الدكتاتورية وفضيلتها المنسيّة/ أحمد عمر
الجميع يشتكي في الدكتاتورية، ويندب مثل العروس التي قُتل زوجها برصاص طائش في عرسه:
الأكثرية في الكيان الدكتاتوري تشكو وتبكي وتذرف الدموع، ليس بيدها من الأمر شيء، جميع المناصب للأقليات، ليس من الأكثرية سوى المفتي، ولو جاز تنصيب المفتي من الأقليات الدينية لنصب. المساجد تخنق أو تغلق أو تسرق، والأئمة من المخابرات، والمؤذنون من أنكر الأصوات، وقف الأوقاف محبوس للدولة، الصلاة ستكون قريباً بالبطاقة الذكية، شهر الصيام هو شهر الفسق لا شهر التقوى، الحج ممنوع، إن لم يكن لغلاء الرسوم، فلأسباب سياسية، والبلد المستقبِل يفضّل المسلمين الأعاجم.
المسيحيون يبكون ويرثون حالهم، فهم يقلّون كل يوم عدداً، فالحياة في المهاجر الغربية أمتع وأكرم، مع إدراكهم أن الدولة تقرّبُهم، ولهم القدح المعلَّى فيها، لأنهم تقدميون، التقدمية تعني أنهم أكثر ولاءً للسلطة والعصر من الأكثرية التي تحنُّ إلى الماضي، لا يشعرون بالارتواء السيادي، لأن عددهم أقل من الأكثرية، كما أنهم يتعرضون للازدراء الاجتماعي من الأكثرية بسبب تفضيل السلطة لهم على الأكثرية، يريدون حذف الإسلام من الدستور، ويتضايقون لأن الرئيس يصلّي العيدين، وإن كانوا يعرفون حق المعرفة أن صلاة الرئيس تمارين سويدية ودانماركية ولاماركية يؤديها في المسجد لذرّ الرماد في العيون والآذان والأنوف. كل أقلية تريد أن يكون الرئيس من ملّتها، وإن ذُكّروا بأن دولاً أوروبية كثيرة ترفع الصليب على علمها، ويقسم رؤساؤها بالكتاب المقدس، وأن الرئيس عندهم عادة من الأكثرية،لا يقنعون. وتشكو. الأقلية لا تريد أن يُقسم الرئيس بالله، مع أن دينها يؤمن بالله الواحد، وهم يتضايقون من المساجد وكثرتها ومكبرات الصوت فيها، هناك أمر آخر يدعو للشكوى، فالأكثرية الرجعية تحبُّ الكثرة والنكاح وتسبب الغلاء والزحام وتهدد بكسب المعركة إذا تحققت الديمقراطية يوما لا قدر الله.
العلمانيون يشكون ويتذمرون، ويشترطون ألا تكون الديمقراطية وحدها تطبيقاً، يجب أن تكون مكبّلة بالعقلانية ومقيدة بالعلمانية، لا سيادة للدين، السيادة يجب أن تكون للشعب، أي للعلمانيين، الذين وحدهم يمثلونها. بهذه الشروط، العلماني مناضل، يعادي السلطة، لكن عداءه للشعب أكبر. لا يكفّ العلماني عن التذمر، ويحبُّ رؤية الأفلام الإباحية في التلفزيون قبل أن يهجع الأولاد، وأن يكون في حارته مسرح، يريد مخرج المسرحية مثل إمام الجامع.
الجماعات الإسلامية تشكو وتبكي، وتريد تطبيق الشريعة فوراً وحالاً، وجباية الزكاة والجزية، وقطع يد السارق، وغير السارق أيضاً، تريد شعباً بيد واحدة لا تصفّق، التصفيق حرام، وجلد الزاني بالكبل الرباعي، والجهاد من أجل السبايا، وإعلاء كلمتها لا كلمة الله..
المخابرات أيضاً تشكو وتذرف دموع التماسيح وتولول ولولة الضباع، وهي جهات مختصة بالتعريف الحكومي، لكن هناك جهات مختصة كثيرة تنافسها وتغلبها في القسوة، اختصاصها هو الإجرام القانوني أو فوق القانوني، لكنها تشكو كثيراً؛ الشعب لا يحب الرئيس، الشعب المتخلّف غير التقدمي، الشعب العدو، يحنُّ للذكريات التاريخية البائدة، ويؤلف الأحزاب السرية، ويتآمر مع الخارج، ويريد الحرية، ويؤلف النكات ضد الرئيس البطل الخالد.
الشرطة تشكو لأن المخابرات سلبتها كل السلطة، المعلّمون يشكون، لم يعد لهم سوى هذا البيت الشعري: قم للمعلم…، ولا أحد يقوم لهم، ولا يقعد أيضاً، العربي يشكو ويحسد الكردي، الكردي يندب لأنه مظلوم، القبطي ينوح، عابد الشيطان يشكو، ويأسو على حاله، فالأكثرية تلعن الشيطان المسكين، الطلاب يهزؤون بالمعلمين في الصف. الآباء يشكون الأبناء، الأم تشكو زوجها وأولادها، الأبناء يشكون آباءهم، والجيران يشكون جيرانهم، لأنهم يراقبونهم، عامل النظافة يشكو زبالة الشعب، الشعب يشكو انتشار الوسخ في الشوارع، المدير يشكو العمال، العمال يشكون المدير، الذكر يريد أنثى ولا يطالها، الأنثى تسعى وراء ذكر..
حتى الرئيس يشكو، الأسد قال في خطاب مبكر عند توليه السلطة، إنه ليس لديه عصا سحرية، وكان ذلك إقراراً بأن البلد فيها كوارث لا برء منها إلا بالسحر. حكم والده ثلاثين سنة، حكماً مطلقاً، وبيده مقدرات الدولة كلها، لكن ليس لديه عصا سحرية. الرئيس المصري بكى أكثر من مرة، لو عنده عشرون تريليوناً لجعل من مصر عروسة ودخل بها. مسكين ليس في ثلاجته سوى الماء، فهو يدرك أن مصر ستعاني الظمأ، وإنها ستعالج مياه الصرف الصحي، وربما تمنع الدولة المواطن العطشان من مياه الصرف لأنها أمن قومي، وتصعّب عليه المهمة، بإصدار قانون يكلّف المواطن العطشان الظمآن بالتأليف بين ذرتي هيدروجين وطنيتين مواليتين مع ذرة أوكسجين، للشرب، على سنة الله ورسوله، فيقصد المواطن هيئة الرخص والإجازات، لتزويج اوكسجينه الفحل العائد من الخليج من ذرة الهيدروجين خصيبة اللحم والتي تعادل ذرتين حتى يشرب وينجو من الهلاك عطشا، فتعتقله الهيئة بتهمة مهلكة هي التستر على ذرة هيدروجين إرهابية، أخوها هيلنيوم من الإخوان المسلمين، هذا إن كان المواطن شقيّا، أما إذا كان من السعداء الناجين، فتنصحه الهيئة بعدم إجراء القران لعدم توافق الزمر الدموية للغازين المخطوبين، وقد يعود بالموافقة على القران فتخبر أم المواطن ابنها بأنه تبيَّن لها أنَّ الهيدروجينة العبلاء هي أخت الأوكسجين بالرضاعة، وليس للأوكسجين سوى التحرش بذرات الهدروجين في الزحام، والأفلام الإباحية في القنوات المشفرة.
الجميع يشكو في الدكتاتورية.
المدن