مراسل إسرائيلي في سوريا: نحن أمل الأكراد..ولو تخلت أميركا!/ أدهم مناصرة
لم يعد الحديث عن تواجد مراسلين صحافيين إسرائيليين في سوريا والعراق ومناطق عربية حساسة، بالأمر الجديد، لكن توقيت ومضامين هذه التقارير المتعددة يثير كل مرة دلالات وسياقات جديدة لا يُمكن إغفالها.
ولعل التحقيقات المطولة التي أعدها المراسل الإسرائيلي موآف فرداي، ورصد فيها تفاصيل الحياة اليومية في قلب القامشلي بريف الحسكة، المثال الحي على ذلك.
هي ثلاثة تقارير مطولة اشبه ما تكون بحلقات، مدة كل منها عشرون دقيقة. وواظبت هيئة البث الإسرائيلية “11” على بثها على مدار شهر تقريباً، وقد كان مراسلها موآف فرداي، بطلها، تحت عنوان كبير هو “قصة الأكراد في سوريا”، وما تفرع عنه من عنوان آخر هو “المعركة الأخيرة للأكراد في سوريا”، حيث تتبع كل شيء لفت انتباهه في القامشلي، فضلاً عن دخوله مناطق أخرى في شمال شرق سوريا.
وبناء على متابعة أجرتها “المدن” لحيثيات الحلقات التلفزيونية الثلاث، فإن المراسل مؤاف فرداي، يتكلم اللغة العربية بطلاقة. وعلى الأقل، كانت جهات رسمية في أكراد سوريا والعراق على علم بأنه مراسل إسرائيلي، بغض النظر إن كان العلم بذلك على نطاق ضيق جداً. وقد نسقوا دخوله إلى الحسكة عبر الحدود العراقية-السورية بشكل مسبق ولحظة بلحظة.
ملاحظة ثانية دللت على أن هناك مَن كان على عِلم بأنه مراسل اسرائيلي، تمثلت بتغطية وجوه مَن تحدثوا في سياق هذه الحلقات التلفزيونية.
المراسل فرداي تكلّم عن كل شيء في الحسكة، بدءاً من طريقة وكيفية دخوله إلى سوريا من الجهة العراقية، والترتيبات التي حصلت على هذا الصعيد، ومروراً بخوضه في تفاصيل الحياة اليومية لأكراد سوريا في هذه المنطقة تحديداَ، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، وكذلك اجتماعياً، وخدماتياً على سبيل المثال واقع الكهرباء والبنى التحتية.
ففي مسألة دخوله، تحدث فرداي عن العبور عبر نهر الفرات وذلك الجسر الإصطناعي الذي استخدمه، حيث تم بناؤه بمساعدة الأميركيين، ويصل بين طرفي نهر الفرات ودجلة، لتسهيل تنقل الأكراد وسكان المنطقة. هذا الجسر يمر عليه الآلاف يومياً، كما يقول التحقيق التلفزيوني الإسرائيلي.
“ولولا تنسيق مجموعة من الأشخاص الأكراد، لا سيما على الحدود، لانتظر المراسل فرداي ثلاثة أيام إلى اربعة”، وذلك نظراً للأعداد الكبيرة التي تمر عبر جانبي الحدود العراقية-السورية. فهذا التنسيق اختصر وقت دخوله بشكل قياسي، وفق ادعائه.
ويحاول المراسل الإسرائيلي أن يشير في ذلك إلى تطور في مناطق أكراد سوريا، وهذا يمكن البناء عليه لإقامة دولة لعموم أكراد سوريا البالغ تعدادهم نحو عشرين مليون كُردي، وفق ما تقول سلسلة التقارير التي بُثت على شاشة هيئة البث الإسرائيلية “11”.
ورصدت “المدن” في متابعاتها للتقارير الثلاثة على الشاشة العبرية المذكورة، كيف أن المراسل مؤاف فرداي، حاول أن يظهر مدى اهتمامه بالتعرف على واقع وظروف الأكراد في سوريا وتحديداً في ريف الحسكة، حيث قابل عامة الناس وسمع الكثير من “القصص المحزنة”.. عن الفقدان والألم والوجع.. عن الحالة الإجتماعية والإقتصادية، وحتى الخدمات والتقنين بتيار الكهرباء الذي ينقطع ساعات الليل.
ومن الجمل التي تعلق في أذنَي المشاهد، تلك التي قيلت في إحدى تقارير فرداي: “رغم انتهاء المعركة ضد داعش، لكن هناك وجع وهو أن العالم تخلى عن الأكراد”. كما تحدث عن رموزهم والزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي تعتقله السلطات التركية في سجونها منذ سنوات، والذي وصفه بـ”أمل الأكراد”.
ذهب فرداي الى البوح بما حذره منه قادة ميدانيون في قوات سوريا الديموقراطية “قسد” أثناء إعداده لتقاريره الثلاثة كما يزعم؛ إذ حذروه من خطورة التصوير بشكل يثير الشكوك والشبهات، ما يتسبب في خطر عليه؛ نظراً لسيطرة النظام على جانب آخر من المنطقة، وذلك لتلافي أي خطر عليه.
ورغم ذلك، لم يمنعه هذا التحذير من إجراء لقاءات مع قادة عسكريين (ليسوا كباراً) في قوات “قسد”، إضافة إلى أشخاص عاديين، وقد غُطّيت وجوه معظمهم. ويبدو أن هذا قد تم بناء على طلبهم؛ خوفاً على حياتهم.
لم تتردد هيئة البث العبرية “11” في الحديث عن حلم الدولة الكردية الذي يواجه صعوبات وتعقيدات، وذلك على ضوء ما تحدث به أكراد سوريون مغطاة وجوههم، بفعل تخلٍ أميركيّ عنهم رغم ما قدمته لهم مِن مساعدات عسكرية ومدنية.
بيدَ أن فرداي حاول أن يقول إن إسم إسرائيل يدعو لطمأنية الأكراد، وذلك في محاولة اعلامية لتطبيق الأجندة السياسية الإسرائيلية التي تستغل الإثنية والطائفية في المنطقة، لصالح اللعب على تناقضات تكرّس تدخلات هذه الدولة العبرية وإثارتها النعرات والإنقسامات.
تقارير هيئة البث العبرية “11” استثمرت كل المآسي، “لتؤكد” أن كلمة اسرائيل لا تخيف ولا توجس الأكراد هناك، وكأنها أرادت أن تقول انها موجودة على مستوى ترتيبات لإستثمار موارد اقتصادية ونفطية في هذه المنطقة أيضاً، وبما يتصل بالبنى التحتية ومشاريع استثمارية من قبل شركات إسرائيلية يديرها جنرالات سابقون في الجيش الإسرائيلي بعد تقاعدهم، على غرار ما يجري في كردستان العراق، كما تزعم جهات إعلامية إسرائيلية.
الواضح، أن المراسلين الإسرائيليين الذين يدخلون إلى مناطق حساسة في سوريا والعراق، وغيرها، يعرفون جيداً كيفية الدخول ومن أين ومتى. وهذا يدلل على أن دخولهم لا يأتي لمجرد حسّهم ومغامرتهم الصحافية، بل كل شيء مدروس ومنسق من جهات رسمية إسرائيلية. وفي ذلك، تستغل تل ابيب حاجات الأكراد وغيرهم من أجل تكريس تواجدها هناك؛ بغية مراقبة مجمل الوضع في سوريا، وما يتصل بتركيا أيضاً.
ومع ذلك، فإن العادة جرت ألا تُبث هذه الحلقات والتحقيقات لمراسلين اسرائيليين، إلا بعد خروجهم من المناطق الحساسة التي يدخلونها، ويصبحون في مكان أكثر أمناً. ويمرّ هذا النوع من التقارير على “الرقابة الإسرائيلية”، فيتم حذف مقاطع معينة، قبل بثها.
وينظر متخصصون في الشأن الإسرائيلي إلى هؤلاء المراسلين الإسرائيليين الذين يتسللون إلى مناطق حساسة في سوريا والعراق، على أنهم مدربون من المؤسسة الأمنية على صعيد اللغة، ولغة الجسد والتنسيق المطلوب لحمايتهم وعدم تعريضهم للخطر، وذلك بما يتساوق مع البروباغندا الرسمية.
ويتنافس عدد من المراسلين الإسرائيليين على ما يسمونه “المغامرة من أجل الحقيقة”، ولعل مؤاف فرداي، ليس الوحيد، كما أنه ليس الأبرز في هذا المضمار. فيعتبر مراسل القناة الإسرائيلية “12” ايتاي أنغل، منافسه الأقوى، حيث كانت له زيارات سرية لمناطق حساسة جداً، وقد غطى عمليات الجيش العراقي في الموصل ضد “داعش” قبل نحو سنتين.
ولا ننسى أن بعض هؤلاء المراسلين الإسرائيليين قد عرّفوا عن أنفسهم “كصحافيين أميركيين أو أوروبيين”، بما أنهم يحملون جنسياتها بالإضافة إلى الجنسية الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، يتقن ايتاي أنغل اللغة الفرنسية. أما مؤاف فرداي، فيتقن اللغة العربية بطلاقة، ويصفه البعض بأنه “جريء ومتكلم”.
وزار فرداي، تونس، قبل أكثر من سنتين، وخرج برسالة مباشرة من أمام وزارة الداخلية بالعاصمة تونس مع قناته التلفزيونية الإسرائيلية في إحدى نشرات الأخبار، ليتحدث عن مجريات التحقيق بشأن عملية إغتيال التونسي محمد الزواري المنسوبة لجهاز “الموساد” الإسرائيلي.
اللافت أن دخول هذا الصحافي الإسرائيلي إلى الأراضي التونسية، تم بعد أيام من اغتيال الزواري. لكن السلطات التونسية أفادت حينها أنها فتحت تحقيقاً في مسألة دخوله، وتبين أنه دخل بصفته “كاتباً” ويحمل الجنسية الألمانية.
والآن، توظف إسرائيل موضوع “داعش” لتقول إنها “جزء من المنطقة وتحارب الإرهاب جنباً إلى جنب القوى المعتدلة”. لكن “داعش”، بعد انهيار “دولة الخلافة”، ليست سوى باب لإسرائيل كي تزيد حاجة الأكراد إليها، خصوصاً عبر “تعظيم” مسألة عدم الإنسجام بينهم وبين تركيا وإيران وجهات أخرى، وذلك من منطلق الإدعاء بأن: جميعهم اتفقوا عليكم.. ونحن أمَلُكم، حتى لو تخلت عنكم أميركا.
المدن