عن محاكمة أنور رسلان في ألمانيا – تحقيق حسام القطلبي وشهادة فراس فياض
فبركة وفبركة مضادة… ما حدث في سوريا ويحدث في محكمة كوبلنز/ حسام القطلبي
يراقب السوريون هذه الأيام، في سوريا والعالم، الفصول المتلاحقة من محاكمة الضابط السابق في جهاز المخابرات العامة السوري “أنور.ر”، في مدينة كوبلنز الألمانية.
المتهم أنور هو أحد متهمين اثنين تجري محاكمتهما في ألمانيا بشبهة ارتكاب جرائم تعذيب بحق معتقلين في سوريا، ما قد يعتبر جريمة ضد الإنسانية. وكان الاختصاص العالمي Universal Jurisdiction في القانون الألماني قد أفسح المجال أمام شهود من ضحايا التعذيب في سوريا، لتسجيل شهاداتهم لدى الشرطة الألمانية. وقام 25 شاهداً من هؤلاء بتقديم ادعاء مشترك على المتهمين أنور. ر وإياد. غ، أمام السلطات القضائية الألمانية.
يمثل هؤلاء محامون مختلفون أمام المحكمة المذكورة. وتشكل هذه المحكمة بالنسبة لكثير من السوريين بارقة أمل في العدالة وفرصة لإنصاف عشرات الآلاف من ضحايا التعذيب في سوريا من المعتقلين والمغيبين قسراً، أو لأهالي وأحبّة آلاف السوريين ممن قتلوا تحت التعذيب داخل السجون الرسمية وأماكن الاحتجاز غير الرسمية والفروع المختلفة التابعة للمخابرات السورية.
يحصل هذا في وقت أغلقت العدالة الدولية منذ البداية أبوابها في وجه كل هؤلاء الضحايا، حيث لا إمكانية حقيقية لتدخّل المحكمة الجنائية الدولية بسبب عدم توقيع النظام السوري على الاتفاقية الدولية الخاصة بالمحكمة، ووقوف الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن عائقاً أمام أي فرص لتحويل ملفات العدالة هذه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
معركة السردية السورية
دخل النظام السوري مبكراً في مرحلة هذيان خرافي في سرديته، وكان سباقاً لتلبس وانتحال دور الضحية منذ البداية في العام 2011، وبأنه لجأ إلى العنف كدفاع عن النفس، حين قدم سردية تتحدث منذ اليوم الأول عن إرهابيين ومتطرفين ومؤامرات دولية تحاك ضد سوريا، في وقت كانت فيه عجلة فتكه بالمتظاهرين السلميين تتصاعد فصولاً وتتدرج بشكل متسارع في وحشيتها وانفلاتها من كل القواعد التي تربط الحاكم بمحكوميه.
الأكيد اليوم في سوريا هو أنه، قبل كل هذا، يجب خوض معركة توثيق السردية وحفظها، لحين الوصول إلى لحظة سياسية وظرفية نوعيّة تسمح بانطلاق مسارات للعدالة بغرض إنصاف الضحايا. وهذه المعركة هنا ليست مع نظام الأسد وحده، بل مع أطراف أخرى قد تكون قدمت روايات غير دقيقة لأسباب مختلفة. هذه سمة ميّزت أيضاً مسارات عالمية مختلفة للعدالة. يساهم هذا النوع من الروايات في ضرب مصداقية ضحايا حقيقيين والتشكيك في رواياتهم، ويكون من شأنه إلحاق أذى بالغ بعملية العدالة ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب نفسها.
سبق أن قدم نشطاء وإعلاميون أحداثاً غير حقيقية. كمثل رواية انشقاق النائب العام في حماه، عدنان بكور، في آب/أغسطس 2011 في حين أن الرجل قد اختطف وقتل. أو تزوير رواية اعتقال وقتل منشد الثورة السورية في حماه، إبراهيم قاشوش، واقتلاع حنجرته ورميه في نهر العاصي. أو تبني ميليشيا لواء الإسلام تفجير خلية الأزمة وسط دمشق في تموز/يوليو 2012.
من الأمثلة الأخرى أيضاً، ناشطة ظهرت على وسائل إعلامية لتتحدث عن اغتصابها في السجون السورية وتبين لاحقاً عدم صحة روايتها،ما أساء لقصص ومصداقية كثيرات من ضحايا الاعتداء الجنسي الحقيقيات من المعتقلات السوريات. وتقديم معارض سوري شهادة تلفزيونية في برنامج مباشر متهماً المتحدث الآخر باسم النظام السوري في البرنامج من دمشق، بأنه محقق متعاقد مع المخابرات السورية وقد أشرف على اعتقاله وتعذيبه شخصياً، وهو لم يكن معتقلاً ففي أي وقت في سوريا. أيضاً فبرك مخرج سينمائي سوري عملية لاغتياله وطعنه في إسطنبول ونسبها للنظام السوري.
تخرج دائماً في الحروب والنزاعات روايات مخالفة للحقيقة. بشكل أساسي يكون هناك رواية للضحية وأخرى للجلاد. ولكن روايات أخرى كثيرة قد تتفرع عن ذلك أيضاً. في النزاعات التي كان لها حظ الظرف السياسي الذي يسمح ببدء مسار للعدالة والمحاكمات كان هناك وصول أكبر لمصادر المعلومات، ما أخضع السردية والروايات للتدقيق والنظر فيها بتمعّن من قبل قضاة ومحامين ومدعين عامين محترفين وإعلاميين استقصائيين. كمبوديا ونظام الخمير الحمر، راوندا ومحاكمة جان بول أكاسيو أيضاً، نازيو ألمانيا في منتصف العقد الماضي وأمثلة غيرها قدمت نموذجاً جيداً عن تدقيق السردية، رغم مسار المحاكمات الطويل والمعقد والمكلف الذي خاضته هذه التجارب.
لكن السمة الأساسية لهذه الأحداث جميعاً أن النظام الحاكم فيها كان قد سقط قبلاً، ما أفسح المجال أمام الوصول إلى مصادر المعلومات والبيانات الرسمية وتدقيقها على نحو موضوعي إلى حد بعيد. في الحالة السورية فإن النزاع لا يزال قائماً بأشكال مختلفة طالما أن النظام السياسي الحاكم لا زال موجوداً، وكان السؤال الملح دائماً هو عن كيفية التأسيس لمسارات ما اصطلح على تسميته ب”العدالة الانتقالية” توازي وتزامن الصراع نفسه Transitional Justice during conflict، ما قد يشكل سابقة عالمية في هذا النوع من النزاعات، حيث لا أمثلة سابقة حقيقية تصلح للقياس عليها.
ورغم أن محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، أو العدالة العقابية Punitive Justice، هي أحد الآليات الأساسية في موضوعة “العدالة الانتقالية”، والتي يفترض أنها سوف تقدم كبار المسؤولين في النظام لمحاكمة وتتعاطى مع وقائع العنف في سوريا من وجهة نظر المسؤولية الشخصية لمجرمين أفراد. هي هنا في حالة محكمة كوبلنز في ألمانيا، تقتصر على محاكمة ضابط مخابرات منشق سبق وأن عمل بعد انشقاقه مع المعارضة السياسية كمستشار أمني لـ”الهيئة العليا للتفاوض” ورافق وفد المعارضة في مفاوضات جنيف 2 في العام 2014.
على الرغم طبعاً بأن ما حدث بعد فترة انشقاق المتهم أنور. ر لا يعفيه من أي مسؤولية عن الجرائم التي كان ارتكبها أثناء شغله لمنصبه الأمني في سوريا، لأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لا تسقط بالتقادم بالطبع.
شهادة متناقضة التفاصيل أمام محكمة كوبلنز
يُقَدَّم المخرج السوري فراس فياض على أنه أحد المدّعين وشاهد أساسي في قضية التعذيب في فرع الخطيب التابع لإدارة المخابرات العامة في سوريا.
وكان السيد فياض قد أدلى بشهادته أمام المحكمة يومي 3 و4 حزيران/يونيو 2020 ثم خرج من المحكمة ليدلي بتصريح لوسيلة إعلام أميركية حول شهادته حيث تحدث عن تعذيبه وتعرضه للعنف الجنسي والاغتصاب داخل الفرع 251 (الخطيب) التابع لإدارة المخابرات العامة في الفترة التي كان فيها المتهم الرئيسي في القضية أنور ر رئيساً للفرع.
سبق هذه الشهادة، شهادة أخرى تقدم بها السيد فياض مع شهود آخرين للشرطة الألمانية في وقت سابق في مرحلة جمع الشهادات قبل تقديم المدعي العام الألماني القضية أمام قضاء بلاده.
نشر المركز الأوربي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR تقريراً
عن الجلسات حيث تواجد موظفون تابعون للمركز داخل قاعة المحكمة بغرض مراقبة المحكمة، ويقوم المحامي التابع للمركز باتريك كروكر بالترافع أمام المحكمة باسم عدّة مدعين رئيسيين في القضية.
ثم قام أيضاً “المركز السوري للعدالة والمساءلة SJAC و”مركز البحوث والوثائق الدولية لمحاكمات جرائم الحرب”، بنشر تقرير آخر تضمن محاضر جلسات مفصلة للمحكمة وأقوال الشهود والأسئلة التي وجهت لهم من قبل المحامين وهيئة المحكمة.
اعتمد هذا التحقيق على اقتباس أقوال الشهود الواردة في هذه الوثائق غير الرسمية لمحاضر جلسات محكمة مدينة كوبلنز الألمانية.
تواريخ اعتقال مختلفة
يقول السيد فياض في شهادته أمام المحكمة أن تاريخ اعتقاله الأول كان في نهاية آذار/مارس 2011، وأن هذا الاعتقال قد استمر لمدة شهرين.
695674
ويتحدث السيد فياض عن اعتقاله الثاني، ويذكر أنه كان في شهر آب/أغسطس 2011 من مطار دمشق الدولي. قبل أن تشير القاضية في المحكمة إلى أنه ذكر تاريخاً مختلفاً في الإفادة التي قدمها للشرطة الألمانية سابقاً.
712195
749913
849431
تشير كل توثيقات المؤسسات السورية الحقوقية والمنظمات الدولية المعنية إلى اعتقال السيد فياض على فترتين. حيث اعتقل أولاً من مقهى انترنت في ضاحية حرستا بدمشق، وامتدت فترة اعتقاله الأولى من 30 نيسان/أبريل 2011 حتى 13 أيار/ماي (13 يوماً). أما الاعتقال الثاني فكان من مطار دمشق الدولي بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر 2011 قبل أن يقرر قاضي التحقيق بحلب الإفراج عنه بتاريخ 20 شباط/فبراير 2012 (80 يوماً).
حيث أشار أيضاً أن موكله كان اعتقل من مطار دمشق الدولي بتهمة الانتماء لـ “تيار بناء الدولة”. بل أن السيد فياض نفسه قد أكد في وقت سابق تاريخ الاعتقال هذا في مقابلة له ولزوجته السيدة أليسار حسن مع CNNالأميركية ويروي فيها قصة اعتقاله وانتظار زوجته له.
كما يؤكد بيان سابق لمنظمة “مراسلون بلا حدود” أن السيد فياض قد اعتقل يوم 1 كانون الأول/ ديسمبر 2011، ما ينفي بدوره أن السيد فياض قد قضى عيد ميلاده في أيلول/ سبتمبر 2011 في السجن كما ورد في شهادته أمام المحكمة. ثم عادت المنظمة نفسها وأصدرت بياناً لاحقاً تؤكد فيه الإفراج عن السيد فياض بتاريخ 20 شباط/ فبراير 2012 وتعيد تأكيد تاريخ الاعتقال أيضاً. كما ذكرت مؤسسة Freemuse Arts Freedom أيضاً في بيان لها
تواريخ الاعتقال الحقيقية.
233343
وعلى أن مدة فترتي الاعتقال معاً هي ثلاثة أشهر. ولكن السيد فياض يذكر في أماكن متنوعة تواريخ ومدداً مختلفة لاعتقاله. استطاع البحث هنا حول هذه النقطة تحديد 18 رواية مختلفة قدمها السيد فياض عن مدة وتواريخ اعتقاله، تراوحت جميعاً بين 8 أشهر ووصلت حتى مدة سنتين في بعضها.
يقول السيد فياض في مقابلة مصورة في العام 2017 أنه اعتقل لمدة 11 شهراً،
ثم في مقابلة أخرى لموقع IndieWire العام 2018 يذكر أنه اعتقل لمدة 15 شهراً.
وهنا في مقابلة مع الجزيرة الإنكليزية العام 2012 يقول إن اعتقاله الثاني استمر لأربعة أشهر،
وفي العام 2019 قال السيد فياض لصحيفتين هولنديتين مختلفتين هما Het Parool
أنه اعتقل لمدة سنة ونصف، ويقول السيد فياض أيضاً في العام 2015 في موقع زمالة لطلبة جامعة استراليين إنه اعتقل لمدة ثمانية أشهر،
ويذكر أنه قابل أحد الأشخاص الذين قاموا بتعذيبه في الشارع وأكمل طريقه!
ليس من المرجح أن ينسى أي معتقل تاريخ اعتقاله إلا في ظروف شديدة الخصوصية والاستثنائية. وحتى ضمن هذه الظروف لا يقدم المعتقلون السابقون كل هذا العدد من الروايات المختلفة عن اعتقالهم. يذكر المعتقلون تواريخ اعتقالهم وإطلاق سراحهم أكثر من تواريخ ميلادهم أو زواجهم أو ميلاد أبنائهم.
يقول السيد فياض للمحكمة عن مشاهداته داخل فرع الخطيب، إنه لم يشاهد جثثاً. وأنه شاهد طفلاً واحداً في مكان الاحتجاز الجماعي ولم يشاهد نساء لكنه سمع صراخهن واستغاثاتهن من الضرب. ويقدم السيد فياض روايات أخرى مختلفة في تصريحات إعلامية سابقة. يذكر هنا مثلاً في مقابلة تلفزيونية أنه شاهد الكثير من جثث الأطفال والنساء في مكان اعتقاله.
352326
993772
يذكر السيد فياض للمحكمة عن رحلة عبوره للحدود السورية الأردنية رفقة 200-300 سوري، ويذكر في تصريحات إعلامية سابقة أنه عبر الحدود رفقة 80-90 سوري.
170498
781623
يذكر السيد فياض أيضاً في كلامه للشرطة الألمانية أن المحقق أخبره باسمه الصريح، في حين قال في شهادته للمحكمة إنه استدلّ على الرجل من خلال شامة تميز الوجه. ولا تذكر أي شهادات مثبتة لمعتقلين سابقين في ظروف مماثلة أن المحقق كان يعرّف باسمه في جلسة التحقيق، بل أن إخفاء هوية المحقق هو جزء من إرهاب التحقيق نفسه عدا عن كونه سمة أساسية تطبع علاقة السجّان أو المحقق بالمعتقلين.
183363
قال السيد فياض للمحكمة عن مسيرته الدراسية، إنه أنهى دراسة السينما في فرنسا باللغة الإنكليزية لمدة ثلاث سنوات قبل أن يعود إلى سوريا. ويقدم نفسه في مقابلات صحفية أنه قد حصل على شهادة البكالوريوس في الفنون السمعية والبصرية وصناعة الأفلام من معهد EICAR في فرنسا باللغة الإنكليزية، وتقدمه الصفحة الوحيدة باسمه على موقع LinkdIn على أنه حائز على درجة البكالوريوس من المعهد المذكور.
كان هذا التفصيل ملفتاً للنظر عند متابعة مقابلات للسيد فياض يتحدث بها باللغة الإنكليزية. بعد سؤال معهد EICAR عن الموضوع، نفى المعهد برسالة رسمية وجود السيد فياض ضمن لائحة الخريجين في العام 2006، وعند إعادة سؤال المعهد عن وجود السيد فياض على أي من سجلات المعهد، نفت إدارة المعهد وجود السيد فياض على سجلاتها الإدارية في أي وقت سابق، وضمن أي من برامجها الدراسية، أو حتى برامج الدورات القصيرة التي تقدمها.
177843
776582
يقول السيد فياض للمحكمة بأنه تعرض ل “الشبح لفترة طويلة”. وأنه تبعاً لذلك لا زال يعاني من صعوبات في قدميه وساقيه.
399494
الشبح هو أن يتم تعليق المعتقل إلى الأعلى باستخدام ربطة قاسية حول معصميه، يتم شدها إلى حبل أو أداة متدلية من السقف أو حامل ثابت معلق عل جدار. بحيث لا يستطيع المعتقل الوقوف على الأرض بل تلامس أصابع قدميه بالكاد أرض المكان. ويكون وزن جسم المعتقل كله محمولاً على معصميه المشدودين ومفاصل وعضلات كتفيه. هذه الوضعية الوحشية تتسبب للجسم بأذى بالغ الأثر وطويل المدى في المعصمين والأكتاف، ولا أثر محدداً لها على الساقين أو أصابع القدمين. وهي كفيلة في حالة استمرارها لعشر دقائق فقط بإلحاق أذى دائم بحركة اليدين الطبيعية
يعاني الذين تعرضوا لهذا النوع من العقوبة من صعوبة بالغة في إغلاق قبضتهم أو تحريك معصمهم بزاوية طبيعية. ويستمر هذا الأثر لسنوات طويلة جداً ويتحول إلى حالة مزمنة. لكن استمرار تعليق المعتقل بهذه الوضعية لمدد أطول من 10-15 دقيقة سيكون من شأنه أن يجعل الضرر مؤكداً ونهائياً وليس محتملاً فقط. وهذا ما أشار له الشاهد السيد أنور البني أيضاً في حديثه عن تعرض أخيه في وقت سابق لعقوبة تعذيب مماثلة
484219
426509
تشير شهادات مختلفة لمعتقلين سابقين حول عقوبة الشبح بأنها كانت تستخدم في حالات شديدة الخصوصية متعلقة بشك المحققين بإخفاء المعتقل لمعلومات مطلوبة. وهي لذلك كانت تستخدم بشكل واسع في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كانت المخابرات السورية تهاجم التنظيمات السياسية السورية بغرض تفكيكها واعتقال منتسبيها، وكانت بحاجة لاعترافات المعتقلين حول تنظيماتهم السرية
وهو بأي حال ليس عقوبة تعذيب روتينية لأنه يحتاج من الجلادين لصبر وتخطيط وإشراف طبي في بعض الحالات، كما ورد في شهادات لمعتقلين في فترة ثمانينيات القرن الماضي، من قبل أطباء متورطين بتعذيب المعتقلين داخل الأفرع الأمنية والسجون. في حين اتخذ التعذيب بعد انطلاق الثورة السورية وتحديداً بعد منتصف العام 2012 شكلاً أكثر عشوائية وتوحش وعدم اكتراث بحياة المعتقلين أو بالتبعات الجسدية التي قد تترتب على التعذيب
كما اتخذ شكلاً انتقامياً بغير هدف محدد، كمثل انتزاع الاعترافات من المعتقلين. يستطيع العاملون في التوثيق وجمع شهادات الضحايا ملاحظة هذاالنمط والنسق صعوداً أو هبوطاً بعد مرور السنوات وتراكم شهادات الضحايا، وإن لم يبد الأمر كذلك بالنسبة لغير المختصين أو الممارسين لعملية التوثيق وجمع هذا النوع من الشهادات. ومن المؤكد والمثبت في شهادات معتقلين بعد الثورة أن هذه الممارسة استخدمت بالفعل ضدهم
لكنها لم تشكل نمطاً قياسياً أو ممارسة روتينية بالنظر إلى أعداد المعتقلين الهائلة بعد الثورة والتي لا تترك فرصة لتطبيق عقوبة تحتاج من المحققين أو السجانين جهداً ووقتاً كبيرين. كما أن انعدام الحاجة لمعلومات واعترافات بغرض تفكيك تنظيمات معارضة بعينها كما في الثمانينيات من القرن الماضي مثلاً
لا يشكل هذا التحليل حسماً لدقة ادعاء السيد فياض تعرضه لعقوبة الشبح، لكن بالنظر لسياق الشهادة والمرحلة التي اعتقل فيها السيد فياض والنظر إلى كل المعطيات الواردة في الشهادة عند الحديث عن عقوبة الشبح، وتلك المعطيات التي توصل إليها هذا التحقيق عند النظر في الشهادة المذكورة، فإنه من الصعب تناول هذه النقطة بدون الإشارة إلى هذه الحيثيات جميعاً
505465
رد الشاهد فراس
قمت عند إنجاز هذا التحقيق بالتواصل مع السيد فياض لعرض النقاط التي توصلت إليها عليه، وإتاحة المجال له للتعليق أو الرد عليها نفياً أو تأكيداً. تلقيت بعد ساعات رداً مختصراً من عنوان إيميل مختلف يدعي أنه (مساعد أو سكرتير) السيد فياض، وبدون اسم واضح، ويطلب مني التحدث إلى محامي الشاهد فياض.
قمت بالتواصل مع المحامي المذكور أيضاً لكنني تلقيت رداً مفاده عدم الرغبة بالتعليق على المسألة، ويحذرني من التواصل مع موكله أو نشر أي معلومات غير صحيحة، وأنه قد بدأ تحقيقاً جنائياً ضدي لدى الشرطة الألمانية. ما طرح تساؤلات لدي حول الصيغة التي تم بها تقديم الموضوع برمته للمحامي المذكور
202914
العدالة تصنع بالحقيقة
لن تضر الحقيقة السردية السورية، العكس هو من يفعل ذلك. وقائع التعذيب والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية واستهداف المرافق المدنية والتهجير القسري وغيرها من الانتهاكات شديدة الخطورة، هي جميعها وقائع حقيقية وموثقة بآلاف المستندات والوثائق والأدلة. لم ولن يكون هناك أي حاجة يوماً لتلفيق وقائع أو تزويرها من أجل إدانة النظام السوري وشخصياته ومسؤوليه على جرائمهم ضد السوريين.
تقول الدكتورة أماني، الشخصية الرئيسية في فيلم “الكهف” للمخرج السوري فراس فياض: “صار في كذب كتير، خلانا ندور على طريق للنجاة”. النجاة ثم العدالة، هي معركة أخيرة متبقية للسوريين الذين تحولوا جميعاً لضحايا على مستويات مختلفة. قد يكون الدرس الأول فيها هو التعلم من المعارك السابقة والأدوات التي استخدمت في هذه المعارك. ويقول المخرج فراس فياض في لقاء مع جمهور فيلمه “آخر الرجال في حلب إننا لا يجب أن نستخدم قصص الضحايا الحقيقية كمطيّة تقدمنا نحن بصفات بطولية بدلاً عن أصحاب هذه القصص، وأن هذه الحقيقة والقصص هي الطريق إلى العدالة.
مسارات المحكمة
تستأنف محكمة مدينة كوبلنز في ألمانيا جلساتها في 29 من الشهر الجاري. وكانت حتى الآن استمعت لشهادة مدعي واحد فقط هو السيد فراس فياض. لا يمكن التكهن بطبيعة الحال بمدى اقتناع المحكمة بالشهادة أو عدمها. لكن من الواضح أن مساراً قضائياً معقداً وشائكاً سيكون أمامها عند الاستماع للمدعين والشهود وما سوف يتلو ذلك.
لكن المهم هنا هو التساؤل حول قدرة مسارات قضائية مماثلة مستندة إلى الولاية القضائية العالمية Universal Jurisdiction قد تنطلق في بلدان أوربية مختلفة، على الاقتصاص من مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع في سوريا، في مقابل محاولات تجييرها إلى مطيّة دعائية لأسباب مختلفة. سيكون لذلك إن حدث بالغ الأثر في إحداث ضرر بالغ بمسارات العدالة الأكبر والأكثر شمولاً وجذرية حين تشكل ظرف سياسي يسمح بتحويل ملفات العدالة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية أو تشكيل محاكم وطنية في سوريا أو محكمة دولية خاصة أو مختلطة (محلية/دولية).
ليس من المتوقع بطبيعة الحال أن يكون مسار العدالة في سوريا سهلاً أو بسيطاً، بالنظر إلى حجم الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ونوعها وخطورتها. في الغضون لا مناص من إدراك وجوب خوض أي مسار ممكن بأدوات نبيلة وعالية المصداقية. للضحايا السوريين مصلحة كبرى في ذلك. وهو أيضاً احترام لقصصهم وشهاداتهم ودرب الآلام الذي خاضته الملحمة السورية خلال أكثر الحقب ألماً وفظاعة في تاريخ بلادهم.
*أثار موضوع ومضمون هذا المقال نقاشات كثيرة. يرحّب الموقع بنشر أي مادة تعرض وقائع مخالفة ويؤكد حرصه على تحقيق العدالة لضحايا النظام السوري.*
* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف
————————————-
جدال فراس فياض وحسام القطلبي..هل يقوّض العدالة لضحايا النظام؟
من الصعب الخوض في تفاصيل الشهادة التي قدمها المخرج السوري فراس فياض أمام محكمة كوبلنز الألمانية، التي تحاكم اثنين من مسؤولي النظام السوري السابقين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا، ويشمل ذلك مناقشة التفنيد الذي قدمه الناشط الحقوقي حسام القطلبي، المدير سابق لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، عبر سلسلة تغريدات في “تويتر” قبل نحو أسبوعين، وفي مقال نشره الأحد، وأحدث ضجة واسعة في مواقع التواصل.
ولعل ما يثير الاهتمام فعلاً في القضية ككل، هو طبيعة ردود الأفعال العاطفية عليها في مواقع التواصل، والسرعة في إطلاق الأحكام، بما في ذلك اتهامات العمالة والتخوين والكذب، من جهة، وصعوبة الحصول على معلومات موثقة حقيقية بشأن ما يجري في سوريا من جهة ثانية، وتحديداً قضية المعتقلات الأسدية سيئة السمعة. حيث تتعدد الشهادات الشخصية بشأنها إلى درجة قد تصل إلى التناقض.
بدأت القصة في 8 تموز/يوليو الجاري، عندما نشر القطلبي مجموعة تغريدات شككت برواية فياض، لكن كتابته لها بأسلوب قرأه كثيرون على أنه نفي لوجود الانتهاكات الجنسية في معتقلات النظام السوري من أساسها، جعل رد الفعل العام منحازاً لفياض، وهو واحد من 24 شاهداً من المتوقع أن يمثلوا أمام المحاكمة غير المسبوقة التي بدأت في نيسان/أبريل الماضي، وتبحث دعاوى بشأن التعذيب الممنهج الذي ترعاه الدولة الأسدية، ويواجه فيها المتهمان أنور رسلان وإياد الغريب اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وغلب على ردود الأفعال في مواقع التواصل حينها، التعاطف مع فياض، والتساؤل عن مصلحة القطلبي في التشكيك بروايته، مع القول بأن التشكيك بشهادات الضحايا بهذه الصورة لا يفيد إلا النظام السوري ومسؤوليه في أي محاكمة جارية أو مستقبلية، بالإضافة إلى أن ما كتبه القطلبي في تغريداته كان أقرب لتقديرات شخصية، لا أكثر.
بعد ذلك، عاد القطلبي للحديث عن الموضوع، بنشره مقالاً ناقش فيه القضية بتوازن بعيد من التقديرات الشخصية التي طبعت تغريداته، وكان لافتاً ابتعاده عن التعميم في ما يخص مسألة الانتهاكات الجنسية في معتقلات النظام، والتي دفعت العشرات للحديث في مواقع التواصل عن الانتهاكات الجنسية التي تعرضوا لها بشكل شخصي خلال فترات اعتقال مختلفة بعد العام 2011.
وفي المقال، ناقش القطلبي فكرة السرديات الكاذبة التي يعتمدها النظام وبعض المعارضين له أيضاً. وأن السرديات والشهادات الكاذبة، تسيء لقصص ومصداقية كثيرات من ضحايا الاعتداء الجنسي الحقيقيات من المعتقلات السوريات، قبل تقديم قراءته للتناقضات التي حملتها شهادة فياض وبالتحديد ما يخص تواريخ اعتقاله، بمقارنتها مع البيانات والتصريحات السابقة له ولمحاميه لوسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية ذات الصلة.
ومع نشر المقال، عاد المزاج العام للانقلاب مجدداً، حيث بات فياض في نظر بعض المعلقين، واحداً من المتسلقين على الثورة من أجل الحصول على شهرة شخصية. فيما استغرب آخرون إطلاق كلمة “فبركة مضادة” التي اعتمدها القطلبي لتوصيف شهادة الفياض التي، حسب قوله، قدم فيها 18 رواية مختلفة عن مدة وتواريخ اعتقاله. فيما قال معلقون أن المقال نفسه لم يقدم أي دليل قاطع على كذب رواية فياض، وأنه يشكل بدوره ركوباً للموجة الإعلامية المرافقة لقضية المحاكمة، لا أكثر.
وكان رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، تحدث عن محاولات للطعن في إجراءات العدالة، عبر “التهويل بمحاكمة المنشقين وبعدها بتحريك الانتماء الطائفي للمجرمين”، وقال في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي أن “النظام بدأ بالتحضير لحملة تقودها أذرع جديدة كانت مخفية، تهدف إلى التشكيك بشهادات الضحايا من خلال نشر أخبار مفبركة ومقالات وشهادات متناقضة”، بهدف “الطعن بمصداقية جميع الشهود”، موضحاً أن “أذرع النظام”، يحاولون “نفي حوادث الاغتصاب في المعتقلات وتبرئة الضابط السابق، أنور رسلان، بإثبات أن المعتقل لا يستطيع رؤية المحقق بسبب الطماشة على عيونه”، وأكد أن “بعض المشككين بالشهود هم من المحسوبين على الثورة السورية، إضافة لأشخاص يعملون ويقودون منظمات حقوقية باسم السوريين”.
هل “فبركة مضادة” هي الكلمة الصحيحة بهاد السياق؟ فراس فياض تم اعتقاله، وتم تعذيبه بآثار ظاهرة على جسمه. اختلاف التواريخ يلي أعطاها ما بيعني إنه شهادته “مفبركة” ونحطها بسياق ناس فبركت عمليات اغتيالها. https://t.co/BR60ORjTXM
— amin (@xx_nh2) July 20, 2020
نشرت على صفحتي شهادة فراس فياض والآن حسام قطلبي يفند الكثير من تلك الشهادة. يذكر حسام في تحقيقه الكثير من النقاط المقنعة و الوقائع التي أشارك حسام فيها مقتنعا ان نظام كمثل النظام السوري لا يحتاج الى الفبركة https://t.co/s6lCYRxP8r
— ahmad tayar (@AhmadTayar) July 19, 2020
هناك 18 رواية مختلفة يقدمها المخرج السوري فراس فياض عن مدة وتواريخ اعتقاله، فهل من الممكن أن يخطئ معتقل مدة وتاريخ اعتقاله إلى هذه الدرجة؟ https://t.co/ABpqNtOMTg
— Fadi Hussein | فادي (@fadihussein8) July 19, 2020
——————————
حسام القطلبي: “رصيف22” تراجع عن حذف مقالي..ووصلتني تهديدات
مازال مقال الناشط الحقوقي السوري حسام القطلبي حول محكمة كوبلنز في ألمانيا، يثير جدلاً واسعاً في الأوساط السورية المعارضة تحديداً، خصوصاً بعد حذف موقع “رصيف 22” للمقال مرتين وإعادته إلى الموقع أخيراً مع تعقيب صغير يفيد بأن المقال أثار نقاشات كبيرة وأن إدارة الموقع ترحب بنشر أي مادة تعرض وقائع مخالفة، مع الحرص على تحقيق العدالة لضحايا النظام السوري.
وظهر القطلبي، المدير سابق لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، في بث حي عبر صفحته الشخصية في “فايسبوك” ليتحدث عما جرى بعد نشر المقال، خصوصاً أن الكثير من القراء والمتابعين لم يجدوا المقال في صفحات الموقع، الثلاثاء، خلال فترة حذفه مؤقتاً. وأوضح القطلبي أن إدارة الموقع أكدت له إصرارها على النشر مع وعد بعدم الحذف مجدداً.
وليس واضحاً ما الذي أدى إلى حذف المادة من الأساس، لكن كلام القطلبي يشير إلى ضغوط تمارس من أجل حذف المادة التي اتهم فيها المخرج السوري فراس فياض، بفبركة وقائع ضمن شهادته أمام محكمة كوبلنز حيث يواجه فيها مسؤولان سابقان في نظام الأسد اتهامات بارتكاب جرائم تعذيب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما أثار لغطاً كبيراً في مواقع التواصل.
ورغم أن القطلبي لم يفصح عن هوية من يمارس الضغوط، إلا أنه تحدث عن فنانين وحقوقيين، في ما يبدو أنه إشارة لفياض ومن يمثله قانونياً. وقال أيضاً أنه تلقى تهديدات، منها تهديدات بفتح تحقيق جنائي ضده بموازاة الاعتداء عليه جسدياً، مع الطلب منه الصمت تجاه شهادات الشهود حتى لو كانت كاذبة، مع ما قال إنه تلفيق تهم ضده بالعمالة للنظام السوري، رغم مواقفه المعارضة للنظام منذ سنوات.
وبحسب القطلبي، تمت مراسلة العديد من وسائل الإعلام السورية والعربية، ومناشدتها لمنع نشر أي عمل صحافي خاص به ويتعلق بمحكمة كوبلنز، مشبهاً من يقوم بهذه الممارسات بالمافيا الشبيهة بالنظام، خصوصاً محاولات إسكات الصحافيين ووسائل الإعلام، متسائلاً إن كانت هذه الممارسات تهدف إلى إخفاء آثار جريمة على حد تعبيره.
ويمثل ضابط المخابرات السوري السابق أنور رسلان (57 عاماً) والمسؤول الأمني الآخر إياد الغريب (42 عاماً) أمام المحكمة الفريدة من نوعها، في مواجهة اتهامات بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. وكان رسلان مسؤولاً رفيعاً برتبة عقيد، ترأس القسم 251 من المخابرات السورية، وكان مسؤولاً عن أمن العاصمة دمشق. وكان بالتحديد مسؤول الإستجواب في سجن الخطيب سيء السمعة بدمشق حيث اعتقل فياض، قبل انشقاقه عن النظام العام 2013 ولجوئه في وقت لاحق إلى ألمانيا.
ومن المتوقع أن يشهد أكثر من 24 من ضحايا التعذيب السوريين في المحاكمة غير المسبوقة التي بدأت في نيسان/أبريل الماضي ، وتبحث دعاوى بشأن التعذيب الممنهج الذي ترعاه الدولة الأسدية، في خطوة وصفتها مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية “أمنستي” لين معلوف، قبل أشهر بأنها “خطوة تاريخية في طريق النضال من أجل تحقيق العدالة لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين احتجزوا، وعذبوا، وقتلوا بصورة غير مشروعة” داخل مراكز الاحتجاز في السجون السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
وأثار القطلبي الجدل بنشره تغريدات في 8 تموز/يوليو الجاري شكك فيها في رواية فياض، الذي كان أول من قدم شهاداته ضد رسلان في المحكمة، قبل نشر المقال، الأحد. وأثار ذلك عموماً ردود أفعال متناقضة، حيث رحب البعض بالعمل الصحافي المتقن في الكشف عن “متسلقي الثورة” ودعم هذه النوعية من التحقيقات التي تكشف المبالغة في لعب دور الضحية لأن ذلك يسيء لقصص ومصداقية الضحايا الحقيقيين. فيما استغرب آخرون إطلاق عبارة “فبركة مضادة”، والتي اعتمدها القطلبي لتوصيف شهادة الفياض التي، حسب قوله، قدم فيها 18 رواية مختلفة عن مُدَد وتواريخ اعتقاله، كما قال معلقون أن المقال نفسه لم يقدم أي دليل قاطع على كذب رواية فياض، وأنه يشكل بدوره ركوباً للموجة الإعلامية المرافقة لقضية المحاكمة، لا أكثر.
المدن
———————————–
أنور البني والأصابع الخفية/ محمد العبدالله
أنا مالي بشهادة فراس فياض كشاهد أو مدعي. الرجل أدلى بإفادة أمام القضاء الألماني (الذي أثق بخبرته وحرفيته) والقضاء من سيحكم على هذه الشهادة. يستخدمها أو يرفضها أو يردها أو لا يستخدمها، هذا قرار للمحكمة وحدها ويخضع للتداول بين المحكمة والمحامين.
نحن في المركز السوري للعدالة والمساءلة عم نراقب إجراءات المحاكمة ونحاول نقدم أكبر قدر ممكن من التفاصيل وبدقة بالغة عما قيل خلال الجلسات. نوع من الشفافية للناس تعرف شو عم بصير بمحاكمة كثير بتمس سوريا والضحايا السوريين. نقل للتفاصيل بدون أخذ “طرف” فيها. بمعنى أننا سنكتب كل ما قيل نقلاً عن جميع الأطراف. هذا الاتفاق يلي بيربطنا بالمحكمة ودورنا فيه كجهة تراقب الجلسات ونحن نحترم هذه الإجراءات. على سبيل المثال، نقوم بحذف أسماء وتفاصيل الشهود والمدعين رغم أنهم عم يطلعوا يصرحوا علنا بأسمائهم. لكن نحن نحترم طلب المدعي العام لنا كمؤسسة.
يلي إلي فيه كثيييييير هو الحملة المؤسفة يلي أطلقها الصديق المحامي أنور البني باتهام صديقنا المشترك حسام القطلبي وآخرين معه بأنهم عملاء للنظام، وأيادي وأصابع خفية للنظام ومحاولة “تعبئة” الجماهير على حسام أنه عميل للنظام.
عندي مشكلة مع هي الحملة لعدة أسباب:
————————————–
1- سبب تقني أولاً: في حال رفضت شهادة فراس فياض أم لا، بسبب تحقيق حسام القطلبي أو بسبب قرار المحكمة من تلقاء نفسها، هذا الكلام لا ينسف القضية ضد أنور رسلان ولا يبرأ أنور رسلان أو النظام المجرم. في بالقضية 25 مدعي وشاهد، وممكن كثير إفادرات مجموعة منهم ما تستخدم لسبب أو لآخر (عدم القدرة على السفر، أو عدم القدرة على التذكر أو التضارب في الإفادة أو التراجع عن الإفادة أو أي سبب آخر، هذا القرار يعود للمحكمة وحدها). لكن هذا لا يعني أن القضية خسرت كما يحاول الصديق أنور البني التهويل وتخويف الناس وتحشيدهم ضد حسام القطلبي.
2- سبب قانوني ثانياً: إطلاق اتهامات بالعمالة للنظام ليس مزاحاً، خاصة أنه يفتقر للأدلة ولا أساس له من الصحة، يعتمد فقط على “الشعبوية” والصراخ لا أكثر، ولا على قاعدة “أنا معروف أكثر من حسام والناس بتصدقني”.
هذا السلوك، عدا أنه فيه خيانة لأمانة الناس فينا كحقوقيين ونشطاء ومجتمع مدني، ممكن يجعل إفادة شخص ثقة ومحترم مثل أنور البني موضع تشكيك بحد ذاته. يعني طالما عم تتهم الناس يمين ويسار وبدون أي سند ليش بدنا نصدقك بملفات ثانية.
3- سبب أخلاقي: هذه الحملة كاذبة عن بكرة أبيها وأنور بيعرف أنه كلامه غير صحيح وغير محق. فيك تختلف مع حسام وترفض كلامه وترد على التحقيق يلي عمله بدون ما تفوت بهي الدوامة تبع عميل للنظام وأصابع خفية…إلخ.
أنور البني بيعرف حسام القطلبي كثير منيح. جميعنا عملنا معاً خلال السنوات الماضية وتعاونا بصيغة أو بأخرى. والدة حسام القطلبي كانت معتقلة مع شقيقة أنور البني. والد حسام القطلبي كان مع شقيق أنور وصهره في ذات السجن لسنوات في التسعينات. كثير مؤسف أنه واحد بيعرفك وبيعرف مين أنت وبيعرف معدنك بس ما يلقى جواب عليك يركض يعمل حفلة ومهرجان شتائم وترهيب على الفايسبوك ضدك.
4- سبب واقعي متعلق بالضحايا: في خضم هي الحملة المخجلة اللي أطلقها الصديق أنور البني، بدأ هو والصديق المحامي ميشال شماس بحملة “تخويف” الناس والضحايا وضخ معلومات غير صحيحة بتاتاً عن أن النظام يحاول اختراق الأهالي والضحايا (وهذا أمر وارد عموماً ولن يتوقف لكن تم ربطه بكلام حسام وقتها)، ونشر بوستات من قبيل أنه لا تحكوا مع أي حدا والنظام يحاول اختراق الأهالي وفي صفحات مشبوهة وغيرها…
طبعاً في خضم هذه الحملة، نشر الصديق ميشال شماس سكرين شوت لبعض الصفحات التي يتهمها بالعمل مع أجهزة الأمن لاختراق الضحايا ومن بينها كان بودكاست “الفرع 251” الذي أسسه الزميل كرم الشوملي. اضطر كرم يفوت لصفحة زميله ميشال شماس ويعلق عنده لحتى ميشال حذف صورة “الفرع 251” من البوست يلي عامله. شي كثير معيب ويوضح “الدقة” بهذا الكلام!
هذا الكلام ليس فقط خيانة للأهالي والضحايا وثقتهن فينا، لكن أيضاً له أثر سلبي كبير عن أي طرف مستعد يحكي أو يتواصل بخصوص معتقل أو مفقود أو غيره بالمستقبل. خوف الأهالي كثير مبرر، ومفهوم أيضاً. كثير بتصير زملائي بيحكوا مع حدا والناس ما بتتجاوب لاضطر احكي معهم بنفسي كوني معروف على الاعلام، بعدها بيطمنوا لزملائي بالمركز. يعني كلام أنور وميشال شماس كثير مؤسف وضار، عدا أنه غير صحيح وغير محق…
كثير اتهمنا النظام سابقاً أننا عملاء للغرب والسي آي أيه وموزمبيق وغيرها. رغم أننا مررنا على اتهامات النظام بالسخرية والتندر وما صدقناها، كثير أحياناً بنطبق ذات أسلوبه. ما بدي قول تربية بعث ومن هالديباجة لأني ما بحب هالحكي، بس مستغرب كثير ومستاء من الحملة المؤسفة اللي أطلقها الصديق أنور البني واطلب منه علناً حذف هذه البوستات التي لا تليق لا فيه ولا فينا ولا بوجعنا وضحايانا.
الفيس بوك
—————————————–
المخرج فراس فياض يواجه أنور رسلان بتهم التعذيب
لم تغب مشاهد التعذيب القاسي الذي تعرض له، عن باله أبداً، بل سرد تفاصيل أيامه الصعبة وواجه جلاده داخل المحكمة. الحديث هنا عن المخرج السوري المرشح لجائزة “أوسكار” فراس فياض، الذي قدم شهادته أمام المحكمة الولائية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية، حيث انعقدت جلسة لمحاكمة مُتهمين إثنين بالتعذيب في سوريا.
وكان فياض (35 عاماً)، أول ضحية تبلغ في ألمانيا عن فصول رعب تفوق الخيال، وقد روى ما حصل معه في العام 2011 عندما كان معتقلاً. وعلى بُعد أمتار قليلة منه في قاعة المحكمة، جلس المُتهم، وهو ضابط المخابرات السوري السابق أنور رسلان (57 عاماً)، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، حينما كان مسؤولاً رفيعاً برتبة عقيد، ترأس القسم 251 من المخابرات السورية، وكان مسؤولاً عن أمن العاصمة دمشق، وهو المتهم الرئيسي في هذه القضية، وتشمل الاتهامات جرائم ضد الإنسانية، والقتل (58 مرة)، والتعذيب في 4000 حالة على الأقل، إضافة إلى تهم الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
ومن المتوقع أن يشهد أكثر من 24 من ضحايا التعذيب السوريين في المحاكمة غير المسبوقة التي بدأت في نيسان/أبريل الماضي ، وتبحث دعاوى بشأن التعذيب الممنهج الذي ترعاه الدولة الأسدية، علماً ان رسلان هو مسؤول الإستجواب في سجن الخطيب سيئ السمعة بدمشق حيث اعتقل فياض، قبل انشقاقه عن النظام العام 2013 ولجوئه في وقت لاحق إلى ألمانيا، وهناك لاحقته يد العدالة باعتقاله العام 2019، واتهامه بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.
وقال فياض في تصريحات لـNPR، وهي إذاعة أميركية، أنّ “قضيته تتعلق بالعنف الجنسي”، والأمر صعب بالنسبة له، خصوصاً أنه لم يتحدث عنه علناً أبداً. حتى أنه لم يخبر عائلته به. وكان روايته العلنية الأولى لما جرى، في قاعة المحكمة في كوبلنز، عندما جلس الرجل المتهم بأمر تعذيبه على بعد أمتار قليلة منه.
وخلال المحاكمة، طلب منه القضاة إعادة سرد الإعتداء الجنسي الذي تعرض له، وهو اغتصاب بواسطة عصا خشبيّة، كما أكد أنه اضطر لإجراء عمل جراحي جراء الإصابات التي تعرض لها بعدما أطلق سراحه في النهاية. وأكمل: “كنت أحمل هذا الألم لفترة طويلة، لكن عليّ أن أبدأ بالتحدث بصراحة”. موضحاً أنه “فضّل الصمت بسبب الاغتصاب الذي تعرض له، وهو ما يُعتبر وصمة عار في المجتمع السوري”، علماً أن معظم الناجين السوريين من العنف الجنسي لا يتحدثون عنه أبداً ويعيشون معه في حالة إنكار لسنوات، بحسب تقرير للأمم المتحدة العام 2018 يوثق الاستخدام المنهجي للعنف الجنسي في سوريا باعتباره “أداة لغرس الخوف والإذلال والمعاقبة”.
وعلق فياض: “نحتاج إلى معرفة من يرتكب هذه الجرائم ، إنها رسالة كبيرة. جئت باسمي. لا يجب أن أبقى صامتاً. لقد اغتصب النظام بلادنا لفترة طويلة”، موضحاً انه يرغب برؤية المزيد من الضحايا يتحدثون علناً.
وفي العام 2011، عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا ضد النظام، أمسك فياض بكاميرته ونزل إلى الشوارع لتوثيق المظاهرات السلمية المبكرة، والاعتقالات، وردّ فعل قوات النظام العنيفة وإطلاق النار على المتظاهرين في محاولة لقمعهم. وبعدها، جرى اعتقاله، واحتجازه، واتهامه بالتجسس ودعم الأنشطة المناهضة للنظام. كان فياض مقتنعاً أنه سيموت في السجن، حتى أن بقية المعتقلين معه قالوا أنه لن يبقى على قيد الحياة.
يسترجع فياض فصول التعذيب التي تعرّض لها، حيث كان يتعرض للضرب والركل بشريط حديدي والعصي، كما جرى تعليقه من السقف لتلامس أطراف أصابع قدميه الأرض فقط، إلى جانب وضعه في زنزانة صغيرة جداً. وأكمل أنه “يتذكر الإستجوابات بينما كان معصوب العينين وجاثياً على ركبتيه”، وكان الرجل الذي يحقق معه هو أنور رسلان الموجود في المحكمة. وأضاف: “كنت نحيلاً وبلا شعر، جسدي ينزف. كنت أشعر بالخوف من النظر في المرآة لفترة طويلة”.
وبعد مرور شهرين ونصف على الإعتقال، جرى إطلاق سراح فياض من دون أي تفسير، وبعدها حثته عائلته على مغادرة البلاد لاقتناعها بأنه لن ينجو من اعتقال آخر. وبعد فترة وجيزة، هرب من سوريا. وعزا نجاته إلى القدر وتساءل: “لماذا أنا؟ ساعدتني الكارما على الخروج لأني لدي مهمة أقوم بها في هذه الحياة”، في إشارة إلى عمله في صناعة الأفلام الوثائقية.
وبعد هروبه من سوريا، دخل فياض إلى تركيا، ثم عاد وتسلل عبر الحدود السورية إلى مدينة حلب لتوثيق حياة المدنيين السوريين تحت القصف. وفي العام 2018، حصل فياض على إذن للدخول إلى الولايات المتحدة بعدما جرى ترشيح فيلمه “آخر الرجال في حلب” لجائزة “أوسكار” عن فئة أفضل فيلم وثائقي. وفي شباط/فبراير من هذا العام، جرى ترشيح فيلمه “الكهف” لجائزة أوسكار، عن فئة أفضل فيلم وثائقي، وهو يسرد قصة فريق طبي تقوده النساء في مستشفى تحت الأرض يسمى “الكهف”، جرى من خلاله اسعاف وعلاج أهل الغوطة الشرقية أثناء القصف المتواصل الذي تعرضت له المدينة من قوات النظام السوري.
وقال فياض أنه حتى مع التكريم الذي ناله على عمله، لم يتمكن من الاحتفال. وسرد ذكرياته: “سألني فريقي: لماذا لست سعيداً؟ عليك أن تشعر بالسعادة. لكني لم أعرف كيف أعبّر عن سعادتي. كنت غاضباً جداً. بداخلي، كان هناك الكثير مما لم أستطع مشاركته بسبب وصمة العار والخجل”. مضيفاً أن ذلك الوهم عاد إليه في الأيام التي تلت شهادته أمام المحكمة الألمانية: “أشعر أن جسدي مكسور، وبدأت أفقد القدرة على ترتيب الكلمات”.
ورغم ذلك، يرى فياض أن محاكمة مجرمي الحرب هي الخطوة الأولى في طريق شفائه الطويل، وأكمل: “عندما ذهبت إلى المحكمة، بدأت أشعر أن شيئاً ما تغير تماماً بعد ذلك. بالطبع، هناك ألم جسدي، لكني بدأت أعتقد أن العدالة شيء حقيقي. إنها ليست كذبة”.
وخلال وقوفه داخل قاعة المحكمة، أذهل فياض القضاة عندما أخبرهم أنه يمكن أن يغفر للمدعى عليه رسلان. وأضاف في المقابلة: “إذا اعترف بحدوث هذه الأشياء، فعندئذ يجب أن أغفر له. أشعر أن التسامح هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن أعيش بها بسلام”. غير أن رسلان نفى كل التهم الموجهة إليه، منكراً مسؤوليته عن أي فعلٍ حصل، وتحديداً حالة الاغتصاب التي تعرض لها فياض.
وحالياً، فإن المخرج يعمل على فيلم وثائقي جديد يوثق تفاصيل اعتقاله وتعذيبه، وعن المحاكمة في ألمانيا. وقال: “أحاول أن أجعل ذلك رسالة لعائلتي لأني لم أخبرهم من قبل بما مررت به”. وختم: “أخطط أيضاً لإخبار عائلتي لماذا قررت الإدلاء بشهادتي، وذلك من أجل التاريخ وإرسال رسالة إلى أولئك الذين مازالوا مسجونين في سوريا، بأنهم غير منسيين”.
—————————————-
مَن يؤذي مسار العدالة في كوبلنز أكثر؟ التناقضات في شهادة أم مَن يكشفها؟/ آسر خطاب
“تَنشُر صفحة الرأي في النيويورك تايمز مقالات أختلف معها بعنف. أرجو أن يستمروا بذلك”. هكذا علق أحد كتّاب “نيويورك تايمز” على الهجوم الشرس الذي تعرّضت له الصحيفة الأمريكية بعد أن سمح محرّر قسم الرأي فيها، جايمس بينيت، لسيناتور من الحزب الجمهوري بنشر مادة طالب فيها بتدخل القوات المسلحة والسماح لها باستعمال القوّة العسكرية في وجه الاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد على يد شرطي في منيابوليس.
الكاتب الذي استخدم صفحته الشخصية على فيسبوك للتعبير عن رأيه بالقضية، قال إن “لكلّ الآراء القدرة على إحداث تأثيرٍ على حياة الناس… لكنني أهتمّ كثيراً بالنيويورك تايمز، ولذلك يقلقني ارتفاع مستوى عدم التسامح مع الآراء المعارضة هناك”.
لكنّ الحملة ضدّ النيويورك تايمز، وضدّ المُحرّر بينيت، استمرّت بالتصاعد، حتى اضطر الأخير إلى تقديم استقالته من الجريدة في السابع من حزيران/ يونيو.
هجومٌ مشابه طال مؤخراً رصيف22 والكاتب حسام القطلبي إثر مقالٍ بعنوان “فبركة وفبركة مضادة… ما حدث في سوريا ويحدث في محكمة كوبلنز” نشره الموقع بتاريخ 20 تموز/ يوليو. حذفت إدارة الموقع المقال ثم أعادته مرتين، قبل عقد العزم أخيراً على إبقائه بين صفحاتها.
مقال القطلبي ليس مبنياً على آراءٍ ومواقف، سواء شخصية أو سياسية، تجاه القضية التي يكتب عنها، وهي شهادة المخرج السوري فراس الفياض التي قدّمها أمام محكمة كوبلنز في ألمانيا، بقدر ما هو تحقيق استقصى فيه ادّعاءاتٍ وأثبت فقر صحّتها، بغض النظر عن سوء أو حسن نية مقدّم تلك الادّعاءات.
فراس الفياض هو أحد أبرز الشهود ضدّ العقيد أنور رسلان، الذي كان ضابط أمنٍ سوري ومسؤول قسم التحقيق في فرع أمن الدولة 251 (الخطيب) في دمشق، حتى فراره عام 2012، ثم استقراره في ألمانيا كلاجئ سياسي، والذي يمثل منذ نيسان/ أبريل الماضي أمام المحكمة في كوبلنز، ألمانيا، متّهَماً بالضلوع بحوالي 4000 قضية تعذيب و58 قضية قتل قبل مغادرته سوريا.
اعتُقل الفياض مرّتين في سوريا، وتعرّض إلى عدد من أشكال الاعتداء الجسدي والتعذيب، بحسب منظمات حقوقية. لكن تاريخ بداية وانتهاء كلّ من الاعتقالين، ومدة كلّ منهما، تغيّرا 18 مرة في روايات مختلفة قدمها الفياض، سواء داخل المحكمة أو في حديثه مع وسائل الإعلام خارجها، بحسب التحقيق الذي أعده القطلبي.
واستقصى القطلبي صحّة بعض الادعاءات التي لا تتعلق مباشرة بقضية أنور رسلان، مثل حقيقة حصول الفياض على بكالوريوس في الفنون السمعبصرية وصناعة الأفلام من المعهد الدولي للسينما والتلفزيون (إيكار)، بحسب صفحة الفياض على لينكدإن.
ليس هذا المقال بصدد تأكيد أو دحض ما قدّمه حسام القطلبي في مقاله على رصيف22، بل يسعى إلى النظر بموضوعية في ردود الفعل التي أثارها نشر المقال.
“هجومٌ مشابه طال مؤخراً رصيف22 والكاتب حسام القطلبي إثر مقالٍ بعنوان ‘فبركة وفبركة مضادة… ما حدث في سوريا ويحدث في محكمة كوبلنز’… لم يكن إلصاق تهمة العمالة لصالح النظام والمخابرات السورية بالقطلبي أصعب من إلصاق النظام تهمة الإرهاب بمعارضيه”
منذ انطلاق الثورة السورية، التي تحوّلت لاحقاً إلى حربٍ لا تزال مستمرّة اليوم، في آذار/ مارس 2011، اعتمد النظام سياسة العنف والقتل والتعذيب بشتى الأشكال في سبيل قمع الاحتجاجات ضده. لكن بعيداً عن الشوارع والميادين السورية، كانت هناك أساليب غير دموية استخدمها النظام ورموزه ومحلّلوه وإعلاميوه بغية استهداف القيم التي بنيت عليها الثورة. فقد سارع النظام أولاً إلى طرح موضوع توقيت اندلاع هذه الاحتجاجات، مشيراً إلى طور النموّ الذي كانت سوريا تمرّ به خلال السنوات القليلة السابقة. ثم هاجم النظام “الهدف الحقيقي” لهذه الاحتجاجات التي لا ترمي، بنظره، إلى إصلاح “الأخطاء” الموجودة في سوريا، بل إلى تحقيق مؤامرة خبيثة ضده.
وسارع النظام إلى إلصاق تهمة الإرهاب أو دعمه بكلّ مَن عارضه تقريباً، وامتنع عن التعاطي مع ما يقدّمونه من وجهات نظر أو بيانات أو معلومات أو مطالب على أنها أمرٌ يستحق النقاش الصادق. ثم أخذ النظام ومؤيدوه يهدّدون الأفراد المعارضين له، ممَّن لم يستطيعوا إيذاءهم مباشرةً نتيجة وجودهم في دول أخرى مثلاً، والتعليق على شخصهم بدلاً من الطرح الذي يقدّمونه، في تجلٍّ كلاسيكي لعدد من أشهر المغالطات المنطقية (تحديداً الـad hominem أي ‘الشخصنة’ والـ tu quoque أي ‘أنت كذلك’).
“قال عددٌ من الناس إنه في حال كانت المعلومات المقدّمة في مقال حسام القطلبي صحيحة، فإن فراس الفياض يسعى ‘لاستجلاب الشهرة’، في حين أُلصق الاتّهام نفسه بالقطبلي الذي يسعى لأن يصبح ‘بطلاً في زمن الهزائم’ من خلال معارضة الأغلبية ‘بموقف فجّ وقويّ وصادم’”
يبدو أن كلّ العناصر المذكورة أعلاه اجتمعت في تعاطي الكثيرين من الغيورين على مسار قضية كوبلنز، وهي سابقة تاريخية في مسيرة النضال لاسترداد حقوق أسرى النظام السوري، مع مقال حسام القطلبي في رصيف22.
رفض أغلب مهاجمي نشر المقال تقديم معلوماتٍ وأرقام وتواريخ وشهادات تنافي تلك التي أوردها القطلبي، واختاروا عوضاً عن ذلك انتقاد “التوقيت” الذي اختاره كل من الكاتب والموقع لنشر المقال، معتبرين أن هذا الأمر يضعف موقف الادّعاء ضد رسلان. ثم أخذ بعض مهاجمي القطلبي ورصيف22، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بتحليل أهداف ودوافع نشر هذا المقال الذي، برأيهم، يخدم أجندات النظام السوري ويقدّم له هدية على طبق من ذهب. وبالطبع لم يكن إلصاق تهمة العمالة لصالح النظام والمخابرات السورية بالقطلبي أصعب من إلصاق النظام تهمة الإرهاب بمعارضيه.
وبالتأكيد، كما قال عددٌ من الناس، فإنه في حال كانت المعلومات المقدّمة في مقال القطلبي صحيحة، فإن فراس الفياض يسعى “لاستجلاب الشهرة”، في حين أُلصق الاتّهام نفسه بالقطبلي الذي يسعى لأن يصبح “بطلاً في زمن الهزائم” من خلال معارضة الأغلبية “بموقف فجّ وقويّ وصادم” (علماً أنّه من الظُلم وصف ما قدمه القطبلي على أنه محض “موقف”، بعضّ النظر عن الخلاف الدائر حول المقال).
كما راح البعض لوصف المقال بأنّه يرمي لتبرئة أنور رسلان بطريقة يعجز عنها حتى محامو الأخير.
هناك ما يكفي من أدلة تثبت أنّ فراس الفياض كان حبيس سجون النظام، وهناك فيضٌ من الأدلّة حول ما يجري داخل تلك السجون. لا تبدو شهادة فراس الفياض مبنية على كذب، لذا قد تكون مقارنتها بتلفيق المخرج السوري محمد بايزيد حادثة اغتياله في تركيا عام 2018 إجحافاً بحقّ الفياض والتجربة القاسية التي بالتأكيد كان قد مرّ بها في السجن.
جيمس بينيت خسر عمله في جريدة “نيويورك تايمز” بسبب مقال رأي سمح بنشره على موقع الجريدة، أما رصيف22 فقد نشر مقالاً معززاً بأرقامٍ وتواريخ واقتباسات ومراسلات، أوضح فيه كاتبه مراحل العمل التي اتّبعها وأورد فيه ما قاله الفياض في عدد من المناسبات وعبر عدد من المنصات، كما حرص على سؤال مَن تواصل معهم بالبريد الإلكتروني في حال كان من الممكن مشاركة صورة عن الرسالة في معرض مقاله. وفي النهاية، حاول القطلبي أن يتحدث إلى الفياض ويعرض عليه ما حصده خلال عمله الاستقصائي، لكنّ مَن يبدو أنّهم مفوّضون بالردّ بالنيابة عن الأخير رفضوا الحديث.
* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف
رصيف 22
—————————————————-
“الشعب السوري مو عارف طريقه”/ عدنان نعوف
“الشعب السوري مو عارف طريقه” التناحر بين النشطاء لا يخلو بالمجمل من تصفية الحسابات
ما يحتاجه النُّشطاء ومؤسساتهم “غير الربحية” بالتأكيد ليس خفة الظل والفكاهة؛ فتلكَ ينتشر صانعوها أسرع من وباء كورونا، ويُمثلون مُنافِساً شبه وحيدٍ لجِديّة المجتمع المدني غير المتسامح مع الخوض في التفاصيل، والجاهز دوماً للهرب من الجَدَل عَبْر باب خلفي اسمهُ “تفويت الفرصة على نظام الأسد”!.
مثل هذا السلوك لا يُعدّ جديداً، ذلك أنّ ربط مصير “قضيّة كبرى” بكلّ تجربة إنسانية جزئية تؤلفها لتغدو مضادّة للنسبيّة، يُمثل إرثاً سوريّاً ممتداً لأكثر من أربعين عاماً، ساهَمَ بصنع شخصيات “نضالية” عابرة للأزمنة.
وقد لا ينطبق هذا التوصيف على تجربة المخرج السوري فراس فياض، وما رافق شهادته أمام القضاء الألماني من تجاذبات كان فيها نشطاء المجتمع المدني مِن مسؤولي المنظمات و”صائدي الجوائز” رأس حربة في السعي لإغلاق الملفّ.
لكنّ زوبعة الدفاع والهجوم التي أحاطت بالموضوع أعطت مثالاً عن ظاهرة أشمل، وأبرزت أمراضاً وعيوباً يعاني منها المجتمع المدني الثوري السوري، والذي اتسع مع الوقت ليضمّ كل القوى اللادولتية المنظّمة وغير المنظّمة.
ويمكن القول أن التناحر بين النشطاء السوريين سواء حَملَ أبعاداً مهمة تتعلق بملفات الثورة الأساسية، أم كان كيديّاً وحسب، فإنه لا يخلو بالمجمل من تصفية الحسابات ونقل التنافس من منصات التكريم ومراكز الدعم وتحصيل المِنح، إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعلّ جذر هذه الصراعات البينية في الأوساط الحقوقية والفنية وسواها، يكمُن في أحد أكبر المصائب التي ابتليت بها أوساط الثورة السورية، ألا وهي “الأبوية” والسعي لاحتكار دور “صاحب المرجعية” المحاط بـ “الشلّة” الحارسة والحامية.
وعلى هذا الأساس لا يعود مستغرَباً رؤية هجمات متبادلة من حين لآخر بين فلان وفلان حول مسائل فكرية أو قانونية أو حتى رياضية (كمعارك حيازة شرعية تأسيس منتخب وطني باسم سوريا الحرة، والتي انتهت بتبديد التمويلات)، وجميعها تتمحور حول “التأويل الأصح” و”المنهج الأسلم”.
ومهما تنوّعت مَحاور الجدل بين نقاشات حامية (مرتبطة بالعسكرة وجدوى السلاح مثلاً) أو الحديث عن فبركات استعراضية تؤثر على مسار العدالة، فإنها لا بد أن تخفي في مكان ما أموراً غير شخصية.
وحتى وإن تحدّث ناشط وفقَ مَوقفه ورؤيته، فهو – أكان قاصداً أم لا – يرافع بالنيابة عن الجهة التي أوصلته إلى موقعه (مدير مؤسسة، رئيس منظمة..الخ)، لتتحدد لاحقاً خريطة تحالفاته وعداواته.
هنا يمكن أن نَقع على “أصل العلّة” ربما، والمتمثل بـ”وَهم الوصول” الذي ساهمت في إشاعته جهات غربية داعمة، ليتحول الأمر إلى سِمَةٍ عامة طبعت عمل نشطاء المجتمع المدني بطابع استعجال الإنجاز، وحرق المراحل، والهَوس بقطف “الثمار غير الناضجة”.
ولو بحثنا في أوضح تمثيل لهذه الفكرة فلن نجد أفضل من كليشيه أو مقولة “الشعب السوري عارف طريقه” التي اجتاحت اللغة والعقلية الثورية لفترة طويلة، بعد أن اتخذتها إحدى مجموعات الحراك اسماً لها.
وبعيداً من محاكمة جهود هذه المجموعة أو الفريق الذي كان يسعى لنشر الفكر الاحتجاجي السلمي، من خلال حملات التوعية وتوزيع ملصقات، فإنه بالمحصلة يبقى مثالاً على طريقة تفكير المجتمع المدني. فمِنْ عامٍ لآخر تبيّن أنّ الشعب السوري ليس تائهاً عن “طريقه” وحسب، بل إنّ تعقيدات مجتمعه وتراكمات أزماته تحتاج جهوداً جبارة لا علاقة لها بـ “خلق فضاء إبداعي للمواهب للتعبير عن نفسها”!.
ولأنّ تفنيد تجارب من هذا النوع – سابقاً ولاحقاً – يصطدم بهالات عاطفية تختبىء خلف “العفوية”، و”التضحية”، و”المخاطرة بالعمل ضمن ظروف أمنية وإنسانية صعبة” (وهو ما كان مفهوماً ضمن سياق زمني معين)، فإن نقدها يصبح من أصعب المهام في الحالة السورية.
ومِنْ مجموعات النشطاء في بدايات الحراك إلى المنظمات والمؤسسات المحيطة بـ “فياض”، تشكل جميعها نموذجاً لمَن يُحاسِب ولا يُحاسَب، وعندما يُحشر في الزاوية يتذرع بأنّ جهوده تطوعيّة، حتى وإن كانت وفق تمويل ثابت!.
هذه الطبيعة السائلة للمجتمع المدني تشكل سِمةً عامةً وعالميةً نوعاً ما، غير أنها في الظرف السوري تكتسب خصوصية إضافية، في ظل غياب الممارسة السياسية الحقيقية على الطرف المقابل، ما جعَلَ الساحة تخلو أمام الناشط (الإغاثي والقانوني والمفكر والفنان..) ليكون صوتاً وحيداً يتحدث باسم الثورة؛ يدافع عن قيَمِها، فيحمِلَها معه، أو تحملهُ هي، إلى بلدان ومحافل عالمية.
ومع تداخل واختلاط الأخلاقي بالإنساني بالسياسي، يكتسب الناشط متعدّد المواهب حَصانةً مفترضة تتجاوز “تخصصه”، وتصنع منه “جوكر ثوري” وبديلاً للأحزاب والنقابات، وسفيراً فوق العادة لآمال السوريين المؤجلة، وناطقاً باسم تضحياتهم.
وبما أنّ “إحداث التغيير” لا سقف زمنياً له، وغير مطلوب بالضرورة من قبل الداعمين، فمن البديهي أن تتحدّد مهمة المجتمع المدني حينها بإعادة تدوير المأساة، وإنتاجها بأشكال متعددة فنياً ومجتمعياً، وانتظار تصفيق المجتمع الدولي ووسائل إعلامه لـ “اللوحة” أو الصورة الجديدة التي رسمت الكارثة بأسلوب إبداعي مبتكر!.
هل تلك هي الحدود المتعارف عليها لتأثيرات المجتمع المدني؟!
قد يكون من المجحف مطالبته بما هو أكثر من مُجرد “فضح ممارسات النظام” و”تسليط الضوء” و”مساعدة الضحايا”، ليكون قادراً بالتالي على تبرير عجزه في لحظة ما، لكن ومن جهة ثانية، فإنّه من غير المنطقي أن يستخدم نشطاؤه السياسة أداةً للترهيب أو الرفع أو الحَطّ من شأن طرف ما، بما أنهم ملتزمون بأدوارهم!.
كل ذلك لا يعني بالمحصلة دعوة الناشطين إلى “التقاعد” أو التراجع، خصوصاً من يعملون منهم في الجانب الحقوقي، فكل إفادة وشهادة ضد نظام الأسد تمثل إضافة ضرورية. غير أن ذلك لا يلغي الحاجة أيضاً لفصل “السينما” عن مسار العدالة، فالشعب السوري لم يَعُد معنياً بالوصول بعد يوم أو اثنين أو ثلاثة إلى نهاية طريقه، لرؤية شاخِصات بعناوين برّاقة. ما يهمه حقاً أن يعرف أين يتجه، ليخطو خطوات نوعية – وإن كانت قليلة – من دون أن تشوّش عليها سلوكيات دراميّة.
المدن
===============================
تحديث 20 آب 2020
—————————————-
محاكمة “كوبلنز” وأهمية المسار القضائي العالمي في تحقيق العدالة/ ميشال شماس
في الوقت الذي شعر فيه السوريون بأن المجتمع الدولي قد خذلهم، ولا سيّما بعد انسداد سُبل اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، باعتبار أن سورية غير موقعة على ميثاق روما الذي أنشأ هذه المحكمة، وأيضًا بفعل الفيتو الروسي الصيني الذي يقف بالمرصاد لأي محاولة، في مجلس الأمن الدولي، لتنظيم محاكمة دولية بشأن سورية؛ جاءت التحقيقات في أوروبا بالجرائم المرتكبة في سورية لتبعث أملًا متجددًا بأن اتخاذ بعض الإجراءات القضائية لا يزال ممكنًا لتحقيق العدالة لضحايا الجرائم الذين ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه، حاليًا، سوى هذه الولاية القضائية العالمية التي أتاحت للسوريين إمكانية ملاحقة ومحاسبة من أجرم بحقهم، وجاء انطلاق أول محاكمة لعناصر سابقة في المخابرات السورية، في مدينة “كوبلنز” الألمانية، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، من بينها التعذيب والاعتداء الجنسي والاغتصاب، ليعزز آمال السوريين، وخاصة الضحايا وذويهم، بأن هناك خطوة مهمة قد فُتحت أمامهم على طريق تحقيق العدالة، كما جاء توقيف الشرطة الألمانية للطبيب السوري علاء موسى، المتهم بتعذيب المعتقلين في المشافي العسكرية، ليؤكد أن مسار العدالة لن يتوقف، بل سيمتد ليشمل كل المجرمين الضالعين بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري.
وعلى الرغم من ترحيب مختلف المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان بمحاكمة “كوبلنز”، والصدى الإيجابي الذي تركته هذه المحاكمة، لدى معظم السوريين الذين وجدوا فيها خطوة مهمة وتاريخية على طريق النضال لتحقيق العدالة لمئات الآلاف من السوريين الذين احتُجزوا وعُذّبوا وقُتلوا، بصورة غير مشروعة، في سجون ومراكز احتجاز النظام السوري والميليشيات المسلحة، أقول على الرغم من كل ذلك لم ير بعض السوريين في هذه المحاكمة إلا خدمة لنظام الأسد، لا لشيء سوى أن المحكمة تحاكم منشقين عن نظام الأسد. وكأن التغيير والانتقال من ضفة إلى أخرى يمنحان الجاني صك براءة عن الجرائم التي ارتكبها! وإذا قبلنا بهذا المنطق الأعوج؛ فإننا نعطي المبرر أيضًا لأي جهة بأن تحمي مجرميها، للأسد أن يحمي مجرميه الذين وقفوا معه، وللميليشيات المسلحة أن تحمي هي الأخرى مجرميها الذين قاتلوا معها.. علمًا أن الجرائم المنسوبة إلى المتهمين هي من النوع الذي لا يسقط بالتقادم ولا يشمله أي عفو، والقضاء المختص وحده هو من يقرر أهذا المتهم مجرم أم لا، والضحايا وحدهم من يملكون حق مسامحة المجرمين.
ويهمنا التأكيد هنا -كمحامين متطوعين- أن أساس عملنا يقوم على مساعدة الضحايا، وتمكينهم من ولوج القضاء، لاستيفاء حقوقهم وملاحقة المجرمين لأي طرف انتموا، ولا يحق لأي كان، مهما حدث، أن يطلب من الضحايا عدم محاكمة رسلان أو غيره أو التنازل عن حقوقهم. بينما يستسهل البعض فعل ذلك، دون أي إحساس بمعاناة الضحايا، فبأيّ حق نطلب ممن تعرّض للتعذيب، أو قُتل أخوه أو ابنه تحت التعذيب، أن يتنازل عن حقه؟ أيُعقل أن نطلب ممن اغتُصبتْ ابنته أو أخته أو زوجته العفو عن المجرم؟!
منذ أيام، بدأنا نسمع أصواتًا لم تكتف بالتشكيك والطعن بشهادة بعض الضحايا وحسب، بل وصل بهم التشكيك إلى حد النفي الجازم أن تكون المخابرات السورية قد مارست الاغتصاب بحق المعتقلين عام 2011، وكأن هذا الشاهد المطعون بشهادته قد ذهب بعزيمة رسمية إلى مقار المخابرات السورية للتنزه فيها، والاستماع إلى محاضرات عن حقوق الانسان تُلقى في زنازينها!
تساءل كثير من السوريين عن الهدف الأساسي من هذه الحملة، وسألوا: هل هذا التشكيك يخدم العدالة حقًا؟ أم أن الهدف من إثارة هذه الشكوك هو إشغال الناس وإغراقهم في تفاصيل تنسيهم جوهر قضيتهم الأساسية؟
صحيح أن هذا التشويش على المحاكمة الجارية الآن في “كوبلنز” قد يخلق بلبلة، ويترك تأثيرًا سلبيًا لدى المتلقي، إلا أن ما يحدث في داخل قاعة المحكمة لن يتأثر بكل هذا التشويش، فالأدلة كثيرة ومؤكدة، وعدد الشهود كبير أيضًا، وحجم الجرائم المرتكبة كبير جدًا، ولا يمكن تغطيتها أبدًا، وقريبًا جدًا سيُصدم المشككون بأن شكوكهم ستذروها شهادات الشهود الذين ينتظرون دورهم للإدلاء بأقوالهم التي ستؤكد أن المخابرات السورية مارست الاغتصاب في عام 2011 وما تلاه من أعوام.
أخيرًا، لا يسعني إلا أن أؤكد القول إن هذه المحاكمة التي تجري اليوم في مدينة “كوبلنز” الألمانية ليست نهاية المطاف، وهي ليست كل شيء، بل هي خطوة أولى، ولكنها خطوة مهمة وأساسية على طريق تحقيق العدالة لجميع السوريين بدون استثناء، باعتبارها أول محاكمة في العالم لمسؤولين سابقين في جهاز المخابرات التابعة لنظام الأسد، متهَمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهي فرصة مهمة يجب أن نستثمرها جيدًا في معركتنا القانونية الطويلة لتحقيق العدالة، وهي فرصة كي نساعد هذه المحاكمة في أن تشكل رسالة تحذير قوية، لكل الذين يرتكبون جرائم بحق السوريات والسوريين، بأن لا أحد فوق القانون، وأنهم لن يكونوا بعد اليوم في مأمن من الملاحقة والمحاسبة، وأن هذه المحاكمة ستكون محطة أساسية في مكافحة الإفلات من العقاب في انتهاكات حقوق الإنسان البالغة الخطورة، ليس في سورية وحسب، بل في العالم كله، وهي فرصة لنا كي نوضح للعالم، بالشهود والأدلة، المنهجَ الجهنمي الذي يسلكه النظام الأمني في سورية، وجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
إننا -السوريات والسوريين- معنيون جدًا بإنجاح المسار القضائي الجاري الآن، في أوروبا، لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب وضد الإنسانية في سورية، ولا سيّما محاكمة “كوبلنز” التي تتجاوز في أهميتها ودلالتها مجرد محاكمة عنصرين سابقين من المخابرات السورية، لتشمل نظام القمع الأسدي بأكمله الذي تخيلتُ -طوال الجلسة التي حضرتها- أنه هو الذي كان جالسًا في مكان المتهمين. وإننا معنيون أيضًا بإنجاح هذا المسار القضائي، لقطع الطريق أمام من تسبب في مأساتنا، والحيلولة دون أن يكون له دور في إعادة بناء سورية، ولاستعادة كرامتنا التي سُلبت منّا على مدى سنوات طويلة.
مركز حرمون
——————————-
محاكمة أنور رسلان: وسيم المقداد يدلي بشهادته
تحدث لاجئ سوري في ألمانيا عن الراحة التي شعر بها بعد الإدلاء بشهادته، الأربعاء، في محاكمة عضوين سابقين بالشرطة السرية في سوريا متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في أول قضية رفيعة المستوى في العالم ضد مسؤولين سابقين خلال الصراع المطول.
وسيم المقداد، الذي فر إلى ألمانيا قبل أربع سنوات، من بين أكثر من 12 ضحية أدلوا بشهاداتهم أمام محكمة ألمانية إقليمية بشأن الاعتداءات التي تعرضوا لها في مركز احتجاز حكومي سوري حيث تعرض آلاف من محتجي المعارضة للتعذيب.
والمتهم الرئيسي في المحاكمة هو أنور رسلان، العضو السابق في جهاز الشرطة السرية السوري، ويشتبه في إشرافه على الاعتداء على المعتقلين في سجن الخطيب سيء السمعة قرب دمشق، المعروف أيضاً باسم الفرع 251. واتهم ممثلو الادعاء رسلان بالإشراف على “تعذيب وحشي وممنهج” لأكثر من أربعة آلاف سجين بين نيسان/أبريل 2011 وأيلول/سبتمبر 2012، ما أسفر عن وفاة 58 شخصاً على الأقل.
أما المشتبه فيه الثاني فهو إياد الغريب، المتهم بالانتماء لوحدة اعتقلت أشخاصاً إثر مظاهرة في مدينة دوما السورية واقتادتهم إلى الفرع 251 حيث تعرضوا للتعذيب. ولم يتسن الوصول إلى محامي المتهمين للحصول على تعليق، الأربعاء.
ونقلت وكالة “أسوشييتد برس” عن المقداد عبر الهاتف، بعد شهادته أمام المحكمة في مدينة كوبلنز، أن تمكنه من سرد ما حدث له منذ تسع سنوات كان “شعوراً غريباً، لكنه أيضاً يمثل نوعاً من الارتياح”. وأضاف: “أنا مرتاح لإخراج المشاعر والذكريات”.
والمقداد، وهو من بين العديد من الناجين الذين يدعمهم “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، وقال أنه روى للمحكمة كيف تم اعتقاله بالشارع وتعرضه لسوء معاملة وهو في طريقه إلى السجن. واثناء وجوده هناك ظل معصوب العينين لخمسة أيام واستجوب ثلاث مرات. وفي كل استجواب قال المقداد أنه كان يجبر على الاستلقاء على بطنه ومد رجليه لأعلى. وإن لم تعجب ردوده المحقق كان يأمر بضربه على قدميه او ساقيه.
وأضاف المقداد أنه لاحقاً نقل إلى موقع آخر يحتجز فيه نحو 90 رجلاً في غرفة بلغ من ضيق مساحتها أنه لم يكن بإمكانهم الجلوس او الاستلقاء، وحيث كثيراً ما كانت الوجبة اليومية مكونة من بضع حبات من الزيتون. مضيفاً أنه فقد 37 رطلاً من وزنه خلال 17 يوماً قيد الاحتجاز، مشيراً إلى أنه يأمل في أن تشجع المحاكمة آخرين من ضحايا الانتهاكات الحقوقية في سوريا وغيرها على الحديث، وأن يحدوهم الأمل بأن يدلوا بشهاداتهم يوماً ما امام محكمة تستجوب جلاديهم.
والمقداد (34 عاماً) هو عازف عود دمشقي ولد في مدينة لايبزغ الألمانية لوالدين سوريين كانا يدرسان مجال العلوم الزراعية في ثمانينيات القرن الماضي. قبل أن يعود إلى ألمانيا لاجئاً إلى برلين بعدما شاهد ويلات الحرب السورية وتذوق تجربة الاعتقال في سجون النظام الأسدي. ويعمل عبر الموسيقا على محاربة التشدد الديني والديكتاتورية في وطنه، حسبما تصفه شبكة “دويتشه فيلله”الألمانية.
ووظف الموسيقي السوري آلة العود في مشاريع إنسانية كالتي سهرت على تنظيمها “فيلهارموني برلين” (المقر الدائم لفرقة الأوركسترا البرلينية) بالتعاون مع منظمات أممية. ففي هذا البرنامج الذي أطلق عليه اسم “موسيقا تحمل رؤية” التزم المقداد، العام 2018، بتوظيف موسيقاه في العلاج النفسي للأطفال الذين يعانون بصدمات نفسية جراء الحرب في سوريا.
المدن
—————————–
المعارض السوري البارز رياض سيف: كفاح من أجل تعرية منظومة القتل في سوريا الأسد
في أول محاكمة على مستوى العالم ضد آلة قمع النظام السوري، قدمت واحدة من أبرز شخصيات المعارضة السورية في الخارج شهادتها: إنه رياض سيف. لكن ما العلاقة التي ربطته بالمتهم الرئيسي في القضية التي تنظر فيها محكمة كوبلنز؟
في مدينة كوبلنز الألمانية وعلى مرمى حجر من نهر الراين تقع القاعة رقم 128. القاعة هي إحدى القاعات الكثيرة لواحدة من أعلى محكمتين في ولاية راينلاند-بفالتس.
منذ نيسان/أبريل الماضي دبت حركة كبيرة في القاعة بسيطة الديكور: قضية أقبية التعذيب السورية ودور المتهم الرئيسي أنور ر. في نظام الأسد القمعي. تدرس المحكمة انتهاكات ضد حقوق الإنسان و58 جريمة قتل وتعذيب 4000 شخص على الأقل.
إنها قضية ضخمة. أدلى الكثير من الشهود بشهاداتهم وقدم الناجون شهاداتهم عما عايشوه من أقصى أنواع التعذيب والأساليب اللاإنسانية في التعامل معهم.
خوفاً على سلامتهم قدم أعضاء سابقون في المخابرات السورية شهاداتهم عن “فرع الخطيب” دون الإفصاح علناً عن هوياتهم ومثلوا أمام المحكمة ملثمين. وتم الاستماع لمحققين من مكتب التحقيقات الجنائي الاتحادي ولموظفين من وزارة الخارجية الألمانية. ومنذ أيام قدم واحد من أبرز شخصيات المعارضة السورية شهادته: إنه رياض سيف.
من أجل رؤية الشهود والاستماع لشهاداتهم سافر المخرج السوري فراس فياض خصيصاً من برلين إلى كوبلنز. “لأن لرياض سيف تاريخ طويل مع النظام السوري، فإن ما يدلي به مهم لفهم سياق الصراع والكفاح اللاعنفي”، يقول فراس ذي الـ 35 عاماً والذي كان أول الضحايا الذين أدلوا بشهاداتهم في مطلع حزيران/يونيو.
من المثير للاهتمام في القضية التي تنظر فيها المحكمة ليس السيرة الذاتية لرياض سيف كأحد أبرز رجال الصناعة في سوريا وكونه من المعارضين البارزين للنظام فقط، بل لدوره في حصول الرئيس السابق لـ”فرع الخطيب”، أنور ر.، على تأشيرة الدخول إلى ألمانيا من السفارة الألمانية في الأردن عام 2014.
في سابقة عالمية يمثل أمام محكمة مدينة كوبلنز الألمانية متهمان بممارسة التعذيب داخل سجون نظام بشار الأسد. ويترقب العديد من السوريين هذه اللحظة بفارغ الصبر، وكلهم أمل في أن تتحقق العدالة.
تحولات أنور ر. المثيرة للدهشة
مرّ أنور ر. بتحولات تستوجب الوقوف عندها. انشق عن النظام السوري عام 2012 وفرّ وعائلته إلى الأردن. هناك انضم الرجل ذي 57 عاماً إلى المعارضة واقترب من الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري، أحمد الجربا.
وفي عام 2014 كان ضمن وفد المعارضة السورية لمباحثات جنيف. وقد أكدت ذلك إحدى موظفات وزارة الخارجية في شهادتها أمام المحكمة. وأضافت أن الملفات لديها تظهر أن أحد كبار المعارضين للأسد في ألمانيا هو من سعى لحصول أنور ر. على اللجوء في ألمانيا. هذا المعارض لم يكن أحداً غير رياض سيف.
شهادة عن طريق الفيديو
رياض سيف (73 عاماً) مريض جداً ولا يمكنه المثول شخصياً أمام المحكمة للإدلاء بشهادته. لذا قدم شهادته عن طريق الفيديو. في محكمة في برلين يجلس الرجل مرتدياً سترة زرقاء وقميصاً أبيض اللون. شعره رمادي وقصير. جلس رياض أمام الكاميرا وإلى جانبه مترجمة ومحام.
في البدء سألت رئيسة المحكمة آني كريبر رياض عن قصة حياته. فأجاب رياض بكل سرور: كيف صعد من شخص ينحدر من خلفية بسيطة إلى واحد من أهم مصنعي المنسوجات في سوريا، في تسعينات القرن العشرين أصبح وكيل شركة أديداس الألمانية في سوريا، طور نوعاً ما من الشراكة الاجتماعية مع موظفيه وهو أمر كان غير مسبوق في البلاد، ركز جل وقته على عمله ولم تكن له علاقة بالسياسية ولم يقرأ حتى جريدة، قبل أن ينتخب عام 1994 نائباً عن دمشق في مجلس الشعب السوري (البرلمان)، ومنذ ذلك الوقت سرعان ما دخل في صراعات مع أصحاب السلطة في سوريا.
ربيع دمشق
بعد موت الممسك بزمام السلطة في سوريا حافظ الأسد عام 2000، ساهم رياض سيف في إطلاق “ربيع دمشق” من مكتبه واحتضن بيته “منتدى الحوار الوطني”.
كان المنتدى محجاً كل أربعاء لمئات الأشخاص المهتمين بالتحول السياسي. ألقيت المحاضرات ودارت حلقات النقاش. بعد موت أبيه سمح الابن بشار الأسد في بادئ الأمر بالمنتديات، ولكن بعد فترة قصيرة- تنقل المترجمة كلام سيف من العربية إلى الألمانية- “أصيب (بشار الأسد) بالذعر”.
السوريون الحاضرون في قاعة المحكمة لا يصدقون أن أنور ر. أصبح معارضاً بالفعل. في العادة كان المنشقون يسجلون فيديو يعلنون فيهم انشقاقهم أمام الملأ. وفي الفيديو يعرضون بطاقات خدمتهم الشخصية وما يدل على عملهم في أجهزة ومؤسسات النظام وأسباب انشقاقهم. أنور ر. لم يعلن انشقاقه في فيديو كما فعل غيره.
عقد رياض العزم على تأسيس حزب، رغم التحذيرات. غير أنه اعتقل في أيلول/سبتمبر 2001. كُرم بـ” جائزة فايمر للسلام” الألمانية عام 2003 وهو في المعتقل. لم يُطلق سراحه إلا في كانون الثاني/يناير من عام 2006. خرج ليجد أن شركته قد دمرت، غير أن فترة الاعتقال قوّت إرادته وتصميمه. أحد البرقيات المسربة عن طريق ويكليكس، تظهر أن رياض سيف التقى بعد أيام قليلة على إطلاق سراحه بأحد دبلوماسي السفارة الأمريكية في دمشق. وحسب البرقية خطط رياض سيف لتأسيس حزب ووضح للدبلوماسي الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة بها دعم التغيير السياسي في سوريا.
محاولات قتل
تحدث رياض سيف أمام المحكمة عن اعتقالات متكررة تعرض لها وعن التحذيرات من لقاء دبلوماسيين أو صحفيين. وقد شارك في المظاهرات بداية عام 2011. وروى للمحكمة كيف اعتدى عليه “الشبيحة” (بلطجية النظام) في خريف 2011. “أرادوا قتلي. هاجموني بقضبان حديدية”.
أدى المرض إلى ارتعاش يده اليمنى عدة مرات أثناء إدلائه بشهادته، بيد أن صوته بقي بذات الحزم. بعد أن سألته القاضية عن هربه من سوريا بدأ الرجل في البكاء. رُفعت الجلسة لوقت قصير.
يتذكر رياض جيداً: كان يوم 13 حزيران/يونيو من عام 2012 عندما غادر وطنه. في اليوم الذي قبله أطلق النار على بيته. بعد خروجه من سوريا ذهب أولاً إلى القاهرة ومن ثم حط رحاله في برلين. في العاصمة الألمانية التقى رياض في آب/أغسطس من 2012 وزير الخارجية الأسبق غيدو فيسترفيله. “أقدر في رياض سيف سعيه الدؤوب والذي لا مصلحة شخصية له فيه من أجل سوريا مدنية وديمقراطية واجتماعية”، قال فيسترفيله عن رياض الذي أضحى من أهم الشخصيات السورية المعارضة في الخارج.
مساعدة المنشقين
في نفس عام خروجه من سوريا، سمع رياض لأول مرة باسم أنور ر.، وقد حدث الاتصال بينهما عن طريق صديق قديم لابنه في أحد الفروع الأمنية. قال الصديق، حسب رياض، إن أحد كبار المنشقين تقطعت به السبل في الأردن وإنه يخشى على حياته هناك.
رغب رياض في مد يد العون. لذا قام بتقديم ملفه لوزارة الخارجية الألمانية. في ذلك الوقت كانت المعارضة تولي اهتماماً كبيراً للمنشقين. وكان يؤمل أن يقدم أنور ر. معلومات مهمة عن النظام. بيد أن رياض سيف وضح أن أنور ر. لم يقم بذلك.
لدى رياض تفسيراً يوضح سبب إدارة أنور ر. ظهره للنظام وانشقاقه عنه. ينحدر أنور ر. من منطقة الحولة في حمص والتي شهدت واحدة من أوائل مجازر النظام السوري الكبرى، حيث قتل في أيار/ مايو 2012 أكثر من 100 إنسان. يعتقد رياض أن عائلة أنور ر. هي من ضغطت عليه لترك عمله في النظام والانشقاق.
السوريون الحاضرون في قاعة المحكمة لا يصدقون أن أنور ر. أصبح معارضاً بالفعل. في العادة كان المنشقون يسجلون فيديو يعلنون فيهم انشقاقهم أمام الملأ. وفي الفيديو يعرضون بطاقات خدمتهم الشخصية وما يدل على عملهم في أجهزة ومؤسسات النظام وأسباب انشقاقهم. أنور ر. لم يعلن انشقاقه في فيديو كما فعل غيره.
تأثر المراقبون بشدة بشهادة رياض سيف. رغم وضعه الصحي يدلي الرجل بشهادته ويجيب على الأسئلة. ولكن في نهاية يوم طويل وشاق من أيام المحكمة تراجع تركيز رياض سيف. وبعد أربع ساعات من استجواب الشاهد رفعت القاضية الجلسة. يبدو رياض سيف منهكاً. ولكن ليس رياض سيف هو وخده من أنهك؛ إنها محاكمة تؤثر بشدة على كل المشاركين فيها: شهوداً ومتهمين وقضاء وموظفين.
ماتياس فون هاين/خ.س
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020
———————————–
=============================