الناس

خريطة جادة لعودة النازحين/ أحمد عمر

 

 

يجري الحديث عن ضمانات العودة إلى حضن الوطن، والذين يتحدثون عنها هم الآخرون: روسيا والأمم المتحدة ودول الجوار، التي تستشعر همّ اللاجئين، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق. اللاجئون قنبلة غير موقوتة، ليس لها وقت تنفجر فيه، وقد أشرفت “الأونروا”، وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، على لفظ أنفاسها الأخيرة.

وكان يمكن للنظام، الذي دحر المؤامرة الكونية بمساعدة إقليمية، بل كونية، أن يرسل رسائل عاطفية من تحت الماء، غير الرسائل التي لها مفعول مضاد، مثل رسالة بطل اللاشعور سهيل النمر، الذي زجر المراسل الوطني المناضل شادي حلوة عندما هتف لسوريا، فأمره بأن يهتف للأسد، فسوريا لا تعني شيئاً من غير الأسد، وغير رسالة عصام زهر الدين، الذي كشف سريرة النظام، عندما قال: حتى لو سامحتكم الدولة فلن نسامحكم، وأقسم بذقنه، وهو ما يعرفه اللاجئون، بل لا يعرفون أمرأ غيره.

أمس شاهدت حلقة الاتجاه المعاكس، وتمنيت لو تذكّر أحمد كامل خطاب الرئيس، الذي قال فيه: السوري ليس من يحمل جواز السفر السوري، بل هو من دافع عنها، “واللاجئ السوري ليس أكثر من هارب من المعركة، ففقد الجنسية. علماً أنه ترك دياره لروسيا حتى تتدرب فيها على القصف، وهذه تضحية كبيرة، وخَلّف تجارته وبيته للنهب والتعفيش، وهذه أيضا تضحية وجهاد.

لمّ يعود اللاجئ الهارب بروحه؟ وليس أغلى من الروح سوى الكرامة، وقد فقد ذكرياته، ومحيت آثار حضارة آلاف الأعوام بممحاة البراميل والإذلال والسلب، حتى لم يبق من الوطن سوى الأنقاض، التي نصب فيها نظام الخلافة “العلمانية ” معامل الفن التشكيلي، وجعل سوريا مثابة للأفلام الطائفية السافرة مثل “مطر حمص”.

اللاجئ يعيش حياة جديدة في المنافي عدا لبنان، بمكانه المعادي اللافظ، وبطوائفه المتخاصمة. واللاجئ في لبنان هو المقصود بأناشيد العودة، لضيق لبنان، وخطورة اللاجئ على التوازن الديمغرافي فيه. في تركيا يستطيع السوري اكتساب المواطنة بطلب، فيصير مواطناً تركياً، من غير شرط اللغة والزمن والعمل، الذي تفرضه الدول الأوروبية، وغرامة تطليق الزوجة السورية المتزوجة من تركي؛ كبيرة، صوناً لها من الاحتيال العاطفي أو المالي. وترصد دول أوروبا للاجئ مليون يورو سنوياً للصحة، وسواها؛ كالسكن والدراسة، ويستطيع أن يتزوج شقراء أوروبية، فيصير أوروبياً، وفي مواقع التواصل فيديو شهير لسوريين يعاركان شرطيين ألمانيين، وينتزع أحدهما هاتفه من الشرطي. عاش السوري في بلده منذ عهد عاد ونوح، لكنه فقد الجنسية مع الحركة التصحيحية المباركة، التي حولت شعب سوريا، بعد حفلة “الباربكيو” البشرية على الهواء مباشرة،  إلى طائفتين هوتو وتوتسي وأقليات أخرى على المائدة.

لمَ يعود السوري إلى بلاد وباء السكتة القلبية؟ وفي أحسن الأحوال سيصير جندياً في جيش العبيد أوسكتة قلبية. علمنا أمس أن الحركة التصحيحية جنّدت 50 ألفاً من العائدين، أو من حصاد المصالحات الوطنية. أغلى عتاد الجندي الهوتو السوري هو جزمته، سيحمل بندقية خالية من الرصاص، ليُقتل بيد أخيه، إن عيش الذل أولى بالعبيد.

كان يمكن للنظام الكيماوي المحمي حتى هذه اللحظة بتعويذة الفيتو وحسن خدمته ك”بادي غارد” للحدود الإسرائيلية، أن يبعث رسائل للضحايا والمهجّرين غير رسائل الحديد والنار وطاعون السكتة القلبية: كأن يحاكم صورياً أحد مجرمي الحرب،

كأن يعترف بوقوع تعذيب حتى الموت، كأن يصوّر مظاهرة تهتف ضد الرئيس المفدّى، كأن يعترف بأخطاء فردية تسببت في قتل مليون إنسان، كأن يقرّ بأنّ البراميل كانت سلاحاً رخيصاً، لكنه غبي، كأن يفرج عن بعض مشاهير المعتقلين مثل: عبد العزيز الخير، وطل الملوحي، وزكي كورديللو، وابنه مهيار، ذراً للرماد في العيون الكواحل، هذا إذا لم يقضوا بالسكتة القلبية. كأن يتصرف النظام مثل الهندوس، فيعيد رماد الجثث إلى أصحابها. كأن ينصب الضامن الروسي صناديق للشكوى في الساحات، ويبتَّ في بعضها. كأن يوزع على العائدين سترات واقية من الرصاص، وأجهزة تنفس، وقاية من الكيماوي كتلك التي أسفل مقاعد الطائرات.

كأن يعتذر الرئيس عن وصف التجانس، ويعتبرها زلّة لسان، كأن يعتذر لرياض سيف السبّاق إلى وصف الفسيفساء، الذي حوله إعلامه إلى نشيد يومي، كأن يرفض أن يصاغ الدستور في جنيف، ويطلب صياغته في أحد المخيمات، كأن يزيل كل الأصنام من الساحات، حلاً وسطاً، لا أن يعيد صنم أبيه إليها، كأن يجري مع إدلب مصالحات وطنية، كأن يغير سبب موت المعتقلين إلى غير السكتة القلبية، من أجل شعار التعددية: مثل السرطان، تشمع الكبد والزكام. كأن يغري الذكور العائدين بعرس جماعي بدلا من الجنازات الجماعية، وقد ناف عدد الإناث فوق الثلاثين إلى نصف مليون، فسورية بتاء التأنيث، بالقوارير، أسهل حكماً، وكسراً، و..اغتصاباً.

كأن تقوم صحافة دولية موثوقة بزيارة أحد المعتقلات السورية، لنتأكد من صدق مقولة الوزير بيار رفول: إن السجون السورية أحسن من سجون سويسرا والسويد.

كأن نرى أهل القصير وأهل داريا، وقد عادوا إلى أنقاضهم فرحين، كما في مقدمة مسلسل “افتح يا سمسم”، كأن يجعل المعتقلات السورية من بلور شفاف، تصديقاً لشعار الشفافية، لنتمتع برؤية التعذيب في أحواض المخابرات الزجاجية، كأن يعتكف الرئيس للأعمال الخيرية، ويلحق بأخيه الحاج زين العابدين بن علي، كأن يستورد النظام حيوانات من أجل حديقة حيوانات فيها أسد، فالشعب السوري أيضاً يحتاج إلى ترفيه وتعويضات نفسية بعد انتهاء الحرب، وليعلم أن عهد المواطن الحيوان أوشك على الانتهاء.

ضمانات سهلة وميسورة، كأن ينشر مقالي في صحيفة سورية مثل: الثورة أو تشرين أو البعث، وهي صحيفة بأسماء ثلاثة، كأن يمنح أديب معارض جائزة الدولة التقديرية، فيمنح الممنوح تكرماً قيمة الجائزة لمؤسسة رامي مخلوف الخيرية، وقيمتها الرمزية لجميل حسن، مدير معامل السكتة القلبية، على حسن رعايته للمعتقلين في سجونه السويسرية.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى