من هو المهزوم؟/ خضر الآغا
صحيح أنك قتلتنا واعتقلتنا وشردتنا وهجرتنا، لكننا لم نسكت، لم نجلس في أماكن هجرتنا وتشردنا نبكي على قتلانا ومعتقلينا ومآلاتنا، نحن نفعل ذلك، بل نفعل ذلك دائمًا، لكن ليس فقط. نحن نفضحك دون توقف، نحكي عليك للجميع، للمارة في الشوراع، للجيران، لركاب وسائل النقل، للسائقين، للعاملين في المحلات وللزبائن.. الجميع صار يعرفك، ليس بوصفك دكتاتورًا تنتمي لسلالة دكتاتوريين يعرفهم العالم، بل بوصفك مجرد مجرم رخيص، رخيص لدرجة أننا نحن -نحن السوريين، الذين نعرفك جيدًا- نحتاج بعض الوقت لاستيعاب كم أنت رخيص! إذ لم نسمع من أحد، لا في الأفلام، ولا في المسلسلات، ولا في الكتب، ولا في التاريخ قديمه وجديده، ولا في حكايات الخرافة أن أحدًا مر على هذه الأرض وكان رخيصًا إلى هذا الحد الصفيق!
صنعنا عنك أفلامًا وما نزال، أفلامًا طويلة وقصيرة وروائية ووثائقية تحكي عن وضاعتك وعما فعلته بالناس لأجل أن تكون في السلطة فقط، في السلطة حتى ولو أنك مربوط برباط أحذية من يحميك: ميليشيات ومرتزقة أو دولًا. أفلامًا تحكي عن الذعر في عينيك، وعن وجهك الذي يواصل اصفراره من رعب فقدان السلطة، ومن موت مجهول لكن محقق. الكثير من الأفلام صنعنا، وعرضناها في أنحاء العالم، وبعضها نال جوائز دولية.
كتبنا عنك روايات وما نزال، روايات وقصصًا كثيرة تحكي قصتنا معك من أولها، كشفنا فيها ما حاولت أخفاءه، جعلنا من الذين كنت تظن، أو كنت تعتبرهم بلا قيمة، أبطالًا، وصانعي قيم وتاريخ، جعلنا ممن أسكتّه ببطشك متكلمًا، جهوريًا، وناطق حق. كل الذين قطعت، أو ظننت أنك قطعت ألسنتهم، استعادو ألسنتهم وهم يفضحونك بلا توقف.
فمن هو المهزوم؟
هل تعلم أن الأغنية التي سخرت منك كثيرًا وهزّأتك فانتزعت حنجرة صاحبها انتشرت في الهواء مثل رائحة التراب والأرض؟ وإنها تُغنى في كل ساحات الاحتجاج ضد الظلم؟ صارت نشيدًا وطنيًا وثوريًا لكل محتج وثائر ومتظاهر وغاضب؟ نعم، هي ذاتها: أغنية القاشوش: يلّا ارحل.
كتبنا عنك مسرحيات ومثلناها على مسارح العالم وما نزال نكتب ونمثل. وصّفناك كحشرة مؤذية وكعشبة ضارة. وحتى الأدوار التي أعطيناك إياها هي أدوار المجرم الوضيع، الرخيص، الأهبل، المضحك.
ابتكرنا رقصات أيضًا، وما نزال، ورقصناها حتى في شوارع العالم، وقلنا عبرها إنك ترقص على دمنا وآلامنا وهجرتنا واعتقالنا وتشردنا.
عندما يتحدث عنك، ليس فقط السوريون، بل الناس في الدول التي لجأنا وهاجرنا إليها يقولون مفردات مثل: الوضيع، الوحش، الأهبل، والمضحك… فنعرف ويعرف من يسمع أنك أنت المقصود. جعلناك بلا اسم، لكن مع كثير من هذه الصفات.
صار لدينا خبرة بالحديث عليك وبفضحك حتى بدون لغة! تصور؟ مثلًا: عندما نكون في دورات تعليم لغة البلد الذي قبلنا كلاجئين عنده، نخلق لغة مزيجًا من لغات أخرى ومن إشارات لنروي قصتنا معك ونصفك الوصف الصحيح. حتى في دورات اللغة نفضحك. ذات مرة كان مهاجر أوكراني يتكلم عن حكاية شعبية خرافية يعرفها أهل بلده، وكان في الحكاية وحش مقزز، جبان، ووضيع، وذو رائحة كريهة… وعندما لم يستطع وصفه باللغة الجديدة التي نتعلمها جميعًا، قال: باختصار، هو مثل بشار الأسد. جعلناك كناية عن الوحوش المقززة والجبانة والوضيعة والـ بلا كرامة. وجعلك مهاجرون آخرون كناية عن كل ما هو سيئ وشرس في هذه الأرض، صرت لهم شيفرة: لو أرادوا الكلام عن أي أمر سيئ، يقولون بين بعضهم بعضًا: مثل بشار الأسد. تصور!
أخبرني أحد العاملين بشأن إحصائي حول تعلم اللغات بين الأجانب في بلده، إن السوريين الذين لم يتمكنوا من تعلم اللغة بشكل سلس، يتكلمون كم يكرهونك وكم أنت صفيق بمزيج لغوي قادر على أن يكون لغة مشتركة عامة، وأن هذا الأمر يشبه الظاهرة!
لقد خلقنا لتوصيفك لغة مشتركة عامة.
فمن هو المهزوم؟
جعلنا العالم يعرف أنك عبأت البراميل بالمواد المتفجرة وألقيتها على بيوت الناس، حتى غدت صفة نظام البراميل، ورئيس نظام البراميل اسمًا آخر لك يعرفه العالم ويناديك به. أطلقنا هذه الصفة على كل ما يتبع لك: جيش البراميل، طيران البراميل، مصارف البراميل، محلات البراميل، وهكذا..
كتبنا أغان ولحنّاها وغنيناها، ليس فقط في المسارح والاحتفاليات، بل حتى في البيوت، والساحات، والشوارع، وفي محطات القطارات، وفي القطارات.. غنينا لمن قتلتهم وجعلناهم رموزنا السورية. لم تعد ثمة رموز لنا إلا ما اخترناه نحن. هزأنا من الرموز التي فرضتها علينا، سخرنا منها، ورفضناها.
أسّسنا وما نزال ثقافة سورية كاملة تحكي عليك وتصفك وتسرد قصتنا وتاريخنا معك، ثقافة بمفردات سورية وتعابير سورية وأداء سوري… ثقافة لم تكن معروفة قبلك ونشرناها في العالم.
دخلنا في اللغة وفي الثقافة، وخرجت من اللغة ومن الثقافة.
فمن هو المهزوم؟
نحن في عصر الشعوب. لم يعد للشعوب المضطهَدة ما تخسره، فخرجت إلى الشوارع محتجة، ثارت ضد الطغيان، في البلدان العربية وبلدان المنطقة وفي بلدان أخرى من العالم. جميع الشعوب التي خرجت للتحرر هتفت لأجل ثورتنا ونضالنا، وهتفت ضدك، وضعت صورتك كمجرم وضيع ودموي ولطختها بالدماء ورفعتها عاليًا لتخبر العالم كيف قتلت شعبك واعتقلته وهجرته…
جعلناك رمزًا للقبح ولأكلة لحوم البشر.
ننتمي لكل حركات واحتجاجات الشعوب وثوراتها ضد طغاتها، مع هذا قارنّا بالنصوص وبالصور وبالفيديوهات وبكل الوسائل بين تعاملك مع ثورتنا واحتجاجاتنا وبين تعامل طغاة الأرض مع ثورات شعوبهم واحتجاجاتها، جميعكم مجرمون وقتلة، لكنك تفوقت عليهم جميعًا بلا استثناء وعلى نحو مطلق بالإجرام والدموية والحقد والهمجية.
حتى الطغاة يبرؤون أنفسهم من طغيانهم عبر مقارنة أنفسهم بك! يقولون: نحن لم نفعل ما فعله الأسد بشعبه! جعلنا العالم يعرف أنك الأكثر إجرامًا، والأكثر وضاعة، والأرخص.
فمن هو المهزوم؟
حتى داعش: التنظيم المتوحش، بدا أقل توحشًا منك. منظمات حقوقية وإنسانية دولية وثقت جرائم داعش في سوريا وجرائمك، كانت جرائمك أكثر، واعتبرت تلك المنظمات أنك الأخطر على سوريا. تصور، إنك أخطر حتى من داعش: الوحش الكوني.
سرّبنا صورًا للكثير ممن اعتقلتهم وقتلتهم في سجونك، الكثير من الصور: 55000 صورة أوصلناها للعالم لقتلى تحت التعذيب، عرضناها في أنحاء العالم، واخترعنا قانونًا دوليًا جديدًا ضدك تحت اسم: قانون قيصر: الاسم الذي اُطلق على الرجل الشهم الذي سرب الصور من داخل محميتك المتوحشة.
أثبتنا أنك أكثر مجرمي الأرض الرخيصين الذين قتلوا معتقلين تحت التعذيب على مدار التاريخ والعالم. صار حتى الناس في الشوارع، في البلدان التي هاجرنا إليها، يعرفون أن كل معتقل لديك هو مشروع قتيل تحت التعذيب. إذ إنك تخاف حتى من المعتقل المأسور لديك فتقتله. جعلنا ذلك من المفردات اليومية في حياة الناس.
جعلناك سخرية الكوميديين. أنت أكثر حاكم في العصر الحديث تحول إلى مادة لا تنضب للسخرية. جعلنا منك الرئيس الهزء في هذا العالم.
فمن هو المهزوم؟
جعلت الناس يهربون منك إلى أكثر الأماكن انعدامًا للحياة، إلى مخيمات لا يمكن تسميتها سوى بمخيمات الموت: مخيم الزعتري في بادية الأردن، ومخيمات شبيهة لها في لبنان كعرسال، وكذلك مخيمات أخرى مماثلة في أماكن أخرى. في الصيف يعيشون تحت شمس حارقة لا تقلل من حرقتها قماشة الخيمة، وقد مات أطفال وعجائز منهم من شدة الحر. يعيشون وسط عقارب وأفاع وحشرات سامة وقاتلة، وقد مات منهم الكثيرون بسمّ أفعى أو عقرب. وفي الشتاء يعيشون وسط سيول وأمطار وثلوج وكافة عوامل الطبيعة التي تتوحش غالبًا وكأنها ضدهم، تطفو خيمهم على الماء، وتتهدم خيمهم تحت ثقل الثلج، ويغوصون في الوحل حتى ركبهم، هكذا وبلا تدفئة أيضًا، وقد مات منهم ناس من شدة البرد. لقد ماتوا لدغًا ولسعًا وبردًا وحرًا… مع هذا رفضوا أن يعيشوا في مكان أنت فيه، فضلوا العقارب والأفاعي والحشرات السامة والقاتلة والبرد والثلج والوحل والحر على أن يعيشوا معك. لقد قالوا ذلك لكل من تحدث معهم: أفرادًا ومؤسسات ومنظمات محلية ودولية، وقالوا ذلك عبر وسائل الإعلام جميعها، وقالوا ذلك لأهالي البلدان المضيفة ولأهالي البلدان الأخرى. وقد عرف العالم كله أننا كسوريين نفضل الأفاعي والعقارب والحشرات السامة والبرد والحر والوحل والثلج على أن نعيش معك، نفضل أن نموت من البرد والحر واللدغ واللسع على أن نعيش معك.
حولناك إلى شيء لا يمكن العيش معه، كمرض السل مثلًا، وكمرض الكوليرا، وهكذا…
فمن هو المهزوم؟
عندما ألقيت برميلًا متفجرًا على أحد الأحياء السكنية في حلب، هرعت “الخوذ البيضاء” لإنقاذ الناس من تحت الأنقاض التي خلفها برميلك، خرج رجل من تحت أنقاض منزله الذي تهدم على رأسه ورؤوس عائلته، خرج مغبرًّا ومجروحًا ومحطم الأضلاع، وقال بحزم، وبما يستطيعه من كلام: “أي، لسا بدنا حرية”. أرأيت؟ خرج الرجل من موته ليتحداك، ليقول لك إن براميلك لم تجعل الناس يتراجعون عن مطلبهم في رحيلك، وفي حريتهم مهما قتلت ودمرت.
الناس يفضلون الموت تحت أنقاض بيوتهم على أن يقبلوك بينهم.
“الخوذ البيضاء” التي سبّبت لك صداعًا مستمرًا وأرّقتك وجعلتك في العالم ذلك الوحش الذي قتل حتى المسعفين والمنقذين، تحولت إلى رمز عالمي من رموز الإنسانية، وتم صناعة الكثير من الأفلام والريبورتاجات والتقارير الإعلامية عن عملها الإنساني العظيم في إنقاذ الناس، وكذلك -إمعانًا في قهرك وإذلالك وتحديك، نالت جوائز عالمية. الخوذ البيضاء التي جعلت شعارها آية قرآنية: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا” سميتها إرهابية. الخوذ البيضاء هم نحن السوريين الذين جعلنا العالم يرى همجيتك حين اعتبرت حتى المسعفين إرهابيين!
أسقطنا أقنعتك الواحد تلو الآخر حتى لم يبقَ منك سوى حقيقتك عارية: مجرد مجرم همجي!
تلك الأم العظيمة التي جعلتها صواريخك وبراميك وقنابلك وجيشك تعيش مع أطفالها السبعة تحت درج بناية هدمتها هي الأخرى طائراتك، وقد قتلت زوجها وأب أطفالها ومعيلهم، تلك الأم كانت تطبخ ما تيسر لها من خشاش الأرض لأطفالها ولأولئك الذين يقاتلونك ليحموها، تلك الأم كانت تقول: سأحمي أولادي وسأتدبر أمر معيشتهم، وسيكبرون ويقاتلونك. وكانت ترى أولاد السوريين أولادها أيضًا. كانت تقف تحت درج البناية التي تحول إلى منزل لها وتقول: لن أهرب إلى أي مكان، سأبقى هنا وسيكبر أولادي هنا وسيقاتلونك هنا، وحين يُقتلون فهم شهداء عند الله. أرأيت؟ تريد لأطفالها أن يكبروا ليقاتلوك حتى لو ماتوا جميعًا على أن يعيشوا معك. تلك الأم هي أمنا السورية التي دوت صرختها تلك في العالم، وحوّلتك إلى مطلوب لدينا جميعًا. “مطلوب”، هل تذكر تلك العبارة التي كنا نقرؤها في الأفلام؟ wanted؟ أنت هو، أنت المطلوب.
فمن هو المهزوم؟
هاجرنا من أنحاء سوريا إلى تركيا، تهريبًا، مشيًا على الأقدام، في شاحنات الخضار والبضائع، في شاحنات الحيوانات، وسط إطلاق النار، وسط قناصيك المنتشرين في أنحاء البلد كالوباء، كالكوليرا، كفيروسات مميتة، ومن هناك عبرنا البحر، دفعنا ما ادخرناه طيلة حياتنا وركبنا البحر لنهرب منك. عبرنا البحر بقوارب سُميت قوارب الموت، قوارب مطاطية غير مؤهلة أصلًا لعبور البحار، سميناها “البلم”. واضطررنا أن نقودها بأنفسنا على الرغم من أن كثيرين منا لم يروا البحر سوى في اللوحات والصور والتلفزيون، خاطرنا بحياتنا وحياة أهلنا وأولادنا وأمهاتنا وآبائنا لنهرب منك. مات كثيرون منا في البحر، مات أولادنا، مات آباؤنا وأمهاتنا، مات أخوتنا وأخواتنا، مات جيراننا في البحر… حاولنا مرارًا وفشلنا مرارًا أن نكمل رحلتنا في البحر على الرغم من كل ذلك الموت كي نهرب منك. عرفنا أننا سنموت في البحر ومع هذا ركبناه ومتنا على أن ألا نعيش معك.
اجتزنا البحر بما تبقى منا في كل مرة، وعشنا في العراء طويلًا، وفي مخيمات هي أشبه بمعسكرات الاعتقال طويلًا، كنا ننتظر من يعطينا طعامًا وشرابًا وحليبًا لأطفالنا… لأننا لا نريد العيش معك.
عبرنا نحو بلاد يمكن أن تستقبلنا في الشاحنات، في الباصات، في السيارات، ومشيًا على الأقدام. اعتقلتنا شرطة البلدان التي عبرناها جميعها، سجنوننا، قلنا لهم: اقتلونا أو أبقونا في سجونكم، أو أطلقونا لوحوش البراري، ولا تعيدونا إلى مكان أنت فيه. متنا في الشاحنات، ومتنا في الغابات، ومات أطفالنا وعجائزنا من كثرة ما مشينا بحثًا عن مكان يستقبلنا، بقينا شهرين وثلاثة وأربعة شهور نمشي ونمشي ونمشي، نمنا على الطرقات، في البراري، في الغابات، نمنا من شدة التعب، ومن الجوع، ومن البرد، ومن الحر… حتى نصل إلى مكان بعيد عنك ولا تسطيع الوصول إليه.
تصور، مشينا من سوريا إلى تركيا، إلى القارة الأوروبية على أقدامنا في رحلة سوف تعتبرها الأجيال القادمة واحدة من أساطير الأولين كي لا نعيش معك.
عبرنا بلدانًا، بلدانًا كاملة، وغابات، وبراري، ووديانًا، وجبالًا مشيًا على الأقدام كي لا نعيش معك.
جف حليب الأمهات، وجاع أطفالهن، وصرخن طلبًا لقطرات من الحليب بكل قوة صوت الأمهات اللواتي لا يردن أن يموت أطفالهن على صدورهن من الجوع، ومن قلب كل هذا الألم والقهر والخوف دعت الأمهات عليك، وعلى الرغم من أنني لست مؤمنًا، لكنني أومن أن الله سمع دعاء الأمهات عليك!
الله، الله الذي يرى كل شيء، كرهك.
فمن هو المهزوم؟
عندما هجّرتَ أهل الغوطة ببراميلك ومدافعك وصواريخك… أجرى أحد إعلامييك لقاء مع بعض الهاربين، طلب والد طفلة صغيرة بحجم دمعة أن تقول: “أنا بنت بشار الأسد!” أجابت تلك الطفلة الناجية من الكيماوي والصورايخ والبراميل والطائرات التي قتلت بها أهلها وأهل الغوطة: “ما بدي كون بنت بشار الأسد!” ذلك كان على فضائيتك، وعلى وسائل إعلامك، وقد أخفيتها من الظهور، لكن العالم برمته سمع تلك الطفلة التي كررت العبارة مرارًا بحزم الرجال.
الأطفال، حتى الأطفال، لا يريدونك.
أرغمت الناس على الهروب من بيوتهم وأحيائهم وقراهم ومدنهم إلى إدلب. ملايين السوريين توجهوا إلى إدلب. خرج أهل إدلب يستقبلون النازحين والمهجّرين، في كل مرة، مثلما خرج أهل المدينة لاستقبال الرسول المهجّر وصحبه في التاريخ، فتحوا لهم مدينتهم، وبيوتهم، وقلوبهم… فتحولت إدلب إلى سوريا مصغّرة. إدلب هي المكان الأخير المتاح للسوريين الهاربين منك، ليس ثمة مكان آخر لهم.
وجهت طائراتك وبراميلك وصورايخك وميليشياتك وداعميك… لقصف السوريين في إدلب، فهدمت بيوتهم وقتلتهم وهجّرتهم من جديد كما دائمًا، فخرجوا هاربين إلى البراري، إلى اللامكان، إلى المجهول، فتعقبتهم في طرق هجرتهم وقتلتهم…
مع هذا رفضوا العيش معك، يموتون في الطرقات وفي المستنقعات وفي الوحول والبساتين.. ولا يعيشون معك.
فمن هو المهزوم؟
فلو ظننت أنك هزمتنا في الجغرافيا، فقد هزمناك في التاريخ.
الترا صوت