النازحون السوريون والخوف من السياسة اللبنانية/ يوسف بزي
هناك قضيتان متشابهتان لفظياً. قضية النازحين السوريين في لبنان، وقضية لبنانيين في النزوح السوري. الأولى، سيرة إنسانية لمئات آلاف البشر الذين هربوا من البطش والقتل على يد نظام بشار الأسد والميليشيات المتعاونة معه والحملة التدميرية الجوية الروسية، فلجأوا إلى لبنان. أما الثانية، فهي سيرة سياسية بالغة القدم، تستأنف خطاباً ديماغوجياً بائساً، جديده التزاوج بين لغة “الممانعة” المفعمة بالرياء، ولغة “اليمين” العنصري الموغل في الخبث.
وواقع النزوح السوري، في كل الأحوال، ثقيل الوطء على أهله الذين يشعرون بمذلة التشرد والعوز والاقتلاع، كما على المجتمع المضيف بموارده الشحيحة أصلاً. وإزاء هذه الحقيقة، ترتبت مسؤولية كبيرة ومكلفة وشاقة لرعاية النازحين كما لمساعدة المجتمعات والبيئات المضيفة. وتتوزع تلك المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي أولاً وعلى السلطات اللبنانية ثانياً. عدا عن المسؤولية الأساسية التي يتحملها المسبب بتلك المأساة أصلاً، أي النظام السوري وحلفاؤه (حزب الله وأمثاله..).
وفي المبدأ، ورفضاً لواقع تحويل السوريين إلى مجتمع نازحين، أو لواقع تحويل لبنان إلى أرض مخيمات، يتقدم “حق العودة” بوصفه بنداً سياسياً أولاً، أو بنداً قانونياً غير قابل للطعن أو المساومة. فكما عشنا منذ العام 1948 على قناعة راسخة بحق الفلسطيني في العودة إلى دياره، بالترادف مع “حق تقرير المصير”، فإن تلك القناعة تسري في أي مكان وزمان وعلى مطلق شعب أو جماعة وطنية.
وحسب كل الاستطلاعات، التي أجرتها المؤسسات الدولية، فإن 95 في المئة من النازحين السوريين في لبنان أبدوا تمسكهم ورغبتهم بالعودة إلى بلادهم، من فور تحقق شروط العودة، البالغة الوضوح: أن لا تكون طريق العودة مؤدية لا إلى الهلاك والموت ولا إلى أقبية التعذيب ولا للتنكيل اليومي.
وببساطة تامة، يتفق اللبنانيون والنازحون على ضرورة تحقيق العودة. وهو واحد من العناوين الكبيرة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، وفق سياسة معلنة لا تتعارض مع الالتزامات الدولية والعربية، ولا مع حقوق النازحين الإنسانية، ولا مع المصلحة الوطنية العليا.
لكن كما حال الكثير من القضايا، تحولت قضية النازحين السوريين إلى عنوان جديد، لتغليف الصراعات اللبنانية – اللبنانية، الطائفية و”الأيديولوجية” (اصطلاحاً نسبياً)، فينسب أهل “الممانعة” من اللبنانيين أصل المأساة السورية هذه إلى مؤامرة كونية إمبريالية حتماً، وإلى مخططات غربية صهيونية لضرب المقاومة ومحورها، فيتطوعون إلى الدفاع عن “سوريا الأسد” ويمالئون نظامها في ابتزاز المجتمع الدولي والدولة اللبنانية والدول العربية، في قضية النازحين، علاوة عن ابتزاز النازحين أنفسهم. فيما رهط آخر من اللبنانيين، من أهل “اليمين” العنصري، النابش لنعرات “التوطين” وخواف الديموغرافيا الطائفية، والمعتاش على إحلال الغرائز في السياسة، يتعمد اللهج بكلمة “النازحين” صبحاً ومساءً، فقط لمناكفة الخصوم المحليين أو للمزايدة أو لتوسيع شعبية قائمة على محض أضاليل، وعلى مبدأ الكذب اليومي وتكراره إلى حد تحوله “حقيقة” معممة.
على هذا النحو، بات لدينا قضيتين: قضية النازحين السوريين في لبنان، وقضية لبنانيين في النزوح السوري. ورغم خطورة وجسامة ومأسوية الأولى، فإن الثانية مرشحة، إن استمرت على منوالها، أن تصير عامل تفجير لا للحكومة وحدها، بل في المجتمع اللبناني. إذ منها ستتناسل مجدداً كل القضايا الخلافية ذات السمة المصيرية، لما تضمره في سؤال هوية البلد واستقلاله وانتمائه، وفي سؤال علاقات الجماعات اللبنانية ببعضها البعض. وهو تماماً ما يذكرنا بقضية اللبنانيين ذات مرة مع الوجود الفلسطيني في لبنان، لينقسموا على خطأين: خطأ إنكار الحقوق الفلسطينية وخطأ استباحة لبنان وحقوقه.
هكذا، شيئاً فشيئاً، بدأت قضية النازحين تنقلب إلى مادة “سياسوية”، على النمط اللبناني، من النوع الذي لا يبعث لا على الاحترام ولا التقدير.
أظن أن أهم عمل سياسي (من النوع المحترم)، هو إزاحة قضية النازحين السوريين عن “السياسة اللبنانية”. وأظن، أن ما فعله وليد جنبلاط ورفاقه وأصدقائه، يوم الإثنين 18 آذار ببيروت، عبر تدبير مؤتمر “لبنان والنازحون من سوريا” (الحقوق والهواجس وديبلوماسية العودة)، الذي ساهم فيه أساتذة في الحقوق والعلوم السياسية وباحثون من مراكز دراسات ومؤسسات دولية ومدنية ومن جامعتي اليسوعية والأميركية، إضافة إلى “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين”، هو مقاربة أولى عقلانية وعملانية وديبلوماسية، تشكل اقتراحاً لمقاربات شبيهة.. إنقاذاً للنازحين وقضيتهم، وللبنان وطمأنينته. وهذا، على تواضعه، إن لم يفد كثيراً، يظل سياسياً أفضل من الأذى الكبير الذي يرتكبه أولئك الذين لا يقدمون سوى الكراهية والخوف.. والتخويف، للسوريين وللبنانيين في آن واحد.
فعلة جنبلاط، وإن كانت “حركة” سياسية لا تخلو من فطنة، لكنها تشير عن حق إلى خوفه الشديد على السلم الأهلي، من هذا السجال المندلع حول النازحين، والمخاطر المصيرية المترتبة عليه.. وأضألها عودة النظام السوري إلى لبنان لا العودة النازح السوري إلى سوريا.
وعلى سبيل الإفادة، ننشر هنا توصيات المؤتمر:
أولاً: ضرورة إقرار خطة وطنية شاملة، في شأن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، تشكل الأساس السياسي والعملي لنشاط الحكومة والوزارات والهيئات المعنية بهذا الشأن.
ثانياً: إعادة إمساك الحكومة اللبنانية بهذا الأمر، ووقف أشكال التداخل وضياع المرجعية المسؤولة عن ملف النزوح.
ثالثاً: التأكيد على دور الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في رعاية العودة، والنظر إلى مسألة الضمانات ومعايير الأمان المتعلقة بالعودة مع الجهات المعنية في سوريا.
رابعاً: إن الأساس في عودة آمنة وكريمة للنازحين، يكمن في إجراءات حقيقية تُتّخذ في سوريا، وتدفع إلى تحفيز وتشجيع عودتهم، وإزالة كل العوائق من أمامها. وهنا يكمن دور المبادرة الروسية في تأمين الضمانات المطلوبة والضغط لتأمين شروط العودة.
خامساً: إن تأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، تستدعي بالدرجة الأولى حلاً سياسياً عادلاً في سوريا، يقوم على ضمانات دولية، وإعلان صريح من السلطات السورية عن ترحيبها وتسهيلها وضمانها لعودة النازحين. وفي ظل غياب الحل السياسي، يبقى دور الأمم المتحدة بصفتها الجهة الموثوقة والراعية والمولجة التواصل مع السلطات السورية، أو مع الجانب الروسي بعد إعلانه المبادرة، لتنظيم عودة اللاجئين، هو الأساس في أي مقاربة لهذا الأمر.
سادساً: إن دور الديبلوماسية اللبنانية يجب أن يرتكز على الضغط باتجاه الحل السياسي العادل في سوريا، وتطبيق القرارات الدولية في كل المنصات والمنتديات الدولية، التي تناقش هذا الأمر، إضافة إلى الضغط من أجل إدراج عودة النازحين كشرط أساسي للاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا، وبينها وبين دول الجوار.
سابعاً: إن لبنان الذي تعرض إلى جولات دامية من الحروب الداخلية، وتعرض شعبه إلى موجات هجرة ونزوح، لا يمكن أن يجرّد نفسه من البعد الإنساني لهذا الملف. لذلك، يتوجب إبعاد هذا الأمر عن الحسابات الطائفية أو الفئوية الضيقة والتعاطي معه بروح المسؤولية الوطنية، التي تُوازن بين الأبعاد الإنسانية والسيادية والديبلوماسية.
ثامناً: أهمية إشراف وزارة الداخلية والبلديات على أي تدابير، قد تتخذها بعض البلديات، للتضييق على النازحين، بغية الدفع باتجاه العودة القسرية بما يُناقض التزامات لبنان الإنسانية والدولية.
تاسعاً: إعتماد خطاب سياسي إعلامي تواصلي هادئ وهادف، يلتزم مبادئ السياسة العامة، ويبتعد عن الشعبوية والاستنفارات والاستقطابات، بما يضمن تفادي أي توترات بين النازحين والمجتمع المضيف أو بين اللبنانيين أنفسهم.
عاشراً: التأكيد على أن مصلحة لبنان الاستراتيجية، تتمثل في حل سياسي حقيقي وشامل في سوريا، يعالج آثار الحرب وتداعياتها، ويؤمّن عودة كل اللاجئين من حيث لجأوا، بما يحافظ على هوية السوريين التعددية ونسيجهم المجتمعي.
مؤتمر “الاشتراكي” عن النازحين السوريين: مغادرة الكلام الشعبوي/ منير الربيع
رائد وصباح زوجان سوريان، من محافظة الرقة في سوريا، لجآ إلى لبنان مع أطفالهما الستّة، في الأشهر الأولى للثورة السورية. بعد فتح لبنان لأبواب العودة إلى سوريا، اتخذ رائد وصباح قرار العودة إلى منزلهما، عرضا أعتدة خيمتهما في لبنان للبيع مقابل 200 دولار أميركي، بينما الرحلة من مخيمهم إلى الأراضي السورية كلّفتهما حوالى 600 دولار أميركي. أما الانتقال من محيط دمشق إلى الرقة فكلّفهما حوالى 200 دولار، أي أن رحلة عودة العائلة إلى سوريا تحتاج إلى 1000 دولار أميركي، إذا ما كانت هذه العودة مبادرة فردية من قبل اللاجئ. لم تتمكن الأسرة من العودة إلى منزلها بسبب وجود شخص مسلّح مع عائلته في المنزل، رفض الخروج منه وتسليمه لأصحابه الأصليين. لم تجد أسرة رائد مكاناً آمناً تقطنه في سوريا، ولم يتمكن من استئجار منزل، نظراً لعدم توفر أي فرصة عمل، تكفي لسداد مستلزمات الإيجار، ففضّل العودة إلى لبنان.
التجاذب السياسي
في مقابل الحالة الإنسانية والمعيشية البحتة لرائد وعائلته، ثمّة نماذج أخرى أكثر سوءاً في مسألة العودة إلى سوريا. سيدة من الغوطة الشرقية في دمشق، عادت قبل فترة إلى سوريا، كان لديها أقارب انخرطوا في نشاط المعارضة للنظام، وبعضهم انضم إلى صفوف الجيش الحر. لم يتمكّن النظام السوري من إيقاف هؤلاء، ولكن جرى توقيف هذه السيدة التي تخطى عمرها الستين عاماً، بعد عودتها إلى سوريا. بقيت في المعتقل لخمسة وأربعين يوماً، تعرّضت خلالها للتعذيب، وما إن أطلق سراحها حتّى همّت بلجوئها الثاني إلى لبنان.
النموذجان يدلّان، ولو بشكل بسيط، على ما يعانيه اللاجئون السوريون، الذين يعودون من لبنان إلى سوريا. هناك حالات كثيرة مشابهة حدثت، أي معاودة اللجوء إلى لبنان، منذ بدء حكومته بتطبيق خطّة تأمين عودة اللاجئين، والذين يواجهون صعوبات أكثر في لجوئهم الثاني، فلدى مغادرتهم، يعمل الأمن العام اللبناني على ختم جوازات سفرهم بمنع دخول لبنان لمدة خمس سنوات، فيضطرون إلى سلوك المعابر غير الشرعية للعودة إلى المخيمات اللبنانية.
جرى تقديم النموذجين في مؤتمر دعا إليه الحزب التقدمي الإشتراكي تحت عنوان: “لبنان والنازحون من سوريا.. الحقوق والهواجس وديبلوماسية العودة”.
حرص المؤتمر، الذي كان برعاية وليد جنبلاط ومحطّ اهتمامه الشخصي، على الإضاءة على مختلف جوانب أزمة اللجوء، والأزمة اللبنانية في التعاطي مع هذه القضية، لا سيما في ظل تجاذب سياسي وشعبوي حول الملف، ومع غياب أي رؤية حكومية واضحة أو موحدة للتعاطي مع هذا الملف.
لربما كان جنبلاط الأصدق في تعبيره المختصر حول الأزمة وكيفية التعاطي معها، قائلاً أن لا حلّ لملف اللاجئين في ظل رفض النظام السوري لعودة السوريين، متمنياً “أن يبقى هذا الملف بعيداً عن الوزارات المعنية، كي يؤمَن الحد الأدنى لهم من العيش الكريم في التعليم وغير التعليم”.
تناقضات لبنانية
تتطابق وجهة نظر جنبلاط مع وجهة نظر الإختصاصيين والخبراء في هذا الملف، وتتوحد عند التخوف من استِعار النزعة العنصرية في الخطاب السياسي اللبناني، والتي قد تنعكس انفجاراً اجتماعياً بين اللبنانيين والسوريين، لا سيما عندما يتم التعاطي مع هذا الملف بنوع من الشعبوية والغايات السياسية. إذ يخلص المؤتمرون إلى التشابه ما بين الخطاب العنصري اللبناني تجاه اللاجئين السوريين وخطاب الكراهية الذي عبّر عنه ارهابي نيوزيلاندا، من خلال ما كتبه على سلاحه بأن اللاجئين المسلمين يفككون المجتمع الغربي، ويحتلون بلاد أصحاب الارض. هذا الخطاب يتطابق مع الكلام اللبناني تجاه اللجوء السوري، وقد يؤدي في النهاية إلى انفجارات متتالية، كان قد مُهّد لها من خلال سلسلة إجراءات بحق اللاجئين كمنع التجول أو الترحيل القسري.
تناول المؤتمر جملة من المفارقات أو التناقضات اللبنانية، والتي لا تغيّر شيئاً من جوهر القضية أو توصيفها الدولي. من التناقض ما بين مصطلح لجوء ونزوح، إلى التلاعب الكلامي حول العودة الآمنة أو الطوعية. وهذه كلها تهدف للتهرب من الالتزامات الدولية. والانقلاب على احترام القانون الدولي. مع التأكيد بأنه لا يمكن حل قضية اللاجئين من دون الحل السياسي. وما الكلام اللبناني عن “عدم انتظار الحل السياسي” إلا تورية وتهرب من الوقائع والحقائق.
بدأت الخطيئة اللبنانية في التعاطي مع ملف اللجوء السوري في العام 2013. حينها، جرى على نحو متسرّع إعداد تقرير لأول مؤتمر دولي معني بالقضية. حمّل التقرير مسؤولية كل خسائر لبنان لأزمة اللجوء. لكن الأكيد، وفق الخبراء، أن قيمة التقرير العلمية ضعيفة جداً. وكان الهدف منه الحصول على مساعدات. السردية كانت جزئية ومنحازة وأحادية الجانب، ولم يتم إعداد أي تقرير آخر. حتى الأرقام التي استخدمت فيه كانت غير دقيقة. وفيما كانت الحكومات اللبنانية تعد بإعداد تقارير أكثر دقة وموضوعية، إلا أن ذلك لم يحصل. ولذلك، فإن ما بني على باطل فهو باطل. وهذا أساس الإشكال في التعاطي اللبناني مع ملف اللجوء. فاللاجئ يستفيد من حقوقه لمجرد أنه انسان، قبل تصنيفه بين لاجئ ونازح، ومسؤولية حماية اللاجئين تقع على عاتق الدولة اللبنانية. ولبنان ملزم بعدم إعادة أي لاجئ قسرياً إلى بلاده.
“جيو – مذهبي”!
ركز المتعاقبون على الكلام على: ضرورة رفض نظرية المؤامرة الدولية على لبنان. الالتزام بمسار الحل السياسي. النأي بالنفس عن الانحيازات إلى أي طرف في سوريا. وضع خطة لبنانية لخدمة لبنان، من دون انتهاك حقوق اللاجئين. الالتزام بالقانون الدولي، وبديبلوماسية عاقلة في التعامل مع المجتمع الدولي. مغادرة الكلام الشعبوي ومنطق التعصب.
والأساس يبقى في الفصل ما بين تداعيات الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني، وتحميل هذا الوضع إلى اللاجئين. فالأزمة السورية أدت إلى عطبين أساسيين: استعصاء سياسي، وعجز عن الوصول إلى تسويات، بسبب الانقسام حول الوضع السوري. أما الضرر الاقتصادي، فله بعد سياحي وتجاري. ويجري تحميل الآثار السلبية للأزمة للاجئين السوريين.. وهذا غير صحيح.
الدكتور أنطوان حداد ركّز على أن ما يجري في سوريا من فرز ديمغرافي، ليس من قبيل الصدفة، مشيراً إلى أن 13 مليون سوري يعيشون داخل مناطق خاضعة لسيطرة النظام، ما يعني أن التركيبة الديمغرافية في مناطق النظام، أصبحت حوالى 55 في المئة من السنّة، مقابل 45 في المئة من الأقليات. وهذه الهندسات السكانية ليست صدفة. معتبراً أن هناك بعداً “جيو- مذهبي” سيتحكم بملف إعادة اللاجئين. في مقابل طرح أسئلة حول تقييم إجراءات الأمن العام في تنظيم عودة اللاجئين، خصوصاً في ضوء المعلومات عن موافقة النظام على عودة بعض اللاجئين، ومعارضته عودة البعض الآخر. لأن هذا مسألة غير قانونية. فلأي سوري الحق في العودة إلى وطنه. ولكن أن يقرر النظام السوري من يحق له العودة ومن لا يحق له، فهذا غير قانوني، ويتعارض مع المفهوم البديهي للعودة.
تفكيك الأساطير
والأساس أيضاً، هو أن الأرقام التي تحكى عن العودة، التي جرت منذ العام 2017، هي أرقام مضخمة لأهداف سياسية، يهدف مطلقوها إلى وضعها في سياق المزايدة السياسية، والدفع باتجاه عملية “إعادة الإعمار”. كل السوريين يريدون العودة ولكن، اذا ما توفرت ظروف العودة وأدنى الحقوق المعيشية، وانعدام الأسباب الأمنية والسياسية التي أدت إلى اللجوء. وهذا لا يمكن تحقيقه من دون توفير ضمانات العودة الآمنة للاجئين. العودة الآمنة هي الطوعية والكريمة. بينما العودة إلى غير المناطق الأصلية فهي عودة قسرية تماماً كحال اللجوء القسري.
يجب الموازنة الجوهرية بين الإنساني والسيادي والديبلوماسي، وفق الخبير زياد الصائغ، مع التأكيد على أن عودة اللاجئين أمر مهم وأساسي، يوازي استضافتهم. الأزمة بحاجة إلى تفكيك لأساطيرها، التي تشكلت من خلال ادعاءات انتصارية وأهداف سياسية وشعبوية. ما يحدث لا يمت بأي صلة إلى الديبلوماسية اللبنانية. المشكلة تبقى في غياب إقرار سياسة عامة، بسبب الخلافات السياسية. مزج هاجس التوطين بقضية اللاجئين فيه خبث ومرض. وبعض اللبنانيين مسؤول عن تهجير السوريين من سوريا، بدخلوهم إلى مناطقهم، ودفعهم إلى مغادرة أراضيهم باتجاه لبنان. وتحدث الصائغ عن كلام الفاتيكان حول التغيير الديمغرافي في سوريا.
حسب آخر إحصاء أجري في العام 2018، فإن عدد اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان، بلغ مليوناً ومائة وسبعة وثلاثين ألف لاجئ، 79 في المئة منهم لجأوا من مناطق لا تزال أوضاعها سيئة جداً، وهي في الشمال السوري: حلب 155 ألف لاجئ، منبج 25 ألف لاجئ، وتل أبيض وعين عيسى وعين العرب 15 ألفاً، وعفرين 10 آلاف، وإدلب 168 ألفاً. وبالانتقال إلى شرق سوريا، فلجأ من جنوب الرقة إلى لبنان حوالى 57 ألف لاجئ، ومن دير الزور بين غرب الفرات وشرقه لجأ 20 ألف لاجئ، ومن البادية السورية 2500 لاجئ، ومن حمص في الوسط لجأ 240 ألف لاجئ، ومن ريف دمشق الجنوبي والريف الغربي، لجأ 135 ألف لاجئ، و80 ألفاً من درعا و10 آلاف من القنيطرة. وواحد في المئة من مناطق أوضاعها جيدة. وهؤلاء لجأوا إلى لبنان من الحسكة 25 ألفاً، من السويداء 3500، من اللاذقية 5 آلاف ومن طرطوس 4 آلاف. و13 بالمئة من المناطق وضعها متوسط، وهي الباب، حيث لجأ إلى لبنان منها 40 ألفاً، وحماه 85 ألفاً، وريف دمشق الشمالي 30 ألفاً.
المدن