المعابر بين مناطق النظام والمعارضة في إدلب: “تكاليف التهريب الباهظة وعلى عينك يا تاجر”/ تيم غوراني
انتشرت الحواجز العسكرية في سوريا مع بداية الثورة عام 2011، وسرعان ما تحوّلت مناطق سيطرة مختلفة عام 2012، لتصبح بشكل تدريجي مناطق نفوذ لأطراف مختلفة واستحدثت تلك الأطراف معابر شبه رسميّة في ما بينها لنقل المدنيين والبضائع.
تهريب البشر من دمشق إلى إدلب: 1800 دولار
“طريق تهريب مؤمّن ومضمون من أي مكان في سوريا إلى ادلب من دون الحاجة إلى أي إثبات شخصي”، كثيرة هي الترويجات التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في إدلب عن وجود طريق تهريب للمطلوبين من قبل نظام الأسد، ولكن هذا الطريق يحمل في طيّاته الكثير من المعاناة المادية والجسدية والأهم المعاناة النفسية.
أتى خالد المحيميد الشاب الثلاثيني من دمشق إلى إدلب عبر مهرّب اسمه أبو سارة. يقول خالد “استطعت الوصول إلى أبو سارة من خلال فيسبوك، وقلت له إنني أريد الذهاب من دمشق إلى إدلب، فرحّب بي؛ فأنا سلعة تجلب له الأرباح، وسألني عن أي مكان يمكن أن أكون فيه في دمشق، ولم يتوقّف عن طمأنتي وعرض لي الضمانات، وأكد أنه لا يريد حسابه البالغ 1800 دولار قبل وصولي إلى إدلب”.
كان الخوف لا يفارقني، فسأمضي في طريق مليء بالمخاطر، وأي خطأ يمكن أن يودي بحياتي، إنما ما كان يواسيني، أن هناك آلافاً خرجوا من الطريق ذاته. توجّهت إلى المنطقة المتّفق عليها في دمشق، وأتت سيارة أجرة من نوع “كيا ريو” صفراء. من دون أي كلمة قال لي “تفضّل”، وبعدها مررنا بحواجز عسكرية عدة داخل دمشق، لننتقل إلى سيارة أخرى، وكان فيها 3 ركاب، علمت على الطريق أنهم مثلي يريدون الوصول إلى إدلب.
في الطريق، لم يسألنا أحد شيئاً، ببساطة كنا نمر من أعتى الحواجز الأمنية. فيكفي أن يعطي السائق للعسكري مبلغاً من المال، فيدّعي له بالسلامة. في مدينة حماة غيّرنا السيارة وركبنا مع عدد آخر من الأشخاص الهاربين واتّجهنا إلى إدلب.
تغيّرت الأمور بعد مدينة حماة، إذ ازداد التوتر والصعوبات. أنت الآن في مرحلة الانتقال إلى مناطق سيطرة المعارضة، ولكن من دون أي عناء يذكر وصلنا إلى منطقة نائية في ريف إدلب الشرقي، ليقول لنا السائق “الحمد لله على السلامة وصلتم بخير”.
يعبر كثيرون هذه الطرق لتفادي الوقوع في يد القوات الأمنية في مناطق الأسد، ومعظم الأشخاص هم مطلوبون للخدمة العسكرية، ومافيا التهريب تعمل بعلم القوات كافة. فهي معروفة من قبل قوات الأسد وأيضاً من قبل المعارضة، ولكن لكلا الطرفين استفادة دائمة منها سواء مادية أو خدمية. وتُعتبر المنطقة الشرقية لإدلب المركز الرئيسي لتهريب البشر وهناك عدد من الطرق لهذا الأمر.
حاجز المخابرات الجوية للسائقين “اجلبوا المطلوبين”
التقى “درج” بـ”ع.م” وهو سائق سيارة أجرة على خط حماة- إدلب، وقد ادّعينا بداية الأمر أننا زبائن نسأل عن إمكان إحضار شخص من مدينة حماة، وبكل حفاوة أجاب السائق: “أيّاً كان الشخص يمكن أن أحضره، ولكن تختلف التسعيرة التي يحدّدها الوضع الأمني للشخص من جهة، ومن أي مدينة هو من جهة أخرى، إذ إن أهالي مدينة إدلب يمكنهم التنقل بسهولة بتكلفة الوقود فقط، بما يعادل 10 دولارات بين حماة وإدلب، بينما أهالي حماة وحمص ودمشق فيختلف الأمر بالنسبة إليهم، فيترتّب عليهم الكثير من الإجراءات إن أرادوا السفر بشكل رسمي، ولكن يمكن من طريق الدفع للحواجز تمرير أي شخص، مهما كانت تهمته لدى النظام”
يقول “ع م” إنّ “حواجز الأسد، وخصوصاً حاجز المخابرات الجوية عند مدخل مدينة حماة الشمالي، المعروف باسم “حاجز دوار السباهي” الذي يأخذ النصيب الأكبر من المال، يطلب منا باستمرار أن نحضر مطلوبين لكي يتم تهريبهم إلى إدلب، بغية الحصول على المال لا اقتياده للاعتقال، فهناك مبالغ هائلة تدخل الحواجز بسبب التهريب الذي يسير بشكل علني على أنه سلعة لها جمرك خاص بها من دون أي معوقات تذكر”.
يكمل السائق حديثه لـ “درج” مفيداً بأنّ “80 في المئة من حالات التهريب هي لنقل نساء يخرجن إلى إدلب بغية زيارة أقاربهن الموجودين فيها، وللنساء تسعيرة مختلفة عن الشبان، وهي وسطياً بين 200 إلى 300 دولار، وذلك يعتمد على مزاج الضابط المناوب على الحاجز”، مؤكداً أن الضابط “أبو حيدر من بلدة حلفايا” هو الأكثر تشدّداً وأنهم يتجنبون التهريب في نوبته لأنه يطلب مبالغ كبيرة.
بصعوبة بالغة وافق السائق “ع.م” على الإدلاء بهذا التصريح، إذ تملّكه الخوف عند معرفة أننا جهة صحافية تسعى إلى نشر تلك المعلومات وطلب عدم ذكر اسمه كي لا يكون المعتقل المقبل.
الدخان والحشيش السلع الأكثر ربحاً
لا يقتصر الأمر على تهريب البشر بين المنطقتين بل يشمل أشكال التهريب الأخرى كافة، كالأسلحة والبضائع المتنوّعة، ولكن الأهم هو تهريب الدخان والحشيش، الذي يُعتبر السلعة الأكثر ربحاً ورواجاً لسهولة ترويجها وبيعها.
يقول محمد الغابي وهو من بلدة التوينة في ريف حماة الغربي إن المركز الرئيسي لتهريب الدخان والحشيش هو منطقة قلعة المضيق وكامل سهل الغاب الذي يقع في منطقة تماس بين مناطق المعارضة ومناطق قوّات الأسد، وعزا ذلك إلى الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث يمكن بسهولة التنقل بين الطرفين مع قلة الانتشار العسكري فيها، فهناك مسافات تصل إلى 10 كيلومترات تفصل بين نقاط المراقبة العسكرية لطرفي النزاع.
يكمل محمد لـ”درج”: “الدخان لا يعتبر مشكلة فهو منتشر كثيراً، والمدخّنون أصبحوا جزءاً أساسياً في المجتمع، لكن المشكلة تكمن في الحشيش لما له من مضار صحية وإدمان كبير، وللأسف فإن المهربين معروفون في المنطقة، إذ هناك أنواع سيارات معينة يركبونها من نوع كيا سبورتاج أو هيونداي سنتافي ومن الطراز الحديث”.
ويوضح محمد أن “أحرار الشام الفصيل العسكري المسيطر على المنطقة شنّ حملات عدة ضد المهربين، ولكن لم تأتِ بنتيجة إلى الآن، فالمهرّبون شبكة كبيرة لها علاقات قوية مع الفصائل ذاتها”.
مكتب لمرافقة البضائع في مدينة حماة
على رغم الانتشار والتسهيلات الكبيرة للتهريب والقيام به بشكل علني، لا يُعدّ هذا شيئاً يُذكر أمام المكتب التي قامت بإنشائه قوات الفرقة الرابعة في مدينة حماة، أو ما يسمّى بـ “مكتب الترفيق”، وهو مكتب يقدّم خدمة تسيير رتل عسكري مع البضائع وإيصالها إلى أي مكان في مناطق سيطرة النظام. وبحسب أحد التجار في مدينة حماة والذي تحفّظ عن ذكر اسمه أو نوع تجارته، إن كثيرين من التجّار يلجأون إلى هذا المكتب ويدفعون له التكاليف الباهظة، ولكن على رغم ذلك فإن هذا المكتب يؤمّن قوّة عسكرية قادرة على ردع الحواجز العسكرية للنظام والتي تطلب مبالغ كبيرة جداً، ببساطة دفع مبلغ معين يضمن لك سلامة الحمولة أفضل بكثير من أن تتم سرقتها أو مصادرتها على الطريق.
تسعيرات محدّدة لعبور البضائع
في مصدر مواز للتهريب، تضع الحواجز العسكرية التابعة لطرفَي النزاع تسعيرات للسلع والبضائع للسماح لها بالمرور.
استطاع “درج” معرفة بعض هذه التسعيرات التي تحدّد على الشاحنة الواحدة، فشاحنة الحديد يؤخذ منها 1500 دولار، بينما شاحنة القطع الإلكترونية تكلفتها 2000 دولار، ووسطياً تقدّر المبالغ المدفوعة لكل شاحنة بين 500 و3000 دولار بحسب نوع الحمولة، ولكن هذه المبالغ تدفع لمرّة واحدة للحاجز الأول الذي يعتبر حدودياً بين المنطقتين.
بدأت هذه الحال بين مناطق المعارضة ومناطق النظام منذ عام 2012، مع بداية اتّضاح مناطق السيطرة لكلا الطرفين، واستمرّت حتى يومنا هذا مع تغيّر خريطة السيطرة، ويحيط بإدلب 4 معابر رئيسية بين الطرفين “معبر مورك” والذي يعتبر المعبر التجاري الأول على أوتوستراد دمشق- حلب، “معبر العيس” في ريف حلب الجنوبي وهو لنقل البضائع والمسافرين، “معبر قلعة المضيق” وهو في ريف حماة الغربي ومعظم العابرين منه من المسافرين كالطلاب والموظفين بشكل يومي، إضافة إلى معبر “المنصورة” المستحدث في ريف حلب الغربي ولم تتضح إلى الآن طبيعة عمل هذا المعبر.
درج