أنا وصديقي قصي أحمد وهذا الزمن الرديء/ كامل عباس
ثلاثة مفاجآت ضغطت على جسدي وروحي بالتتالي بعد خروجنا من السجن في 12آب/أغسطس، المنصرم.
قبل أن نخرج من السجن توهمت أننا قدمنا لرفاقنا وأصدقائنا في المعارضة “اللاذقانية” خصوصا والسورية عموما مادة دسمة تصلح لدعايتهم تقوم على مفارقة اعتقال هيئة عمل لبرالي بتهمة الإرهاب، كنت أظن أن البيت سيمتلئ بعد وصولي إليه وسيظل التلفون مشغولا لفترة وهو يرن، ليهنئني رفاقي خارج المحافظة بخروجي سالما. كانت المفاجأة الأولى ألا أحد من فصائل المعارضة خصّنا ببيان يستنكر فيه اعتقالنا كناشطين سياسيين سلاحنا هو لساننا، ويعيب على سلطات بلادنا اعتقالنا من قبل الأمن الجنائي، ولا أحد من نشطاء اللاذقية دخل بيتي ليقول لي: الحمد لله على سلامتك.
المفاجأة الثانية هي الحادث الذي جرى لصديقي غطفان وأدى الى وفاته والذي علمت به قبل دقائق من اجتماعنا الدوري كل يوم ثلاثاء.
المفاجأة الثالثة هي صورة الصديق قصي أحمد محاطا بالأجهزة في مستشفى المواساة بدمشق. قصي الذي كنت أظن أنه انشغل عني هذا الأسبوع بقطاف الزيتون.
بدأت معرفتي بالصديق قصي عن قرب قبل خمس سنوات إثر توسيع لجنة إعلان دمشق في اللاذقية. كنا على طرفي نقيض سياسيا، كان كبقية أعضاء اللجنة منسجما مع خط إعلان دمشق الذي يرفع شعار إسقاط النظام بكل رموزه وأدواته وكنت أنا مختلفا عن البقية ورأيي واضح: لا يهمني إسقاط النظام، وقد يسقط ليأتي من هو أسوأ منه، يهمني أن يعمل إعلان دمشق لخلق مجتمع مدني يسند ويساند الدولة، ونحن مهمتنا في اللاذقية هي التمهيد لخلق هذه الأرضية في المحافظة، ولو عملت كل لجان المحافظات بهذه الصورة لأصبح إعلان دمشق قوة في سوريا يحسب حسابها، كان قصي أكثرهم امتعاضا من رأيي وهو ما دعاني لتقديم هواجسي الأولى المنشورة على صفحتي والتي قلت فيها حرفيا: (لا يا سادتي ليست الجملة الثورية وحدها هي التي تساهم في التغيير، يساهم في التغيير أكثر منها تقديرنا الصحيح لتوازن القوى على الأرض وانتظامنا كتقدميين وديمقراطيين في السلسلة الإيجابية لنُرجِّح كفتها على السلسلة السلبية . لي كلمة أخيرة لأقول لرفاقي أنني مثلهم غيور على إعلان دمشق وأعتقد أن خلافنا في الرأي داخل اللجنة سواء حول طريقة عملنا في اللاذقية أو انتقادنا لتلك المركزية الشديدة التي تسير عليها قيادة الإعلان يخدمه أكثر بكثير من انضباطنا تحت لوائه ليكون دورنا هو نشر ما يصدر عن المركز فقط.)
استمررنا على هذه الصورة بحوارات جادة بقيت فيها ثابتا على رأيي وبعد سنتين أصبحت غالبية اللجنة الى جانب رأيي وبشكل خاص قصي والمرحوم غطفان.
هكذا، جعلتنا حواراتنا العميقة نتعرف على بعضنا لنصبح أصدقاء في السياسة وفي الحياة الاجتماعية، وقد خضنا تجربة الانفصال عن لجنة الإعلان وتشكيل هيئة العمل اللبرالي سوياً.
أذهلني عمق قصي في السياسة وفي تناوله الشأن العام. أذهلني صبره وصموده وكتمانه أوجاعه حتى للمقربين منه مثلي. أذهلني استعداده اللامحدود للتضحية في سبيل قناعته ومبادئه. أذهلتني مرونته واعترافه بأخطائه واستعداده للاعتذار عنها وتجاوزها. أصبحنا أنا وهو والمرحوم غطفان ثالوثا مشتركا نتحاور دائما نختلف ونتفق ونبقى أصدقاء. أشهد أن قصي أحمد نبتة من نبتات أرض سوريا الطيبة كبرت وأصبحت تزهر كل عام وتنشر عطرها الفواح الذي يملا الفضاء حوله وأول من كان يستنشق ذلك العطر ويريح أعصابه كان أنا.
نحن محكومون بالأمل كما قال كبيرنا الراحل سعد الله نوس وها هو شعاع الأمل يأتينا من السودان والجزائر والعراق ولبنان. ذلك إن تصميم تلك الجماهير يشبه تصميمك على العمل لقناعتك. وبالرغم من أن المجتمع الدولي الحالي لن يساعد أصدقاءنا في لبنان يا صديقي قصي لتجاوز المحاصصة الطائفية – على العكس كانوا يخططون أن تصبح كل بلداننا تحكم عبر محاصصة شبيهة بلبنان – لكنهم عاجزون عن أن يبيدوا شعبا بأكمله، القرن الواحد والعشرون قرن الشعوب يا صديقي قصي وثوراته تجاوزت ثورات القرن العشرين، وهي وإن كانت ثورية المنشأ وتشترك مع كل ثورات التاريخ بانفجارها العفوي إلا أنها إصلاحية التوجه ومنسجمة مع روح العصر وهو ما يجعل الأمل كبيرا بأنها ستنتصر.
كلي امل أن تتجاوز حالتك الآنية كما تجاوزتها قبل عشرين عاما وتعود إلينا بكامل الصحة والسلامة.
بروكار برس