عن جمهور السينما السوريّة في ألمانيا والقيود الإنتاجيّة المفروضة على هذه الأفلام/ دلير يوسف
كيف تبدو صورة السينما السوريّة في جمهوريّة ألمانيا الاتحاديّة ومن جمهورها؟
وصلت السينما السوريّة إلى فضاءات ومساحات جديدة بعد اندلاع الثورة السوريّة في ربيع العام ٢٠١١، كما اكتسبت جمهورًا واسعًا جديدًا مهتمًا بسوريا وبما يحدث فيها. أدى ذلك الاهتمام إلى عرض أفلام سوريّة في أماكن لم تعرفها السينما السوريّة من قبل؛ فمن مقاهي صعيد مصر وبارات برلين وصولًا إلى مهرجانات عالميّة -والفوز ثلاث مرات بالجائزة الكبرى لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان ساندانس الأمريكي، مرة عن فيلم العودة إلى حمص لطلال ديركي سنة ٢٠١٤ ومرة عن فيلم آخر الرجال في حلب لفراس فياض سنة ٢٠١٧ ومرة أخرى لطلال ديركي في عام ٢٠١٨ عن فيلم عن الآباء والأبناء- فضلًا عن ترشيح الفيلمين المذكورين إلى جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، ومرورًا بدور عرض عالميّة ومهرجانات دوليّة.
في هذا المقال سنحاول البحث عن صورة السينما السوريّة في جمهوريّة ألمانيا الاتحاديّة وعن الصعوبات التي تواجهها والقيود المفروضة عليها وعن كيفيّة استقبال الجمهور لها. ومن أجل كتابة هذا المقال قمنا بالتواصل مع ناشطين في المجال السينمائي، وهم سوريّون مقيمون في ألمانيا، من أجل محاولة الإلمام بمعظم التفاصيل ورسم الصورة بشكل صحيح قدر الإمكان.
استقبال الفيلم السوري
لا يمكن الحديث عن كيفيّة وجماهيريّة استقبال السينما السوريّة في ألمانيا لعدم وجود استطلاع رأي يتحدث عن هذا الموضوع، لكن يمكننا الحديث بشكل عام عن مجموعات متلقيّة للسينما السوريّة؛ وهي تكون عادة من المهتمين بالقضيّة السوريّة أو من طلاب الجامعات من الاختصاصات السينمائيّة أو السياسيّة بالإضافة إلى شريحة أخرى تختار حضور الأفلام في صالات العرض بشكل عشوائي. هذا في حال الأفلام المعروضة في الصالات السينمائيّة أما في حالة الأفلام المعروضة على شاشات التلفزيون، فهذه تصل إلى شريحة كبيرة من سكان ألمانيا، إذ أنّ بعض القنوات التلفزيونيّة، مثل قنوات ARTE و ZDF، كانت قد عرضت أفلام سوريّة مدبلجة إلى اللغة الألمانيّة، مما يؤكد وجود اهتمام بالحدث السوري والسينما السوريّة عند المتلقي والعارض الألماني.
من ناحية أخرى يمكننا التحدث عن صعوبة وصول الأفلام على اختلافها إلى الصالات الألمانيّة، إذ لا بدّ من توافر عوامل عديدة حتى يستطيع الفيلم السوري، مثلًا، الدخول إلى القاعات الألمانيّة، وهنا نتحدث عن صالات العرض المعروفة والمهرجانات. الإمكانيات التي بحوزة معظم المخرجين السوريين محدودة ولا ترتقي لقوة النص السينمائي ومجهود المخرجين، مما يظهر الفيلم بصورة لا تقبل بها إدارات المهرجانات وصالات العرض والقنوات التلفزيونيّة.
بشكل عام الوجود السينمائي السوري ما زال ضعيفًا، رغم وجود عروض لأفلام سوريّة في المهرجانات ومسارح العرض ورغم زيادة عدد العروض والأفلام في السنوات الأخيرة، ونزعم في هذه المقالة وجود جمهور ألماني متطلع إلى مشاهدة أفلام سورية، رغبة في معرفة سوريا وما يجري من أحداث على أرضها ورغبة في معرفة المجتمع السوري وخاصة بعد ازدياد أعداد السوريين في ألمانيا.
الإنتاج وعرض الأفلام في ألمانيا
الساحة السينمائيّة الألمانيّة غنيّة وتشتهر بالتنوع وتمتلك عجلة إنتاج سينمائي كبيرة، لكن هذا لا يمنع وجود شروط وقيود مفروضة على أنواع الأفلام التي تُعرض. هذه القيود تكون مربوطة عادة بشروط الإنتاج والتوزيع، فمن أجل وصول الفيلم إلى منصات العرض على اختلافها، لابدّ من أي يمر الفيلم بمراحل كثيرة إنتاجيّة وتسويقيّة كلّها مرتبطة بشروط المنتج والموزع.
للالتفاف على هذه الشروط، صعبة التحقيق في حالة معظم الأفلام السوريّة، يلجأ الكثير من صانعي الأفلام السوريين إلى العروض الخاصة والتي تتساهل في الشروط التقنيّة والحقوقيّة. نقيصة هذه العروض الخاصة هي الجمهور المحدود، والذي عادة ما يتكوّن من المهتمين بالشأن السوري أو من المهتمين بالحياة الشخصيّة لصانعي الفيلم.
في حالة السينما ذات السويّة المختلفة والتي تستهدف المهرجانات الكبيرة، فقد وصلت بعض الأفلام السوريّة إلى عروض في مهرجانات كبيرة كمهرجان برلين السينمائي “البرليناله”، وهو واحد من أعرق وأهم المهرجانات السينمائيّة في العالم. كما عرضت أفلام سوريّة أخرى في مهرجان لايبزيغ للسينما الوثائقيّة، وهو واحد من أقدم مهرجانات السينمائيّة الوثائقيّة في العالم.
بشكل عام لا يمكننا الحديث عن استبعاد مقصود لصانعي السينما السوريّة في ألمانيا، وهو حديث منتشر في الأوساط المهتمة بالنشاط السينمائي السوري في ألمانيا، لكن صعوبة الدخول إلى السوق السينمائي في هذه البلاد يفسح المجال لمثل هذه الأحاديث، فصعوبات عملية الإنتاج والبيروقراطيّة تُظهر الأمر على أنّه بالغ التعقيد. هذا ما دفع مؤسسات ألمانيّة مثل جامعة برلين للفنون UDK إلى تخصيص صفوف للمهتمين بالعمل السينمائي لردم الهوة والتشجيع على مباشرة العمل في ألمانيا.
لا نتحدث هنا عن جودة الأفلام السوريّة من عدمها، بل عن عملية إنتاج هذه الأفلام وطريقها إلى صالات العرض والمهرجانات. لا بدّ هنا من التذكير بواحدة من الملاحظات الكلاسيكيّة التي توّجه إلى صانعي الأفلام غير المحترفين، لكلّ مهرجان معايير خاصة متبعة وفقًا لبرنامجها الخاص وعلى أساس هذه المعايير تُقبل الأفلام أو ترفض.
تعتمد المهرجانات في ألمانيا على تقييمات مختلفة لقبول الأفلام السوريّة، وهذا يختلف من مهرجان إلى آخر معتمدًا على حجم المهرجان وتاريخه. ففضلًا عن الشروط التقنية التي تفرض نفسها قبل قبول الفيلم هناك شروط “غير مكتوبة” أو شروط عرفيّة بين صناع السينما. مثلًا تجنح المهرجانات السينمائية الوثائقية مؤخرًا إلى الاهتمام بالموضوع، فيمكنها التنازل قليلًا عن السويّة الفنيّة بحجة إعطاء الفرصة لمخرجين قادمين من دول كسوريا، يصعب فيها إنتاج فيلم سينمائي بمعدات ذات سويّة عاليّة. عادة يكون جمهور المهرجانات عريضًا، لذا يُجبر مبرمجو العروض على الاهتمام بقضيّة ما وبخصوصيتها قبل غيرها، وعادة يكون هذا النقاش داخليًا غير معروض على العلن.
إذن، فإن لكلّ مهرجان شروطه المعينة، والتي قد تتشابه في نقاط كثيرة، والتي قد تحد من عرض أفلام معينة دون غيرها، لكن يقال في الأوساط السينمائيّة إن لكلّ فيلم منصة عرض، ومن يبحث يجد.
لذا نزعم هنا أن لا شروط مسبقة على موضوعات الأفلام، فلا توجد أفلام ذات إشكاليّة كبرى، لدى المنتجين، من حيث المحتوى، وحتى الأفلام المعاديّة للساميّة -وذلك هو الخط الأحمر الذي لا يتم تجاوزه في ألمانيا بسبب تاريخ البلاد في معاداة اليهود خلال الحقبة النازيّة- من الممكن أن يتم إنتاجها. وهنا نتحدث عن حالة وجود منتج ألماني للفيلم، فهذا المنتج قادر على وضع شروطه المتعلقة بالإنتاج لا بالموضوع.
إن عملية إنتاج الأفلام السينمائيّة هي عملية مهنيّة مثل غيرها من المهن، وهي تدرس أسباب الربح والخسارة في عرض الأفلام، لذلك فإنّ المنتج الألماني أو صاحب دار العرض الخاص أو المسؤولين عن قبول الأفلام في المهرجانات يقررون قبول فيلم من عدمه بناءً على دراسة الربح والخسارة لهذا الفيلم أو ذاك من قبل المنتج أو الموزع السينمائي. لذلك، وبسبب غنى السوق السينمائي في ألمانيا، نرى منتجين يتوجهون نحو الأفلام السينمائيّة الإنسانيّة وآخرين نحو مواضيع اللجوء أو المثليّة الجنسيّة وآخرين يتجهون نحو إنتاج أفلام لها علاقة مباشرة بالصراع السوري… الخ.
جمهور الفيلم السوري
الجمهور المستقبل للسينما السورية يختلف باختلاف منصات العرض ونوعية المحتوى الذي يقدمه، مهرجان الفيلم العربي في مدينة توبينغن مثلًا يستقطب الآلاف من المشاهدين الألمان في كلّ سنة، وهذا الجمهور مهتم بالسينما السورية، والدليل على ذلك فوز فيلم المخرج السوري زياد كلثوم “طعم الإسمنت” في دورة المهرجان عام ٢٠١٧ بجائزة الجمهور.
لكن يبقى هذا الجمهور هو الجمهور المهتم بالمهرجان وهو فئة يمكن تسميتها بالنخبويّة، وهي تلك الفئة المهتمة بالأفلام القادمة من بلاد بعيدة، فالمشاهد قد يدخل صالة تعرض فيلم ما بناء على اختيار عشوائي، لا قاصدًا فيلمًا بعينه. هناك أيضًا الجمهور المختص والذي يقطع مسافات طويلة من أجل مشاهدة فيلم ما، وأولئك بشكل عام يكونون من صنّاع السينما أو من الناشطين السينمائيين.
يبقى السؤال عن جمهور سوري يشاهد أفلام سوريّة في ألمانيا معقدًا بشكل عام. من أجل الإجابة على هكذا سؤال علينا الرجوع إلى سوريا وإلى الاهتمام بالسينما والحضور السينمائي هناك، وعلى الثقافة السينمائيّة الموجودة في البلاد الأصل. ربما علينا التذكير بعدد صالات السينما المحدودة والأفلام السوريّة القليلة المُنتجة في سوريا خلال عقود حكم آل الأسد، وخنقهم للثقافة بشكل عام وللسينما بشكل خاص.
لا ينفي هذا وجود فئة مهتمة وقادرة ماليًا على ولوج صالات السينما، كون كثير من السوريين في ألمانيا هم من أصحاب الدخل المحدود جدًا. لابدّ من التنويه بوجود مبادرات فرديّة لعرض أفلام بأسعار رخيصة مقارنة بأسعار تذاكر دخول السينما وبوجود مبادرات داعمة للاجئين والتي تعمل على عرض أفلام مختلفة في مراكز اللجوء.
هذا المقال جزء من ملف بالشراكة بين حكاية ما انحكت وأوبن ديموكراسي، حول السينما السورية الصاعدة منذ عام ٢٠١١: السياسة، التحديات الانتاجية، الرقابات، الجمهور، والى اين قد تتجه الآن.