العفو الدولية:انتشال جثة كل دقيقة في الرقّة/ وليد حسين
أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها على مصير ملايين المدنيين خارج المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، داعية روسيا وتركيا وإيران إلى الحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية أخرى، لاسيّما أنّ المرحلة السابقة شهدت انتهاكات عديدة، سواء من قبل الحكومة أو من قبل المعارضة في مناطق الغوطة ودرعا وحلب وغيرها من المناطق في سوريا.
واعربت المديرة العامة للبحوث في المنظمة آنّا نيستات، في المؤتمر الصحافي الاول للمنظمة في بيروت، الجمعة، عن قلقها الشديد وتحفّظ المنظمة على الحديث عن الوضع السوري الذي يركّز على ملف إعادة الاعمار وبناء المساكن لعودة النازحين، من دون التطرق إلى الملفات الحقوقية والانتهاكات التي ما زالت قائمة، فضلاً عن وجود عشرات الآلاف من المعتقلين والمخفيين.
واعتبرت نيستات أن الساعات الـ72 التي أعطيت للمدنيين لإخلاء المنطقة قبل أن يبدأ الهجوم غير منطقية، فخلال هذا الوقت يجب ترحيل المدنيين الى المنطقة العازلة التي يجب ان تكون جاهزة لاستقبالهم نظرياً، لكن إمكانية انتقال الناس خلال 72 ساعة وهمٌ. وأضافت أن الجزء الأسوأ هو “أننا نعلم تحديداً ماذا سيحصل لحظة تبدأ عمليات الهجوم. لسنا بحاحة إلى تكهّن ما سيجري، رأينا ما جرى في حلب ونعلم أنه سيكون هناك خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، ودمار، ومفقودين، واعتقالات ونزوح واسع. وإذا ما رأينا شيئاً فقد رأينا أمراً واحداً في محيط إدلب هو مدى قوة الحكومة الروسية ودعمها للنظام السوري الذي وفي حال استأنف الهجوم سيقضي في طريقه على ارواح المدنيين أكثر مما سبق”.
وكان فريق عمل المنظمة قد مكث في منطقة الرقة السورية لأشهر عديدة، وثّق فيها الانتهاكات الحاصلة. واعتبرت نيستات أن الوضع في الرقة، التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” لأكثر من ثلاث سنوات، صادماً على الصعد كافة. وتشير إلى أن المدينة مدمرة بشكل كامل، وسويت 80 في المئة من مبانيها بالأرض، حيث دُمّر 30 الف منزل بشكل تام و25 ألف منزل بشكل جزئي. ويوجد أماكن عديدة دفن فيها عشرات الالاف من الاشخاص.
وتابعت، أنه في اليومين الماضيين تم انتشال 2521 جثة، وهذا الرقم مرجح إلى التصاعد. وفي معظم الاماكن التي عاينتها المنظمة عن كثب كان يتم انشال جثة كل دقيقة تقريباً، وهناك تقديرات بأن 3000 جثة ما زالت بحاجة للانتشال.
وأكّدت المنظمة أن أكثر من 90 في المئة من الجثث تعود لمدنيين، وغالبيتهم قتلوا بسبب ضربات التحالف الدولي. وأسفت أن التحالف لا يعترف إلا بإصابة 77 مدنياً فقط، كاشفة عن أن التحالف لم يجر ولو تحقيقاً واحداً على الارض، لاسيّما أن جميع المدنيين الذين التقتهم المنظمة أكّدوا على ان ليس من ممثل واحد عن التحالف أتى لاستطلاع رأيهم حول أفراد عائلاتهم الذين قتلوا.
وقالت “العفو الدولية”، إن الجهود المبذولة لإعادة الحياة الى هذه المدينة ضئيلة. فمعظم المباني لم يتم ترميمها، والكهرباء بالكاد متوفرة، وشبكات الري غير موجودة. لكن المشهد الأقسى هو واقع المدارس، فالعديد منها مهدمة لكن القليل منها فتحت أبوابها لتستقبل أكثر من الف طالب. أمّا جدران الصفوف فتزينها فجوات القنابل والشبابيك مكسرة والسلالم أيضاً. وثمة أمر آخر يدق ناقوس الخطر وهو كل ما يتعلق بالمقابر ونبشها وتحديد هوية الضحايا ثم دفنهم.
ولفتت المنظمة إلى أن فرق الإنقاذ، التي تعمل على انتشال آلاف الجثث التي دفنت في محافظة الرقة لا يزيد عدد أعضائها عن الثلاثين. ولا يوجد أطباء شرعيون، ولا لأي إمكانية لتحديد علمي للهوية. فالشخص الوحيد الذي يساعدهم في تحديد الهوية هو طبيب صحة عامة، وليس لديهم معدات ولا سبل حماية، كما أن التمويل القليل الذي يملكونه ينتهي في آخر هذا الشهر. وعليه لا أحد يعلم ماذا سيجري لثلاثة آلاف جثة ما زالت مرمية في الأرض حين ينتهي تمويل هذا الفريق. لذا يجب على التحالف، الذي يملك المال اللازم لتمويل هذه الحملة العسكرية الباهظة، أن يكون لديه التمويل اللازم لمعالجة تبعاتها.
وطلبت المنظمة من روسيا ممارسة الضغط على النظام السوري، كي يسمح للمنظمات الدولية العودة لتقديم الخدمات، ومن الحكومة التركية الضغط على المعارضة المسلحة، ولاسيّما في منطقة عفرين، للكشف عن مصير الاف المعتقلين والمخفيين قسراً والتوقف عن الاعتقالات التعسفية ونهب البيوت ومصادرة الاملاك.
من جهتها، اعتبرت الباحثة في الشؤون السورية ديانا سمعان، أن الحديث عن إعادة إعمار سوريا جيد، لاسيّما أنها سياسة تساعد في ايواء النازحين، لكن فعالية الاعمار يجب ان تترافق مع خطوات جدية من قبل الحكومة بتشجيع النازحين للعودة. وللأسف كل الحديث يتركز على اعادة الاعمار ولم تتخذ الحكومة أي اجراء جدي لتأمين عودة آمنة لهم.
على المستوى الإنساني، منعت الحكومة السورية المنظمات الانسانية تقديم الخدمات للمدنيين ولم تقدم لها تعهدات تضمن سلامة الافراد العاملين فيها، ما أدى إلى خروج تلك المنظمات الى مناطق مثل إدلب أو خارج سوريا. وقد وضعت الحكومة شروطاً قاسية على المنظمات للسماح لهم بالعودة؛ على سبيل المثال التوقف عن تقديم الخدمات الانسانية في ادلب وفي بقية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وهذا يمثل عقاباً جماعياً لجميع المواطنين الذين كانوا في المناطق سيطرة المعارضة.
على المستوى الامني، تفرض الحكومة تفتيشاً امنياً مشدداً داخل الفروع الامنية لجميع العائدين. علماً أن المنظمة كانت قدّ وثقت انتهاكات وجرائم ضد الانسانية في تلك الفروع، شملت الاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل تحت التعذيب والاخفاء القسري. وتشير سمعان إلى أنه إذا كانت الحكومة السورية جدية بعودة النازحين، فعليها التوقف عن هذه الممارسات في الفروع الامنية والافراج عن المعتقلين ووقف التعذيب والكشف عن مصير عشرات الاف الاشخاص المخفيين قسراً. ففي الفترة السابقة كشفت الحكومة عن بعض المخفيين لكن عليها أن تسلم جثامين الضحايا إذ لا يكفي القول للأهالي إن اولادهم قتلوا.
واعتبرت سمعان أن على الحكومة السورية تأمين الخدمات الاساسية وفتح مكاتب خاصة كي يتمكّن اهالي الضحايا من تسجيل خسائرهم، وتقديم شكاوى عن الانتهاكات التي حصلت خلال الحملات العسكرية.
تجدر الإشارة إلى أنه كان من المفترض أن يلقي أمين عام منظمة “العفو الدولية” كومي نايدو، بيان “المنظمة”، لكن إشكاليات طارئة متعلقة بالحصول على تأشيرة دخول منعته من التواجد في بيروت. ولدى عودته من زيارة ميدانية إلى الرقة في سوريا، سجّل ملاحظاته حيث وصف الوضع بالكارثي “فالمدينة عبارة عن هيكل مبانٍ بعد تعرضها لقصف مدمر بالقنابل، فلا يوجد مياه للشرب أو كهرباء، ورائحة الموت تنتشر في الهواء. وأي شخص يستطيع العيش هناك فهو يتحدى المنطق، ويقف شاهداً على الصمود الرائع للمدنيين في المدينة”.
المدن