ما التعديلات التي طرأت على مناهج التعليم؟: الفوضى القاتلة في تعديلات المعارضة/ صبر درويش
أقدمت مؤسسات وجهات تابعة للمعارضة السورية على إجراء تعديلات على منهاج التعليم السوري، بهدف الافتراق عن منهاج النظام. إلا أن التفحص النقدي يبيّن أنّ لا فروقات كبيرة بين المنهاجين، والمسألة لا تتعدى سوى بعض التفاصيل التي لا تمس روح المنهاج التعليمي كما سنلاحظ في سياق النص، بينما يتفق المنهاجان في أغلب التفاصيل الأخرى؛ وإنه لأمر مدهش!
في مناطق سيطرة المعارضة السورية، وفي جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي، تم اعتماد مناهج التعليم الرسمية المؤلفة في دمشق من قبل وزارة التعليم السورية، بعد حذف مواد محددة أهمها: التربية الاجتماعية، التربية الوطنية، التربية الفنية، الموسيقا، والتكنولوجيا. وبهذا يتبقى من المنهاج المعتمد في المدارس كتاب اللغة العربية، اللغة الانكليزية، الرياضيات، ومادة العلوم للصفوف من الأول ابتدائي وحتى الصف الرابع. ومن الصف الخامس وحتى التاسع يضاف إلى ما سبق مواد اللغة الفرنسية، التاريخ، الجغرافية، والفيزياء والكيمياء. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى مرحلة التعليم الثانوي بفرعيه الأدبي والعلمي[1].
أما فيما يخص الكتب المعتمدة هنا، فقد تم إجراء تعديلات يصفها القائمون (وهم لجنة تم تشكيلها سنة 2012 من قبل الهيئة السورية للتربية والتعليم بالتنسيق مع منظمة “علم”، وضمت مجموعة من الاختصاصيين بمناهج الدراسة)، بأنها “تعديلات جذرية” تطال حذف كل ما يشير إلى نظام البعث، حافظ الأسد، بشار الأسد، بالإضافة إلى استبدال بعض الرموز السياسية المعتمدة من قبل النظام السوري، برموز أخرى يرى القائمون على تعديل المنهاج أنها الأجدر في ضمها للمنهاج، كما تم استبدال العلم السوري الرسمي “العلم الأحمر” بعلم قوى المعارضة “العلم الأخضر”. عدا ذلك، لم يمس التعديل أي شيء آخر[2]. وبحسب عماد برق وزير التعليم في الحكومة السورية المؤقتة فإن “حجم التعديلات على المناهج الدراسية السابقة لا يتجاوز 10%”[3].
ولكن! من هي الجهات التي تولت مهمة إجراء التعديلات، وما الذي تغير فعلياً في مناهج التعليم المعدّلة؟
التعديلات التي طرأت على مناهج التعليم
من خلال مراجعة الكتب الدراسية للمراحل التعليمية المختلفة ومقارنتها مع الكتب التي جرى تعديلها من أجل معرفة حجم وطبيعة التعديلات التي جرت على مناهج التعليم، لاحظنا أنّ التعديلات التي توصف عادة “بالجذرية” لا تعدو كونها تعديلات طفيفة لا تمس سوى بعض التفصيلات الشكلية، بينما المضمون الفعلي لمناهج التعليم فقد بقي على حاله. وسنعرض نماذج عن هذه التعديلات المزعومة[4].
في كتاب القراءة للصف الرابع في المنهاج الرسمي، فصل أول، وفي الدرس الثاني صفحة 13 بعنوان: “مجلس الأطفال”، يتكلم الدرس عن مجلس برلمان خاص بالأطفال، وتُبرز الصورة في مقدمة الدرس مجموعة من الأطفال السوريين داخل قاعة البرلمان، وفي الخلفية علميين سوريين يقعان خلف رئيس المجلس.
بينما في المنهاج المعدل فسيتم تغيير اسم الدرس ليصبح: “عرس الطفولة”، كما سيتم استبدال الأعلام “الحمراء” بأعلام المعارضة “الخضراء”.
وفي الوقت الذي تندرج فيه أسئلة الدرس في سياق توضيح آليات عمل مجلس الشعب “البرلمان”، وهو شيء لم يتم تعديله في المنهاج المعدل، سيقع الأطفال الذين يدرسون المنهاج المعدل في تشوش كبير، فالأسئلة تدور حول الديموقراطية وآليات عمل مجلس الشعب، بينما عنوان درسهم فيدور حول الأعراس. وهو لأمر مدهش حيث يصعب فهم الهدف والغاية من هذا التعديل “الجذري” الذي قام به القائمون على تعديل منهاج التعليم في صفوف الحكومة المؤقتة أو هيئة الشام الإسلامية المساهمة في إجراء هذه التعديلات، فما الحكمة من استبدال “مجلس الأطفال” باسم “عرس الطفولة”!!.
إن النموذج الذي سقناه أعلاه حول طبيعة التعديلات، يندرج على كل التعديلات الأخرى، وهي تعديلات تفقد جدواها والغاية منها، هذا أنها عوضاً عن أن تدخل تحسينات على مناهج التعليم تخفف من حدة سيطرة نظام الأسد على مناهج التعليم وتحدّ من تأثيره الثقافي والتربوي على التلاميذ فإنها تقوم بإجراء تعديلات أشبه بخطوة إلى الخلف. ففي كتاب القراءة للصف الرابع في المنهاج الرسمي، فصل أول الصفحة 22، وتحت عنوان: “موقف ورأي”، من درس بعنوان “يا أطفال العالم”، وهو درس يسعى إلى تعليم الأولاد أساليب المحاجة والنقاش، يُطلب من التلميذ إبداء رأيه في قضيتين هما: 1- طفل يمارس اللعب في الشارع 2- فتاة تحرم من متابعة تعليمها. بينما يتم تعديل هاتين القضيتين في المنهاج المعدل لتصبحا: 1- الكبار الّذين يتسببون في الحرب. 2- الكبار الّذين يحرصون على أمن الصغار. وفي أسفل الصفحة من المنهاج المعدل توضع صورة لطفل رث الثياب، ونحن لا نعلم بالضبط إن كان بسبب الفقر أم الحرب!
في درس آخر، ودائماً من نفس الكتاب، بعنوان: “عند طبيب العيون”، ويسرد أهمية العيون والبصر عند الإنسان.. إلخ، يضيف القائمون على تعديل المنهاج آية قرآنية في نهاية الدرس تقول: “إن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤول”. وهي إضافة يعتقد القائمون على تعديل المنهاج بأنها حاسمة في أهميتها!
تعديلات لا تطال روح المنهاج التعليمي
على وجه العموم، لا فروقات كبيرة بين المنهاجين، والمسألة لا تتعدى سوى بعض التفاصيل التي لا تمس روح المنهاج التعليمي كما سنلاحظ في سياق النص، بينما يتفق المنهاجان في أغلب التفاصيل الأخرى؛ وإنه لأمر مدهش! إذ كيف لطرفين يفترض أنهما نقيضين أن يتفقا على صعيد قضية حاسمة الأهمية كمناهج التعليم!
يحدث ذلك عندما يكون النقيضين نقيضين على مستوى الشكل، نقيضين في صراعها على السيطرة السياسية أي على السلطة، بينما على مستوى العمق، أي على مستوى القيم والرؤى السياسية وعلى صعيد بناء مستقبل سوريا، وعلى مستوى المحتوى الثقافي المراد منحه للتلاميذ، أي بالمختصر على مستوى البنية الطبقية فكلا الطرفين متشابهين حدّ التطابق، متطابقين في رؤيتهم إلى السوريين باعتبارهم رعية لا مواطنين.
كتاب اللغة العربية.. اختصار موجز للتناقضات
يحمل كتاب اللغة العربية للصف التاسع كل تناقضات منهاج التعليم السوري ورديفه المنهاج المعدل. فالكتاب عبارة عن خليط كبير يجمع بين التربية الدينية والتربية الإيديولوجية والتربية الوضعية. فالوحدة الأولى من كتاب الفصل الثاني تندرج تحت عنوان: “قيم روحية” وتضم عدد كبير من الآيات القرآنية والقصص الدينية.. إلخ، والوحدة الثانية بعنوان: “تمكين المرأة”، وتضم مجموعة من الدروس ذات المحتوى الحداثي إذا جاز التعبير، والذي يركز على دور المرأة في المجتمع.. إلخ مع مجموعة إضافية من الأمثلة المأخوذة من القرآن كما في الصفحة رقم 68، حيث يعرض مجموعة من الأنشطة والتدريبات المأخوذة جميعها من القرآن. والوحدة التي تليها بعنوان: “قضايا قومية”، والتي تقدم محتوى أيديولوجيا يتعلق بمعتقدات حزب البعث الحاكم “ومنطلقاته الفكرية”، وباقي وحدات الكتاب الأخرى تتوزع بين الثقافي والسياسي والأدبي.. إلخ.
تعديلات تفتقد الحد الأدنى من المهنية
ورغم أن هذا الكتاب على وجه التحديد (كتاب اللغة العربية للصف التاسع) يحمل بين دفتيه العديد من القضايا الخلافية, إن كان على المستوى السياسي أو التاريخي أو الأيديولوجي.. إلخ، إلا أننا لن نعثر وبالاستناد إلى المقارنة بين نسختي المنهاج الرسمي والمنهاج المعدل على أي تعديل يذكر، سوى تعديل بعض الصور, والتي لا تقدم ولا تأخر، كتغيير صورة الدرس الثاني من الوحدة السابعة بعنوان: “رسول الهدى” حيث تستبدل صورة الدرس, وهي صورة لديوان شعري بصورة لأحد المساجد الإسلامية. ويتكرر الأمر في الدرس الأول من الوحدة التاسعة بعنوان: “في خيمة الأصمعي”، وهو نص للشاعر السوري سليمان العيسى، وهنا أيضاً يُحذف كل تعريف عن كاتب النص ويتم الإبقاء على النص من دون تعديل. وهو تعديل يفتقد إلى الحدّ الأدنى من المهنية، إذ كيف يتم عرض نصّ من دون ذكر المرجع؟ وهو أمر تكرر في أغلب الدروس ولم يصل الكاتب إلى تفسير واضح لهذا التعديل إي إسقاط المراجع!! وإذا كان ثمة مشكلة تحيط بشخصية سليمان العيسى باعتباره أحد رموز نظام الأسد، فكيف والحال كذلك يتم الإبقاء على نصه؟.
اتفاق حول حرب تشرين
في هذا الكتاب الجاري نقاشه، ثمة درس بعنوان: “تحية إلى تشرين” صفحة 146، وفيه قصيدة للشاعر السوري عبد الرحيم الحصني يتغنى من خلالها بحرب تشرين “التحريرية” التي تروي كتب التاريخ المؤلفة من قبل نظام دمشق كيف قاد حافظ الأسد رئيس سوريا السابق “الجيش العربي السوري” للانتصار على الاسرائيليين سنة 1973 واسترجع مدينة القنيطرة، مع إهمال خسارة الجولان في معركة سبقتها سنة 1967 وكان أيضاً قائدها الأسد ذاته؛ وهو تاريخ مُختلف على كل تفصيل فيه، مختلفين حول تحويل الهزائم إلى انتصارات، ومختلفين حول المسؤولين عما آلت إليه أوضاع سوريا عبر العقود الخمس الماضية، ومختلفين حول سرد التاريخ السوري الحديث برمته… ورغم كل هذا الاختلاف، إلا أن القائمين على تعديل منهاج التعليم السوري في الحكومة المؤقتة المعارضة لم يعثروا على أي ضرورة أو حاجة لإدخال أي تعديلات على هذا الدرس الذي يروي جانباً من التاريخ المزيف للسوريين.
فمن الواضح أن نظام الأسد ونقيضه الحكومة المؤقتة المعارضة، متفقين على هذه السردية للتاريخ، متفقين على أن الأسد الأب كان قد قاد الجيوش السورية للانتصار على الاسرائيليين، إذ يبدو أنّ لا خلاف بين طرفي الصراع حول الأسد الأب باعتباره “راعي التشرينين” كما تصفه آلة الدعاية البعثية منذ نحو خمسين عاماً، فأين بعد كل هذا من الممكن أن نعثر على الحدّ الفاصل بين نظام دمشق ونقيضه المفترض الحكومة المؤقتة المعارضة؟
(غلاف أحد الكتب المعدلة)
يقول المدرس أحمد طعمة[5]، وهو مدرس سابق لمادة اللغة العربية في إحدى مدارس بلدة قلعة المضيق: “من خلال معرفتي الجيدة بكلا المنهاجين الرسمي والمعدل، أستطيع القول بأن لا تعديلات تذكر جرت على المنهاج، سوى تعديلات طفيفة، أنظر على سبيل المثال كتاب اللغة العربية للصف التاسع، إنه مليء بالمغالطات التاريخية، ويحمل الكثير من أفكار حزب البعث ومعتقداته، ورغم ذلك تم المحافظة عليه بالكامل”.
في الدرس الأول من الوحدة المتعلقة بتمكين المرأة صفحة 48 بعنوان: “المرأة والمجتمع”، وهو نص من تأليف السيدة نجاح العطار، والتي شغلت سابقاً منصب وزير في الحكومة السورية على مدار “الألف” عام الماضية!، يقوم القائمون على تعديل المنهاج بحذف صورة الكاتبة والمعلومات الشخصية التي تعرّف عنها، بالإضافة إلى حذف المرجع الذي يشير إلى مصدر النص، باعتبار الكاتبة إحدى رموز نظام الأسد، بينما يتم الاحتفاظ بالنص وكل التمارين المتعلقة به! ويبدو الأمر وكأن المشكلة هنا تتعلق بذكر اسم الوزيرة السابقة باعتبارها جزءاً من نظام الأسد، بينما نصّها، وما يحمله من أفكار فهو أمر لا بأس به. فالمشكلة في الشخصية لا بما تبثه من أفكار هي في المحصلة أفكار حزب البعث ذاته. في هذا الدرس الجاري نقاشه ثمة سؤال في قسم الأنشطة المتعلقة بالدرس، والسؤال هو كيف عبر الشاعر عن بطولات حماة الديار؛ ولكن أليس هؤلاء (حماة الديار) هم من واجه المنتفضين السوريين منذ عام 2011؟ أليس هم من اتخذ قراره بالانحياز لنظام الأسد ضد الشعب السوري؟
الجهات الراعية للعملية التعليمية
في العديد من المناطق السورية التي تسيطر عليها قوى المعارضة، لعبت المنظمات المدنية دوراً مهماً في العملية التعليمية، ومن هذه المنظمات منظمة “هيئة الشام الاسلامية”[6]، التي تأسست في تشرين أول/اكتوبر 2011، ورخصت في مجلس محافظة حلب بقرار رقم (14) وتاريخ 31-8-2013، وهي منظمة ذات توجه إسلامي “وسطي” كما يتم وصفها عادة، ولها العديد من النشاطات المدنية ومنها بطبيعة الحال اهتمامها بالعملية التعليمية.
ووفقاً لوثائق “الهيئة”، فإن القائمين عليها تمكنوا من طباعة 200 ألف كتاب مدرسي، وتوزيعهم على المدارس السورية المختلفة، داخل سوريا في المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة، وفي مخيمات اللجوء في تركيا. وبحسب القائمين على هذه “الهيئة”، فإن المنهاج الذي تم طباعته هو المنهاج السوري الرسمي مع إجراء “تعديلات جذرية عليه”، لذا وبحسب الهيئة “بُذلت جهوداً مضنية لتنقية الكتب من هذه الأفكار قدر الوسع والطاقة، وسبقت عملية الطباعة فترةُ رصدٍ للملحوظات، ليتم بعد ذلك تعديلُها على النسخ الإلكترونية، ثم طُبعت هذه الكتب بالألوان في مطابع عالية الجودة”[7]، وفق ما صرحت به “الهيئة”.
حذف “الاحتلال العثماني”
وكان من أهم التعديلات “الجذرية” التي قامت بها الهيئة: “تمت إزالة جميع صور الأسد ووالده الراحل. وتم استبدال العلم السوري بعلم المعارضة، وتم حذف الإشارات إلى الأسد بأنه “القائد الخالد”. لم يعد يشار إلى عصر الإمبراطورية العثمانية بعبارة “الاحتلال العثماني”. كما لم يعد يشار للانقلاب الذي قام به الأسد الأب في عام 1970 بـ “الحركة التصحيحية”. تم أيضا تغيير مسمى حرب عام 1973 مع إسرائيل التي فشلت فيها سوريا في استعادة مرتفعات الجولان من “حرب تشرين التحريرية” إلى مجرد “حرب تشرين”[8]، وهو أمر ليس دقيقاً تماماً كما لاحظنا أعلاه.
إلى جانب هيئة الشام الاسلامية، تنشط منظمات أخرى تهتم بالشأن التعليمي، وقد يكون من أبرز هذه المنظمات منظمة “عِلم” والمعروفة “بالهيئة السورية للتربية والتعليم”، ومقرها في تركيا. تمكنت منظمة “علم” من طباعة 3 مليون نسخة من المنهاج السوري لمرحلة التعليم الأساسي، والمرحلة الثانوية العامة، ووزعت هذه الكتب على المدارس السورية في تركيا، وفي الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرة المعارضة[9].
تغيير أغلفة الكتب!
المنهاج الذي تم طباعته، هو المنهاج السوري الرسمي، مع إجراء تعديلات عليه، حيث تغيرت أغلفة جميع الكتب المدرسية وحلّت عليها أغلفة جديدة تحمل شعار منظمة “علم” وإلى جانبها شعارات المنظمات المانحة، كجمعية قطر الخيرية[10]. إلى جانب تغيير أغلفة الكتب، قام القائمون على عملية تعديل المنهاج، والذين لم ينجح الباحث بالتوصل إلى أسمائهم!، بحذف كل ما يتعلق بشخصية الأسد الأب والابن، وكل ما يتعلق بحزب البعث وإنجازاته.. إلخ.
لا يعرض موقع منظمة “علم” أسماء مؤسسيه أو أعضاء مجلس إدارته بشكل مباشر، وعلى الرغم من أن كلفة النشاطات التي تقوم بها المنظمة، تكاد تحتاج إلى دول لتوفر هذا الحجم من الدعم، إلا أننا لا نعلم بالضبط المصادر التي تحصل عليها المنظمة لدعم نشاطاتها، وهو ما أثار العديد من الانتقادات والتلميحات المبطنة من قبل بعض الناشطين السوريين، حول علاقة تنظيم الاخوان المسلمين السوري ووقوفه خلف منظمة “علْم”، بالإضافة لدعم قطري لا يخفي نفسه.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
في مناطق سيطرة المعارضة السورية، لا شيء كبير تغير على صعيد العملية التعليمية، بينما الجهد الذي بذل في سبيل إجراء تلك التعديلات المزعومة فإنه جهد ضائع، حيث لا مبرر له طالما أن عملية التعديلات الجارية على مناهج التعليم هي تعديلات تفتقد إلى المنهجية ووضوح الرؤية، فقد كنا رأينا أن القائمين على عملية تغيير المناهج وتعديلها يفتقدون إلى المعرفة الواضحة للحدّ الفاصل الواجب وضعه بين نظام الأسد من جهة، وبين القوى الاجتماعية التي انتفضت عليه وعلى كل ما يمثله من قمع وفساد وتسلطية مفرطة، من جهة ثانية. وبحسب المدرس ابراهيم سلطان، وهو مدرس لمادة التاريخ في مدارس ريف محافظة إدلب يقول: “لو لم يقوموا بهذه التعديلات ربما كان ذلك أفضل، فالتعديلات التي جرت شوشت على المنهاج أكثر مما أضافت عليه من تحسينات، وربما لم يحن بعد الوقت الملائم من أجل تعديل المناهج وربما كان الأفضل انتظار الحرب كي تنتهي ويتم بعدها التفرغ من أجل إعادة البناء بما فيها إعادة بناء مناهج التعليم من قبل لجان مختصة لا من قبل أطراف لا نعلم بالأصل من هي”.
فالخلاف مع ما يمثله نظام الأسد ليس خلافاً شكلياً حول لون العلم على سبيل المثال، بل هو خلاف حول ثقافة وفكر سعى نظام البعث إلى غرسه في بنى المجتمع السوري الذي انتفض على هذه الممارسات، وخاض صراعاً مازال مستمراً من أجل وضع حدٍّ لسنوات الاستعباد والإذلال في محاولة من أجل فتح أفق على المستقبل، يتيح للسوريين والسوريات أن يكونوا فاعلين ومستقلين، يحيون حياة طبيعية ليست محكومة بالخوف والتبعية لأي طرف كان.
وأخيراً لابد من التأكيد على أن العملية التعليمية وما تتضمنه من مناهج التعليم، يعد أمراً في غاية الأهمية والحساسية، هذا أنه ثمة أجيال من السوريين عليها أن تعبر من هذه البوابة، فلا يجوز والحال كذلك العبث في مضمون العملية التعليمية وإجراء تعديلات عليها من قبل أطراف غير واضحة وغير رسمية، هذا عدا عن سؤال الشرعية المتعلق بهذه الأطراف.
المراجع:
[1]- لم نستطع العثور على نسخ معدلة لكتابي التاريخ والجغرافية في نسخة المنهاج التابعة للحكومة المؤقتة.
[2]- “جرت التعديلات على المنهاج الذي يعتمده النظام السوري على أساس عدم المساس بالمادة العلمية، مع حذف كل مدلول على النظام السوري من توجه أيديولوجي أو حزبي، وتم حذف مادة القومية، واستبدال كتاب اللغة الفرنسية باللغة التركية”، راجع: إشكاليات العملية التعليمية الملقاة على عاتق الحكومة السورية المؤقتة، تاريخ النشر: 24 اكتوبر 2015، موقع اسبار.
[3] -المرجع السابق.
[4]- سنضع رابطين لكلا المنهاجين التعليميين الأساسي والمعدل. الحقيبة التعليمية للمنهاج الرئيسي: http://cutt.us/nERtm، الحقيبة التعليمة للمنهاج المعدل: http://syriaig.org/book/Edu_book_Syr_Interim_Gov_Min_Edu.htm
[5] – مجموعة مقابلات أجراها الكاتب عبر سكايب مع عدد من المدرسين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، تاريخ: خريف 2019.
[6]- هيئة الشام الاسلامية، الموقع الرسمي على الويب: http://islamicsham.org/
[7]- “هيئة الشام الإسلامية تطبع مائتي ألف كتاب دراسي وتوزعها على الطلاب السوريين في تركيا”، المكتب التربوي والتعليمي- هيئة الشام الإسلامية، 11 مارس 2013 م.
[8]- “لوس أنجلوس تايمز تنشر تقريراً عن مشروع هيئة الشام الإسلامية لتعديل المناهج الدراسية”، المكتب التربوي والتعليمي- هيئة الشام الإسلامية، 15 مايو 2013 .
[9]- شهادة حصل عليها الكاتب من مدير إحدى المدارس السورية في ريف حلب الغربي، فضل عدم ذكر اسمه، تاريخ: خريف 2019.
[10]- طباعة الكتب، منظمة “علم” الهيئة السورية للتربية والتعليم، مجهول التاريخ، الموقع على الويب: http://cutt.us/BngDM
(تعبر هذه المادة عن رأي الكاتب وحده)
حكاية ما انحكت