنَّ المظاهرات مؤامرةٌ على محور المقاومة، وشرح ذلك في الزوزني للمعلقات: إنَّ الرئيس إذا سقط فإنَّ الشعب السوري سيهبُّ جميعاً لعناق إسرائيل “الشقيقة” عناق العاشق، أو أنه سيهادنها، ونجد مصداق الخبر في غضبة سهيل النمر على الإعلامي شادي حلوة الذي ذكر الوطن في ختام الرسالة التلفزيونية من غير ذكر ربه! أي وطن؟ الرئيس هو الوطن والوطن هو الرئيس. ويمكن تلخيص عقيدة النظام السوري والعربي المنعقدة على نار الطوارئ الدائمة، والأحكام العرفية الأبدية، في أنّ مدح الوطن من غير مدح الرئيس يشبه مدح ترامب حذاء السيسي وليس رأس السيسي. ويشبه أن يُدعى رجلٌ إلى وليمةٍ فيُسأل عن لذة الطعام والشراب، فيقول الضيف: الملاعق فضية وجميلة.
يشبِّه العرب الإمارة بالقميص والخلعة، ومنها الرئيس المخلوع، وقد اشتقّت العربية الثواب من الثوب، والمثابة وهي المكانة، ويُروى عن الخليفة الثالث أنه قال عن الخلافة التي طلبوا منه أن ينخلع منها: ما كنت لأنزع قميصاً قمّصْنيه الله. وقال أبو العتاهية للخليفة مادحاً: أتتك الخلافة تُجرجر أذيالها. وكان من علامات الخلافة وخصائصها: العباءة، والرؤساء في العالم المتقدم يلبسون عباءة الرئاسة سنينَ أربعاً أو ضعفها في دروتين، ثم ينخلعون منها لغيرهم، ولذلك يحرص الرئيس على الزي والمراسيم، والمراسيم هي عباءة المُلك الرئاسية وأحوالها وشؤونها.
وكذلك تفعل الحيوانات حتى تعيش عمراً أطول، فتجدّد الطيور ريشها، والحيوانات صوفها، حتى إنَّ الحيّة، تجدّد جلدها. الرئيس العربي أشبه من الحيوانات بالسلحفاة، يعيش في صندوق القصر الجمهوري، وهي من أطول الحيوانات عمراً، ويصف بعض العارفين لحمها عقاراً ودواءً لطول الأعمار، هذا عن شبه الرئيس العربي بالحيوانات، أمّا الرئيس الروسي فيشبه الدبَّ، فهو يدِّخر الشرعيّة في جلده دهناً، فينام شتاء تاركاً لنائبه ميدفيدف تولي الأمور، ثم يصحو مع الدورة التالية.
وقد قرّ قرار نخبة السوريين الدستورية التي اختارتها الأمم المتحدة على عينها، الأثلاث الثلاثة التي تشارك في صناعة عباءةٍ جديدةٍ للرئيس الجديد، أنه لا يمكن سلخ جلد السلحف العظمي إلا بدستور جديد، ثلثٌ موالٍ، أعمى الولاء، يرى أنَّ السلحف أنسب طوطم للشعب السوري الذي عاد إلى عصر الطوطمية، وثلث سوري محتار سيعمل طرة ونقشاً ليختار، وثلث معارض كالزبيبة وعودها ذهب يسلخ الرئيس عن لحم الوطن بسكاكين الورق وحبر الأمم المتحدة.
روى لي صديق تاه في الجبال، وجاع إلى حدِّ المسغبة، ثم عثر على سلحفاة، فرأى أن يأكلها فأوقد ناراً، وانتظر إلى أن تُخرج رأسها حتى يذبحها، كما تقتضي الأعراف الإنسانية في الأكل، فحرامٌ حرق الحيوان وهو حي. الصينيون يأكلون الدواب البحرية وهي حيّة، لكنَّ السلحفاة صخرية الجلد، وصبورة، وعنيدة، وكانت قرّرت البقاء في صَدَفتها الجمهورية، وقالت: هي مؤامرة على محور المقاومة، والرئاسة مسؤولية، فلم تُخرج رأسها من صندوق الانتخابات، وتحصّنت في القلعة، فرمى بها صديقي إلى النار، فنضجت على طريقة الشيف بوراك في الطبخ، ثم أكلها بعد أن ذاب الصندوق، فنجا من الموت جوعاً، وعاش طال عمرُه بفضل تلك السلحفاة غير الديمقراطية.
لم يستطع الشعب السوري العدّاء الوصول إلى صندوق الانتخابات بعد مليون شهيد، وكل شهيدٍ استشهد مليون مرّة، لأنَّ الصندوق فوق ظهر الرئيس، وهو جلده، فلو أتاح للشعب الوصول إليه لفازوا، وهم غير مؤهلين بعد للديمقراطية. وآلت الحكاية الشهيرة التي فاز بها السلحف على الأرنب في السباق إلى حكايةٍ سوريةٍ هي أن الأرنب جرى وفاز في السباق، وعاد إلى زوجته، من أجل إنجاز القنبلة الديمغرافية، وهي هواه الأول، خرجت له مجموعة من المخابرات، وقالت: أتسبق ابن الأكرمين؟ وسلخوا جلد الأرنب، وصنعوا منه جوارب لأقدام السلحف الفائز في السباق بنسبة 99 في المائة، فهم يعلمون أنَّ الأرنب لو وصل إلى القصر لصنعَ من صندوق السلحف منفضة سجائر، أو علبة سكاكر، وربما عفا عنه وقلَبَه على ظهره سبعين سنة، كما قُلب الشعب السوري على ظهره المدة نفسها.
العربي الجديد