الناس

عن مشكلات اللجوء السوري -مقالات مختارة-


السوريون في تركيا..وقود الانتخابات/ عائشة كربات

أحد أكثر بنود جدول الأعمال سخونة في الانتخابات المحلية المقبلة في 31 آذار/مارس في تركيا هو سوريا واللاجئون السوريون. للآسف، يتم التعامل مع هذه القضية من قبل الحكومة والمعارضة بطرق سلبية للغاية.

يتزايد الموقف السلبي ضد السوريين يوماً بعد يوم لأسباب عديدة، بينها تدهور الأوضاع الاقتصادية. غالبية المواطنين الأتراك الفقراء يوجّهون غضبهم واستياءهم تجاه اللاجئين السوريين. يزعمون أن الإيجارات والبطالة ترتفع منذ جاء اللاجئون السوريون، ولا يدركون حقيقة أنهم يتقاسمون الظروف المعيشية الصعبة. كلاهما يعامل كعمالة رخيصة ووسائل الإعلام تنشر قصصاً عن القتال الشامل بين الأتراك والسوريين في الأحياء الفقيرة.

يقول حزب “العدالة والتنمية” وحزب الحركة القومية المتحالف معه إن الاقتصاد يواجه صعوبات بسبب القوى الأجنبية التي تريد إيذاء تركيا على خلفية مقاومتها لخطط القوى الإمبريالية في مسعاها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً إن الأجانب “يريدون ضربنا. فالذين يسألوننا عن أسعار الطماطم والبطاطس يمهدون الطريق أمامهم. بينما نحن نقاتل، يتحدثون عن أسعار الخضروات. هل يعرفون ما هو سعر الرصاصة؟”.

تعتبر الحكومة وحليفها أيضاً أن تركيا تواجه تهديداً وجودياً وأن التصويت لصالحها هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد بسبب الوضع في الشرق الأوسط. كما أنهم يعدون بإرسال بعض اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد عملية عسكرية مفترضة شرق الفرات. وفي إطار حملات العلاقات العامة، تقوم بعض البلديات بالإعلان عن أعداد السوريين الذين غادروا هذه البلديات. هناك حتى مراسم وداع.

تتظاهر الحكومة بأنها غير مدركة لحقيقة أن معظم السوريين موجودون في تركيا ليبقوا، لذا فإن مرشحيها لمناصب العمدة لا يقدمون أي سياسات أو إجراءات تتكامل معهم.

ومع ذلك، فإن المعارضة لا تقترح أي مشاريع تكامل أيضاً. إنهم يتحدثون أيضاً عن إعادة السوريين إلى بلادهم. يزعمون أنه في العملية العسكرية الموعودة، سيقاتل الجنود الأتراك، لكن الشباب السوري في تركيا سيواصل التمتع بالحياة.

المعارضة، سواء لجهة حزب الشعب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي أو حزب الخير القومي، هي من خلال خطابها تساعد على زيادة خوف المجتمع من السوريين. وبدلاً من التشكيك في الأسباب التي أدت إلى خسارتهم جميع الانتخابات السابقة ضد حزب العدالة والتنمية، يزعمون أن الحكومة تزوّر الانتخابات. وفقاً للمعارضة، فإن الحكومة ستجعل السوريين يصوتون في الانتخابات وتعتبر ذلك تزويراً للانتخابات.

بإبقاء قضية اللاجئين السوريين على جدول الأعمال، تحاول المعارضة إجبار الحكومة على الاعتراف بأخطاء سياستها السورية.

وسائل الإعلام تمتلئ بالأخبار المزيفة عن السوريين في تركيا. في حين أن الانتخابات تقترب، فإن التردد آخذ في الازدياد. لم تكن الحكومة قادرة على تأسيس سياسة تواصل بناءة بخصوص اللاجئين السوريين وهي تحافظ على نفس الخط في الانتخابات. عندما يشتكي الناخبون منهم، فإن الشيء الوحيد الذي يفعلونه هو نصحهم بالصبر مع جرعة وعود بأن تتم إعادة اللاجئين إلى سوريا. وسائل الإعلام المسيطرة ليست محايدة ولا جديرة بالثقة، وموقفها ليس مسؤولاً على الإطلاق لأنها لا تتردد في نشر قصص اللاجئين المعادية لسوريا. هناك حوالي 4 ملايين سوري في تركيا، لكن لا يوجد مراسلون للشؤون السورية في تركيا.

باختصار، فإن الأجواء المناهضة لسوريا الموجودة بالفعل في تركيا تتزايد مع قرب الانتخابات وتتجه نحو نقطة خطيرة. ومع ذلك، فإن المجتمع التركي الذي رحب باللاجئين السوريين في البداية ولكنه غير راضٍ عنهم الآن، ذلك المجتمع بشكل عام، لديه ضمير أيضاً. يتأثر هذا الضمير سلبًا بخطابات الكراهية في السياسة، وليس العكس، لأنه في أعماق القلوب، يعرف أنه كشعب يعيش في القارب نفسه مثل باقي شعوب الشرق الأوسط.

المدن

اللاجئون السوريون والسياسة اللبنانية “القوية”/ يوسف بزي

يستمد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون صفة “الرئيس القوي” من تبنيه جملة “خطط” سياسية، هي بمثابة هواجس مسيحية وجودية. أي إنه يعدهم كرجل حازم، يعمل بإصرار وقوة، على تبديد أسباب “الخوف” والضعف اللاحق بالمسيحيين في لبنان.

وعلى هذا الوعد، حاز تكليفاً شعبياً مسيحياً عريضاً في قيادتهم كما يشاء، فعقد تفاهماً شهيراً في 2006، مع “حزب الله”، كضمانة وكاستقواء في آن واحد. إذ يضمن له وللمسيحيين شراكة متوسعة في السلطة وإدارات الدولة، إضافة إلى الامتيازات الطائفية المكرسة دستوراً وعرفاً. وفي الوقت نفسه، يتيح هذا التفاهم، حلفاً سياسياً بالغ القوة بمواجهة المنافسين المسيحيين أولاً، والخصوم من الطوائف الأخرى، السنّة تحديداً. وامتداداً لنظرية “حلف الأقليات”، توسع التفاهم ليشمل سياسياً وعملياً النظام السوري.

ورغم مخالفة سياسة ميشال عون لتاريخه ولكل التاريخ السياسي المسيحي، الذي كان دوماً منحازاً للغرب، إلا أن الفشل الغربي، ومعه ما يسمى منظومة دول الاعتدال العربي، سوغ لعون وللرأي العام المسيحي هذه المخالفة، والانحياز إلى ما يسمى “حلف الممانعة”، وفق منطق المكاسب التي تُجنى من ملاصقة المنتصر.

الكيان اللبناني، هو قبل كل شيء، استجابة لرغبة المسيحيين بالخروج من الإمبراطورية الإسلامية وأزمانها

وما يشغل “المسيحية السياسية” دوماً وأبداً هو الميزان الديموغرافي أولاً، و”الخصوصية الثقافية” ثانياً. فالكيان اللبناني، هو قبل كل شيء، استجابة لرغبة المسيحيين بالخروج من الإمبراطورية الإسلامية وأزمانها، وللامتناع عن الذوبان في كيان عربي واسع ومفترض بعد نهاية السلطنة العثمانية. وطوال عمر التجربة السياسية لهذا الكيان، دولة ودستوراً وتقاليد وذاكرة جمعية ممتدة، تألفت عناصر لسردية ثقافية تصنع تمايزاً في هويته وفي سمات مواطنيه وجماعاته.

ولأن السمة البارزة في الكيان اللبناني وصيغته هي الهشاشة، وحاجته الدائمة لتدبير التوازنات، وترتيب التسويات بين جماعاته المتنازعة والمتباينة، فإن أي خلل ديموغرافي، أكان وافداً من وراء الحدود أو ناتجاً من الداخل نفسه، يدفع المسيحيين للاستنفار أو يجفّل الأقليات الصغيرة، كالدروز مثلاً. ولا تنجو حتى طائفة كبرى كالمسلمين السنّة من هكذا هواجس.

الخوف من الذوبان وضياع “الخصوصية”، رافق تاريخ لبنان كله. فعندما دبّت الحماسة بالمسلمين اللبنانيين لجمال عبد الناصر وللوحدة بين مصر وسوريا، التحقت الدولة اللبنانية التي يقودها المسيحيون بحلف بغداد وطلبت مجيء المارينز الذي نزل إلى شواطئ بيروت عام 1958، إثر اندلاع حرب أهلية مصغّرة، وانتهى الأمر بتسوية بين الرئيسين فؤاد شهاب وجمال عبد الناصر، قوامها حياد لبنان عن المحاور وضمانة عبد الناصر باحترام استقلاله.

وظل هذا التوازن الصعب إلى أواخر الستينات، عندما شعر اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً، أن اللاجئين الفلسطينيين قد تضاعفوا بعد هزيمة 1967، وأن عودتهم إلى وطنهم صارت مستعصية أكثر. وعندما تحول الوجود الفلسطيني إلى قوة عسكرية كبيرة، لها حرية العمل الفدائي انطلاقاً من الحدود، وبتأييد شطر كبير من المسلمين اللبنانيين، أدرك المسيحيون أن كيانهم مهدد جدياً بالزوال، وأن توطن الفلسطينيين بلبنان، سيطيح بكل المعادلة الديموغرافية لصالح المسلمين، ما يحولهم إلى “أقلية” فعلية، عدا عن تمزق “الهوية” اللبنانية وضياع “خصوصياتها” الثقافية بحكم خطر اندماج الفلسطينيين.

بالطبع هذا أهم سبب رئيسي لانفجار لبنان وانزلاقه إلى مسلسل من الحروب، انتهت بما عرف باتفاق الطائف، الذي يتضمن بندين “وجوديين” بالنسبة للمسيحيين. البند الأول هو مبدأ المناصفة في التمثيل والسلطة والإدارة (أي وقف العد السكاني طالما أن المسلمين يتزايدون أكثر والمسيحيون يهاجرون أكثر). هذا مبدأ يضمن حصة متساوية دائماً. أما البند الثاني فهو “رفض التوطين” الذي يستهدف منع تجنيس العرب المقيمين في لبنان، خصوصاً الكتلة السكانية الفلسطينية (تضاءلت خلال العقود الثلاثة من 400 ألف شخص إلى أقل من 200 ألف).

تحرك الدولة اللبنانية اليوم تجاه وجود اللاجئين السوريين. هي ديناميكية لا تأخذ بالاعتبار أي حقائق اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية

نقول كل هذا لا لـ”التفهم” بل لفهم الديناميكية التي تحرك الدولة اللبنانية اليوم تجاه وجود اللاجئين السوريين. هي ديناميكية لا تأخذ بالاعتبار أي حقائق اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في تعاطيها مع هذا الملف، بقدر ما تنتبه لهاجسها الهوياتي الذي وصفناه آنفاً. وهو ما يفسر هذا الإلحاح الكبير عند الدولة لإيجاد أي وسيلة لـ”التخلص” من هؤلاء اللاجئين. هم بهذا المعنى كابوس “أيديولوجي”، يصيب التصور الذي لا يرى لبنان إلا معطى ثابتاً. أي تغير، مهما كان نوعه، يهدد وجوده.

عملياً تتحول هذه الهواجس إلى سياسة “وطنية” كاملة. وعليها، يصبح تعريف الهوية اللبنانية قائما على الضدية من الآخر وعلى نفي هذا الآخر. وفي السنوات الأخيرة، صار “اللبناني” هو رديف الـ”لا سوري”، بعدما كان الـ”لا فلسطيني”، وعند غلاة اللبنانوية هو الـ”لا عربي” عموماً.

السيئ في ما تسميه الدولة اللبنانية “ملف اللاجئين” هو الاستهلاك السياسي الرخيص. فالرئيس عون وتياره السياسي، كما حلفاؤه من أصدقاء النظام السوري، يعرفون أن حزب الله هو الذي يحتل قرى معظم السوريين الموجودين في لبنان. ويعرفون أن النظام السوري نفسه لا يريد عودتهم حتى الآن. والأهم أنهم يعرفون استحالة إجبارهم على العودة من دون إثارة دول العالم كله على لبنان، ويعرفون أن ما يسمى “خطة روسية” هي فكرة غامضة ولا تطبيق لها. هم يعرفون أيضاً أن السوريين أنفسهم لا يطيقون البقاء في لبنان إن أتيحت لهم فرصة العودة حقاً. مع ذلك، هو ملف للبازار السياسي الداخلي، للاستخدام الدعائي والانتخابي وللمنافسة على كسب التأييد الشعبي.

بمعنى آخر، ينتج عن هذه الأيديولوجية السياسية الديماغوجية بامتياز أمر واحد: انحطاط أخلاقي اسمه التمييز والعنصرية. النتيجة نراها بوضوح مثلاً، في الدراسة التي نشرت في دفاتر المعهد الفرنسي للشرق الأدنى Les cahiers de l’Ifpo في 31 كانون الثاني 2014 تحت عنوان تصورات لبنانية للاجئين السوريين في لبنان. يورد الباحث الفرنسي جان باتيست بيسكيه  Jean-Batiste PESQUET نتائج استبيان قام به في الفترة بين 15 و21 أيار 2013 بين 900 لبناني 56 في المئة رجال و44 في المئة نساء.

من بين النتائج الواردة في هذا الاستبيان، نقرأ الأرقام الآتية:

– 82 في المئة لا يُفضّلون (ينظرون بشكل سلبي إلى) زواج أحد من أقربائهم مع سوري.

– 93 في المئة يجدون أن السوريين يشكلون عبئاً على موارد الطاقة في لبنان.

– 98 في المئة يجدون أن السوريين يسرقون عمل اللبنانيين.

– 63 في المئة يجدون أن المساعدات الواردة إلى السوريين هي مساعدات غير مستحقة.

– 64 في المئة يعدون أن وجود السوريين يشكل خطراً على الأمن الوطني وعلى استقرار لبنان.

وهذه وصفة كاملة، لتصنيع عداوة، قد يلزمنا أجيال لمداواتها والعلاج منها. 

تلفزيون سوريا

الموت في استقبال اللاجئين السوريين العائدين

فيما تقترب الحرب السورية من نهايتها وبعدما توقفت البراميل المتفجرة عن بث الرعب في البلاد، تشجع البلدان التي فر إليها السوريون اللاجئون على عودتهم إلى بلدهم. لكن أولئك الذين يقررون العودة، يجدون أن القمع والاضطهاد اللذين دفعا بهم للهرب خارج سوريا ما زالا قائمين. لقد اختفى بعض السوريين الذين عادوا، في غياهب نظام السجون سيئ السمعة في البلاد، وهو تذكير قوي بالأخطار التي يواجهها اللاجئون السابقون حال وصولهم إلى بلدهم.

تحدث موقع Foreign Policy، مع أقارب اثنين من السوريين الذين اختفوا داخل السجن، ويرى النشطاء أن هناك كثيرين مثلهم، فيما احتجز آخرون وجندوا في الجيش.

لقد كانت سوريا ولا تزال دولة بوليسية تسيرها الحكومة نفسها والجهاز الأمني نفسه، المدان بآلاف الاعتقالات ذات الدوافع السياسية. لكن الحكومات التي تحتضن عدداً كبيراً من اللاجئين، تجد نفسها تحت ضغط سياسي داخلي يدفعها لحث اللاجئين على العودة إلى بلدهم. وحذر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحكومات من أن إجبار اللاجئين على العودة يعد انتهاكاً للقانون الدولي. لكن الدول المضيفة وعلى رغم امتثالها لهذه الأوامر، إلا أنها تستمر في انتهاج سياسات تؤدي إلى النتائج ذاتها، وهو ما أثار انتباه كل من اللاجئين والناشطين.

اختار الشاب آسر العودة من ألمانيا إلى بلده سوريا بعد عجزه عن تجاوز العراقيل البيروقراطية التي تمنعه من جلب خطيبته إلى ألمانيا. إضافة إلى الحافز المادي الذي قدمته له ألمانيا المتمثل في 1200 يورو، أي ما يعادل 1300 دولار تقريباً، لمساعدته على العودة إلى سوريا. و كذلك بسبب تزايد المشاعر المناهضة للاجئين في بلده الجديد.

بعد أسبوعين من عودة آسر إلى دمشق، استدعي للتحقيق في فرع تابع للمخابرات. اتصل بعدها بأفراد عائلته وأخبرهم أنه سيرجع إلى البيت قريباً. لكنهم لم يسمعوا عنه شيئاً منذ ذلك الحين. دفع أهله الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من رد فعل النظام، لوسيط أكد أن آسر قد احتجز. اللجوء لوسيط إلى جمع معلومات عن المختفين والمسجونين يعتبر أمراً شائعاً في سوريا لأن الحكومة لا توفر أي معلومة عنهم.

حكى ابن عم آسر الذي لا يزال مستقراً في ألمانيا قصته شريطة إخفاء هويته: “لقد حاول مرات عدة لم شمله مع خطيبته، لكنه عجز عن ذلك. لقد اشتاق لها وبدأ يشعر بالتعب والإحباط، وكان هذا السبب الأهم الذي دفعه للعودة إلى سوريا”.

المنحة التي قدمتها الحكومة الألمانية لآسر ليرجع إلى وطنه هي جزء من برنامج يسمى Starthilfe، أي “مساعدة البداية”. سخرت ألمانيا ميزانية تبلغ 43 مليون دولار من أجل هذا البرنامج، لتخفيف الضغوط المالية عن الأشخاص الذين قرروا العودة إلى وطنهم. لكن المنتقدين يقولون إن البرنامج هو عامل دفع يقود اللاجئين للمخاطرة والعودة للوطن.

ياسم سوري آخر غادر ألمانيا في الظروف ذاتها، واختفى أيضاً. يقول ابن عمه محمد الذي لا يزال مستقراً في ألمانيا، إن ياسم عجز عن الحصول على الأوراق اللازمة للسماح لزوجته بالالتحاق به. لقد دمرت كل وثائقهم في اليرموك، المخيم الموجود جنوب دمشق والذي عاشوا فيه أثناء الصراع بين الحكومة والمعارضة.

قال محمد: “لقد غادر ألمانيا وقُبض عليه قرب الحدود السورية – اللبنانية. لم نسمع عنه أي أخبار بعد ذلك”، مضيفاً أن ياسم وجد التكيف في ألمانيا صعباً من دون زوجته، خصوصاً في ظل العيش في ثقافة غريبة عنه “لم يستطع التأقلم معها”.

لا أحد يتهم ألمانيا بأنها تصرفت بشكل غير قانوني في حالتي آسر وياسم. لقد اختارا العودة. لكن ردود الفعل العنيفة ضد سياسة فتح الباب التي انتهجتها المستشارة أنغيلا مركل تجاه اللاجئين، عام 2015 أجبرت الحكومة على فرض سياسات تضع اللاجئين في الخطر الذي فروا هاربين منه. تثير هذه الدينامية تساؤلات حول إذا ما كانت الحكومات تتحمل واجب رعاية اللاجئين الذين يعودون إلى بلدانهم بعيداً من النص الحرفي للقانون.

منذ بداية الحرب، اختفى آلاف المواطنين السوريين داخل سجون النظام، من دون وجود سجلات عن مصيرهم أو مكان وجودهم، واللاجئون السوريون معرضون بصورة خاصة لهذا التعامل الجائر. بعض هؤلاء الذين يعيشون الآن كلاجئين كانوا منخرطين في المعارضة والبعض الآخر لديه أقارب كانوا مع المعارضة. وأوضح النظام أنه يعتبر فعل مغادرة البلاد سبباً كافياً ليكون الشخص موضع شبهة.

قالت بيليندا بارتولوتشي، المستشارة القانونية للمنظمة الألمانية “برو أزول” المدافعة عن حقوق اللاجئين، إن قرار برلين بفرض المزيد من القيود على لمّ الشمل العائلي يُمكن أن يُجبر هؤلاء الأشخاص الذين فروا من ويلات الحروب والتعذيب على اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك، العودة إلى بلد قد يواجهون فيه خطر التعرض للاضطهاد أو القتل أو العيش في ظروف غير إنسانية. وأضافت بارتولوتشي أن الحكومة الألمانية بدت غير متفهمة تماماً لتداعيات تلك السياسات. وأردفت قائلةً، إن ما تفعله الحكومة الألمانية قد لا يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، لكن لا تزال ثمة أسئلة أخلاقية يتعين الرد عليها حال إسهامها في قرار عودة هؤلاء الأشخاص الذين لا يزالون عرضة لخطر الاضطهاد. “يتعين على المرء أن يسأل نفسه إذا كان ذلك هو الفهم الصحيح لحقوق الإنسان الذي ينبغي تعزيزه”.

قال بيل فريليك، مدير برنامج حقوق اللاجئين في “هيومن رايتس ووتش”، إن هناك مجموعة من عوامل الحث يُمكن أن ترقى إلى درجة الترحيل القسري أو الإعادة القسرية، حتى في غياب سياسة رسمية تنص على ذلك. وأضاف أنه “وفقاً لمفهوم الإعادة البناءة، فإن الأثر التراكمي للشروط والظروف المفروضة في البلد المضيف، الذي لا ينتهك أياً منها بمفرده مبدأ عدم الإعادة القسرية، يمكن أن يُجبر اللاجئ فعلياً على العودة إلى بلده، ما يعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي العرفي”.

تتبع أحمد حسين، الرئيس التنفيذي لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، عودة اللاجئين الفلسطينيين السوريين على وجه التحديد. ومن الجدير بالذكر أن آسر وياسم فلسطينيان سوريان. وقال إن القوات الحكومية السورية ألقت القبض في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018 على عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين عادوا إلى سوريا من إحدى الدول الأوروبية بعد رفض طلباتهم بلمّ الشمل العائلي. وأضاف حسين إن “مجموعة اللاجئين اعتقلوا بعدما استدعتهم الشرطة في مطار دمشق للاستجواب في القسم الخاص بفلسطين. ولا تزال حالتهم ومكان وجودهم مجهولين”.

يوسف وهيب، الناشط السوري المقيم في ألمانيا، سمع أيضاً عن هذه المجموعة من الاعتقالات. وقال إنه يعتقد أن هناك ما يكفي الآن من الشهادات لإثارة أسئلة حول السياسة الألمانية. وأضاف: “إن الألمان لا يجبرونهم على العودة، ولكن إذا أراد أحدهم أن يعود، فإنهم يسمحون له بالرحيل. من الناحية الأخلاقية، ثمة مشكلة في هذا النهج. إذ أعتقد أنهم يقودون حملة لتشجيع الناس على العودة. في ظروف مثالية، كان هؤلاء اللاجئون ليقولوا إن العودة لا تزال غير آمنة، ولكن السياسة الألمانية لا تسمح لهم بذلك”.

قال حسين إن ثلاثة أشخاص على الأقل ممن عادوا إلى سوريا من لبنان قد اختفوا أيضاً. تشير الحكومة اللبنانية إلى أن 110 ألاف سوري عادوا طواعية إلى سوريا خلال العام الماضي، لكن الأرقام الرسمية الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير إلى أن عددهم هو 17 ألف شخص. وقالت إيلينا هودغز، وهي باحثة في منظمة “سوا للتنمية والإغاثة” في بيروت، إن الأرقام الصادرة عن المؤسسة الحكومية اللبنانية مُبالغ فيها، وإن تأكيدها أن هؤلاء الأشخاص غادروا طواعيةً مسألة خلافية. وأضافت أن “نقطة الخلاف هنا تكمن في تعيين الحد الفاصل بين العودة القسرية والطوعية”.

منذ بداية الحرب السورية، صعّب لبنان على أكثر من مليون لاجئ سوري البقاء في البلاد. فقد فرض قيوداً على العمالة وصعب الحصول على الإقامة القانونية ورفع تكلفتها. ووجد الكثير من اللاجئين أنفسهم يعانون من الديون المرتفعة ونقص الغذاء. وقد أرغم الآن آلاف الأطفال على الزواج المبكر أو التسول في الشوارع. يقول معظم السوريين في لبنان إنهم يعتقدون أن العودة لا تزال غير آمنة. ويقول بعضهم إنهم يقدمون على العودة فقط لأنهم يجدون أنه من المستحيل العيش في ظل الظروف البائسة المسموح لهم بها.

قالت هودغز “إن الحكومة اللبنانية ترى أن جميع الأشخاص الذين أقدموا على العودة فعلوا ذلك طواعيةً حتى الآن، وأنها بذلك تحترم مبدأ عدم الإعادة القسرية. في حين أكد المدافعون عن الحقوق ومنظمات المجتمع المدني أن الضغط المتزايد على اللاجئين للعودة، إضافة إلى الأوضاع المتدهورة في البلدان المضيفة، والمخاطر المستمرة التي تهدد السلامة في سوريا، تشكل سياقاً تكون فيه العودة قسرية بالضرورة”.

تنص اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 بوضوح على أن الإعادة القسرية للاجئ محرمة إذا كانت “حياته أو حريته مهددة على أساس العرق، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو تبنيه رأياً سياسياً”. غير أن الاتفاقية سكتت عن مسؤولية البلدان المضيفة تجاه اللاجئين الذين يعودون طواعيةً. ويطالب النشطاء الآن بأن يحضر ممثلو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كل مرة يقدم فيها سوري طلباً للعودة من أجل أن تُقدم له/ أو لها المشورة الدقيقة بشأن الوضع الأمني على الأرض، مع مراعاة الظروف الشخصية. وعلى رغم أن الاعتقالات قد تكون عشوائية، يواجه الأشخاص المرتبطون بالاحتجاجات المناهضة للحكومة تهديدات أشد خطورة.

يؤكد الواقع أن الرئيس بشار الأسد وحلفاءه توقفوا في الوقت الراهن عن إطلاق القنابل على المناطق التي استعادوا السيطرة عليها. بيد أن جهازه الأمني، المُتهم بممارسة التعذيب، وآلاف الاعتقالات غير القانونية، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، لا يزال قائماً. وفي الصيف الماضي، وربما عن غير قصد، سلطت الحكومة السورية الضوء مجدداً على سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان، عندما بدأت إصدار شهادات وفاة لمئات الذين لقوا حتفهم أثناء احتجازهم في السجون. بينما صرحت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن الاعتقالات لا تزال مستمرة أيضاً بالنسبة إلى أولئك الذين بقوا في مناطق المتمردين بعدما استعادتها قوات النظام، مثل محافظة درعا، التي استسلمت للقوات الحكومية في تموز/ يوليو 2018.

استناداً إلى الروايات التي ذكرتها العائلات للنشطاء الحقوقيين، فإن أعداد العائدين المضطهدين لا تزال قليلة نسبياً. ولا تزال هناك فرصة لحمايتهم. ولكن الدول المضيفة، التي تحرص على تلبية مطالب ناخبيها، تبدو وكأنها ضحية أفكارها الواهمة تجاه حجم الأخطار التي لا تزال قائمة.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

https://foreignpolicy.com/2019/02/06/a-deadly-welcome-awaits-syrias-returning-refugees/amp/?__twitter_impression=true

درج

العائدون” إلى سوريا ينزحون إلى لبنان مجدداً!/ قتيبة الحاج علي

وسط الدعوات الرسمية، وشبه الرسمية، لإعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى سوريا، ورغم تحذيرات المنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات، من فرض الإعادة القسرية على اللاجئين، هناك من اختار العودة فعلًا، ولأسباب مختلفة، سواء تحت الضغط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في لبنان، أو مقتنعًا بأن سوريا أصبحت آمنة، ولم يعد هناك حاجة للجوء في لبنان.

الأرقام والصدمة

تتضارب الأرقام الرسمية للاجئين، العائدين من لبنان إلى سوريا. مديرية الأمن العام اللبناني تقول إن عددهم 90 ألف لاجئ، بين شهري تموز وتشرين الثاني 2018، بينما تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن العدد يصل إلى 16700 تقريبًا، خلال عام 2018 كاملًا. ورغم الفجوة الكبيرة بين الرقمين لا يمكن التحقق من العدد الصحيح، وسط غياب القدرة على الرصد والإحصاء داخل سوريا.

لكن يبرز في ملف العائدين ما يمكن وصفه بـ “اللجوء الثاني”، فعدد غير واضح من اللاجئين، عادوا إلى لبنان للمرة الثانية، بعد ما شهدوه في سوريا. اللاجئون الذين صُدموا بحقيقة الواقع السوري، الذي كان غائبًا أو مُضلّلًا عن الكثير منهم، اختاروا اللجوء من جديد، والعودة إلى لبنان، في رحلة لا تقل خطورة ولا مأساوية عن رحلة اللجوء الأول.

التقرير الذي أطلقه كلٌ من “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” و”سوا للتنمية والإغاثة” تحت عنوان “مسألة العودة: شروط وهواجس اللاجئين السوريين”، سلط الضوء على عدد من قصص العائدين من سوريا إلى لبنان مجددًا، بعد مغادرتهم له. تحدث التقرير عن الآثار التي تتركها العودة المبكرة، وغير الآمنة، على اللاجئين السوريين، وعن حالات “الصدمة النفسية وتكرار الأذى والاستغلال، وتصاعد نقاط الضعف الاقتصادية والنفسية بعد عودة اللاجئين مرة أخرى إلى لبنان”.

التقرير أتى على ذكر ثلاث قصص، للاجئين سوريين عادوا إلى لبنان للمرة الثانية. ورغم اختلاف الروايات، والأسباب التي ذكرها أصحاب هذه القصص، إلا أنها جميعها تتقاطع، في أن خيار العودة كان يشوبه غياب الكثير من المعلومات لدى أصحابها، عما سيمرون به بعد عودتهم. وتلتقي جميع القصص في سرد طريق العودة إلى “اللجوء السوري في لبنان” من جديد، فهؤلاء اختاروا العودة (إلى لبنان) عبر الطرق غير الشرعية. فالسلطات اللبنانية، لا تسمح لهم بالعودة بشكل قانوني. كما أنها أصدرت قرارات “منع عودة” لمدة تصل إلى خمس سنوات بحق معظمهم، نتيجة لإقامته السابقة في لبنان على نحو غير شرعي.

طمأنينية خادعة

محمد وعائلته، من اللاجئين السوريين في لبنان، قرروا العودة إلى بلدة مسحرة، في محافظة القنيطرة، بعد اتفاقية “التسوية” بين فصائل المعارضة وميليشيات النظام، والتي أعادت سيطرة النظام على جنوب سوريا. لكن هذه العودة، لم تستمر لأكثر من شهر واحد، قبل أن يقرر بعض أفراد العائلة العودة إلى لبنان للمرة الثانية.

فسيطرة النظام على جنوب سوريا، ترافقت مع حملة دعائية لدعوة اللاجئين للعودة. يقول محمد، في حديثه إلى “المدن”، أن العدد القليل نسبيًا من المدنيين ومقاتلي فصائل المعارضة، الذين غادروا إلى شمال سوريا، عبر حافلات التهجير القسري، أعطاه انطباعًا بأن الأوضاع في “مناطق التسوية” ذاهبة نحو الاستقرار، وأن روسيا قادرة على إلزام النظام ببنود هذه الاتفاقية.

محمد وثلاثة من أفراد عائلته، تقدموا بطلب لدى الأمن العام اللبناني للعودة إلى سوريا، لكن قرار الموافقة من عدمها كان في يد سلطات النظام السوري، التي أجرت “دراسة أمنية” عن مقدمي الطلب، وأعادتها بالموافقة إلى السلطات اللبنانية، التي يقتصر دورها فقط على التسجيل والتنسيق اللوجستي للعودة. بعد خمسة أسابيع من تقديم الطلب والحصول على الموافقة، أمهلت السلطات اللبنانية عائلة محمد يومان فقط للعودة، وهو ما يُعتبر بطبيعة الحال فترة زمنية قصيرة جدًا دفعت العائلة لبيع ممتلكاتها بمبالغ زهيدة.

العودة كانت بواسطة حافلات، قامت بنقل اللاجئين إلى داخل الحدود السورية، وكان بانتظارهم، حسب ما وصفه محمد، إعلام النظام وأعلامه وصور رئيسه، في مشهد أُعد جيدًا، ليكون مشهد يُظهر اللاجئين العائدين إلى “حضن الوطن” مؤيدين للنظام المنتصر على “الإرهاب”.

الخراب والرعب

“الصدمة الأولى” للعائلة العائدة، كانت بعد الوصول إلى بلدة مسحرة. يصف محمد المشهد بأن الدمار واسع في البلدة، التي تغيب عنها كافة الخدمات الأساسية. الأهالي هناك تقيم في منازل نصف مهدمة. يقول محمد: “كنت أعلم أن البلدة، التي شهدت مواجهات عسكرية لسنوات عديدة، تعرضت لتدمير واسع، ولكن لم أتصور أن المشهد بهذا السوء، وأن الخدمات غائبة تمامًا. ورغم سوء الموقف، كنت مستعداً للتعامل معه والعيش كما يعيش الجميع”.

العيش في ظروف إنسانية ومعيشية صعبة، لم تكن الهاجس الوحيد لدى محمد وعائلته، المضايقات الأمنية التي بدأت بعدها، وحملات التجنيد القسري، والاعتقال العشوائي كانت “أشد رعبًا” حسب تعبيره. النظام الذي أعطى موافقته السابقة للاجئ للعودة إلى وطنه، استمر في ملاحقة ومضايقة العديد من العائدين، بل وصل إلى حد اعتقال بعضهم من دون ابداء أي أسباب: “أنت معرض للاعتقال لأنك كنت لاجئاً فقط، أو على أقل تقدير سيتم طلبك للتحقيق ويتم استجوابك عن السنوات التي قضيتها في بلد اللجوء، إن نجوت من الاعتقال قد تجد نفسك فجأة على قوائم المطلوبين للخدمة الاحتياطية”، يشرح محمد في حديثه المخاوف الأمنية التي لازمته، صحيح أنه لم يتعرض للاعتقال مباشرة، لكنه أشار إلى أن عددًا من اللاجئين العائدين، الذين يعرفهم، تم اعتقال بعضهم، واستجواب آخرين لساعات.

المخاوف الدائمة التي لازمت محمد وعائلته، دفعته لاتخاذ قرار “اللجوء الثاني” والعودة إلى لبنان مجددًا، ليبدأ قصة جديدة مع المهربين، الذين يعملون على نقل اللاجئين إلى لبنان، من خلال الطرق غير الشرعية، فاضطر هو وزوجته لدفع مبلغ 1500 دولار، استدانا معظمه، لدفعه إلى المهرب لينقلهما إلى لبنان، بينما فشل ما تبقى من أفراد العائلة في تأمين المبلغ المطلوب، ومازالوا في سوريا حتى الآن، يمنعهم عن العودة إلى لبنان غياب القدرة على دفع الأموال للمهربين فقط.

رحلة العودة إلى سوريا ثم الهروب مجددًا إلى لبنان، أثقلت كاهل محمد اقتصاديًا على نحو فادح. إذ اضطر لبيع ممتلكاته في لبنان قبل العودة بمبلغ زهيد، ثم أنفق معظم مدخراته في محاولة البدء بحياة جديدة، داخل سوريا. وأخيرًا، اضطر للاستدانة من أجل العودة إلى لبنان. يقول محمد لـ”المدن” أنه كان بـ”غنى عن هذه المغامرة والعبء الاقتصادي الكبير، الذي سأضطر للعمل لسنوات لسداده، لو كنت أعلم جيدًا ما الذي ينتظرني عند العودة، حينها لم أكن سأقرر العودة أساسًا”.

التضليل الإعلامي

هنا يمكننا أن نفهم لماذا الأرقام الإحصائية لأعداد اللاجئين السوريين في لبنان غير دقيقة. وربما لا تقترب من الرقم الصحيح أبدًا. بعض اللاجئين عادوا إلى سوريا بطرق غير شرعية، خوفًا من التعامل مع السلطات اللبنانية والسورية معًا، لعدم امتلاكهم للإقامات والوثائق المدنية القانونية. وهؤلاء احصائيًا مازالوا على قوائم اللجوء رغم عودتهم. هناك من ذكرهم التقرير السابق، بأنهم اختاروا العودة لكنهم فشلوا في الحصول على التصريح الأمني السوري، أو ربما اختاروا ببساطة سحب أسمائهم من القوائم والملفات، أثناء مراجعتها. وبينهم من تم وضع اسمه على قوائم العودة عن طريق الخطأ. هناك من عاد إلى سوريا قانونيًا وشُطب اسمه من قوائم اللاجئين، لكنه عاد بعدها إلى لبنان بوسيلة غير شرعية، من دون أن يُعاد تسجيله. بينما آخرون، مازالوا في لبنان متخفين بعيدًا عن السجلات الحكومية، وقوائم المنظمات الإنسانية.

لا يكفي أن يُترك خيار عودة اللاجئين بشكل طوعي، إلى اللاجئ وعائلته فقط. فهم قد يتخذون هذا القرار من دون علم كامل بالتفاصيل الدقيقة له. يجب أن تُرفق هذه العودة الطوعية، بشرط أن يكون اللاجئ قد اتخذها بعد إدراكه أنه سيكون آمناً عند عودته، بكل ما يحمله هذا الأمن من تفاصيل، على المستوى الجسدي والنفسي والسياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي. لذلك تُبدي العديد من المنظمات الحقوقية القلق من حملات “التضليل الإعلامي”، والتأثير على قرار اللاجئين. العودة وإن كانت طوعية، فهي إن لم تكن آمنة أيضًا فإن لها انعكاسات سلبية على اللاجئ وعائلته، والمجتمع المحيط به، والدولة المضيفة أيضًا، وربما لن يكون قرار “اللجوء الثاني” هو القرار الوحيد السيء فيما بعد.

المدن

أنظر عن مشكلات اللجوء السوري -مقالات مختارة-

——————————–

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى