الحياة الحزبية في سورية: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها 1908- 1955″/ محمد حرب فرزات
الحياة الحزبية – السياسية في سورية
صدرت حديثاً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الثانية من كتاب محمد حرب فرزات “الحياة الحزبية في سورية: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها 1908- 1955”.
هذا الكتاب هو في الأصل رسالة جامعية قدمها فرزات للتخرج من الجامعة السورية، ونشرها في عام 1955 بدمشق. لكن أهميتها تجاوزت حدود المراحل الأولية لرسالة الإجازة الجامعية، لتشكل مصدراً أساسياً لأي باحث تاريخي أو مؤرخ للحياة الحزبية – السياسية في تاريخ سورية الحديث، منذ الانقلاب الدستوري العثماني في عام 1908 وحتى عام 1954، كما شكلت مصدراً أساسياً للتعرف على تلك الحياة وخصائصها العامة ومنظومتها الحزبية والجمعياتية للباحثين في التاريخ السياسي السوري الحديث.
يتألف الكتاب (295 صفحة بالقطع الوسط، موثقاً ومفهرساً) من مدخل وتوطئة وثمانية فصول وخاتمة عامة وملاحق للتسلسل التاريخي الزمني للأحداث والوقائع في سورية في القرن العشرين.
في أيام العثمانيين
في المقدمة الموسومة “مدخل إلى تاريخ سورية في القرن العشرين”، يتناول فرزات سورية تحت الحكم العثماني (1516 – 1918)، وفي عهد الاستقلال (1918 – 1920). في “التوطئة”، يتطرق بإسهاب إلى موضوع دراسته، ومفهوم الحزب السياسي، والمذاهب السياسية
“يتكلم فرزات عن “الحياة الحزبية في سورية في العهد العثماني”، عن نشاط الجمعيات والأحزاب بين إعلان الدستور والحرب العالمية الأولى مسلطاً الضوء على جمعية الإخاء العربي العثماني والمنتدى الأدبي وحزب اللامركزية الإدارية العثماني، ومؤتمر باريس العربي (1913) وأهدافه”
الرئيسة وطرائقها الحزبية، والصفات العامة للحياة الحزبية في سورية.
في الفصل الأول، “الحياة الحزبية في سورية في العهد العثماني”، يتكلم فرزات عن نشاط الجمعيات والأحزاب بين إعلان الدستور والحرب العالمية الأولى مسلطاً الضوء على جمعية الإخاء العربي العثماني والمنتدى الأدبي وحزب اللامركزية الإدارية العثماني، ومؤتمر باريس العربي (1913) وأهدافه، والنشاط السياسي السري في سورية متحدثاً عن جمعية العهد وجمعية العربية الفتاة، وموقف الهيئات العربية في الحرب العالمية الأولى، ومميزات الحياة الحزبية في العهد العثماني. بحسبه، لم تكن الأحزاب التي تناولها أحزاباً برلمانية علنية كالأحزاب المعروفة، لكنها كانت حركات ومنظمات عملت في سبيل التحرر القومي، واضطرت إلى اتباع طريقة العمل السري، والتستر وراء أهداف علنية ظاهرية، حتى إنه لم يكن لبعضها برامج مكتوبة.
داخل سورية وخارجها
في الفصل الثاني، “الحياة الحزبية في عهد الاستقلال الأول (1918 – 1920)”، يروي فرزات أهم الأحداث السياسية، ويورد تراجم للجمعيات والأحزاب، متحدثاً عن مميزات الأحزاب في العهد الفيصلي. أهم الأحزاب في هذا الدور هي جمعية العربية الفتاة، وحزب الاستقلال، وحزب العهد، وحزب الاتحاد السوري، والحزب الوطني السوري. كان بعضها ينادي بالفكرة العربية القومية ويؤمن بها، بينما قصر البعض الآخر برنامجه على سورية والوطن السوري، لكنها كلها خضعت للظروف الدولية الخارجية التي فرضت عليها سياسة قُطرية معيّنة نتيجة تجزئتها القضية القومية العامة. وكانت المفاهيم الحزبية مختلطة ومبهمة، فالحزب لا يعني عند أكثرهم أكثر من كتلة أو مجموعة.
في الفصل الثالث، “النشاط الحزبي خارج سورية (1920 – 1925)”، يتطرق فرزات إلى النشاط الحزبي في تلك الأعوام، ومؤتمر جنيف ومقرراته، وزيارة كراين وأول تظاهرة وطنية. يقول فرزات إن سورية لم تمارس حياة حزبية منظمة خلال هذه الفترة في الداخل، ولم تكن الأحزاب الناطقة باسمها في مصر مرخصاً لها من السلطة، وليس لها أي نشاط حزبي في البلاد التي كانت واقعة تحت حكم الاحتلال الفرنسي باسم الانتداب.
ثورة فدستور
في الفصل الرابع، “الأحزاب في دور الثورة الوطنية (1925 – 1928)”، يبحث فرزات في التطورات السياسية في هذا الدور، وأثر الأحزاب في عهد الثورة. كانت الأحزاب التي قامت بهذا الدور هي: حزب الشعب، وحزب الوحدة، والكتلة الوطنية، بينما استمرت اللجنة
“أهم الأحزاب في عهد الاستقلال الأول هي جمعية العربية الفتاة، وحزب الاستقلال، وحزب العهد، وحزب الاتحاد السوري، والحزب الوطني السوري”
التنفيذية للمؤتمر السوري – الفلسطيني تواصل مساعيها في القاهرة وأوروبا. أُسّس في هذا الدور أول حزب سياسي سوري في عهد الانتداب الفرنسي، وانتقل مركز النشاط إلى داخل البلاد، وقامت الثورة الوطنية، ثم تلتها مرحلة جديدة في العلاقات السورية – الفرنسية رمت إلى التعاون لحل أزمة الاحتلال على أساس معاهدة تعترف باستقلال البلاد.
في الفصل الخامس، “الحياة الحزبية في فترة النضال الدستوري (1932 – 1928)”، يتناول فرزات نشوء الكتلة الوطنية، وتبنّيها سياسة التفاهم مع الانتداب الفرنسي التي ظهرت في المجلس التأسيسي، وفي دخول الانتخابات التي جرت على أساس الدستور المعدل الذي نشره المفوض السامي، وإخفاق السياسة الإيجابية، ما أدى إلى قطع سياسة التعاون وإلى سلوك الكتلة الوطنية سياسةً سلبية ضد نظام الانتداب في المرحلة التالية، استمرت حتى عقد المعاهدة عام 1936.
دور المعاهدة
في الفصل السادس، “الحياة الحزبية في دور المعاهدة: الدور الجمهوري الأول (1932 – 1939)”، يقول فرزات إن الحياة الحزبية بين عامي 1932 و1939 كان النشاط مبذولاً فيها لعقد معاهدة مع فرنسا. وسيطرت فيها الكتلة الوطنية منذ عام 1935 على أكثرية الشعب، واستفادت من تأييدها المطلق لعقد معاهدة عام 1936، لكنها لم تحترم الرأي العام بل اتخذته واسطة فقط، ولم تصارحه بالحقائق، فخدعها الأجنبي واستغل تساهلها وتنازلها لعقد اتفاقات إضافية كان يكتسب فيها الصكوك الإضافية الملحقة لامتيازاته في البلاد. فقدت الكتلة الوطنية بعد هذه التجربة قوتها، وأفقدها تمسكها بالحكم، واتباعها سياسة التسكين والتهدئة، طابعها النضالي ومكانتها الشعبية. وانتهت عصبة العمل القومي وتفرَّق أعضاؤها واندمج بعضهم في أحزاب أخرى. أما الحزب السوري القومي فاستمر نشاطه بفتور في الفترات التالية. واستطاع الحزب الشيوعي أن يمارس نشاطاً فاعلاً.
مجمل النشاط الحزبي
في الفصل السابع، “الحياة الحزبية (1939 – 1949)”، يرى فرزات أن الأحزاب في
“بين عامي 1939 و1949، ومع وجود كثير من عناصر التلاقي والتوافق المرحلي بين هذه الأحزاب لخدمة العمل الوطني، فإن الاختلاف في المنطلقات الفكرية كان من أشد عوامل التنافر والتصادم”
سورية بين عامي 1939 و1949 أصبحت أكثر مسايرة لروح العصر، وأكثر تفهماً لحاجات المجتمع، وأكثر صلاحية لحل المشكلات القائمة؛ والاتجاهات التي غدت أكثر شعبية، وظهرت على المسرح السياسي إلى جانب الأحزاب التقليدية المتطورة أحزاب جديدة انقلابية النزعة، قومية العقيدة. لكنها بقيت متباينة الأهداف، فبينما نجد أحزاباً تعمل للسياسة المحلية، نجد أخرى يعمل أحدها لوطن سوري وآخر للوطن العربي وثالث للعالم الإسلامي ورابع لحركة أممية. وكانت مختلفة أيضاً في الوسائل، فكان بعضها ديمقراطياً وشعبياً، واتخذ بعضها لنفسه أنظمة تخضع لسلطة زعيم واحد. ومع وجود كثير من عناصر التلاقي والتوافق المرحلي بين هذه الأحزاب لخدمة العمل الوطني، فإن الاختلاف في المنطلقات الفكرية كان من أشد عوامل التنافر والتصادم.
في الفصل الثامن، “مجمل النشاط الحزبي (1949 – 1955)”، يتطرق إلى موقف الأحزاب (الإخوان المسلمون، حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب الشيوعي، حركة التحرير العربي) من الأحداث السياسية الحاصلة في حينه، وميثاق حمص والائتلاف الحزبي.
محمد حرب فرزات: مؤرخ سوري وأحد رواد دراسة الأحزاب والحركات السياسية في سورية. اختص أكاديمياً بالتاريخ الحضاري القديم وباللغة الآرامية، وطبعت له جامعة السوربون أطروحته باللغة الفرنسية عن المملكة الآرامية – أرفاد في عام 1972. درس في جامعات دمشق وقطر ومعهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو. ترأس شعبة التاريخ في الموسوعة العربية بدمشق. له الكثير من الكتب والترجمات والدراسات بالعربية والفرنسية.
عنوان الكتاب: الحياة الحزبية في سورية: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها 1908- 1955 المؤلف: محمد حرب فرزات
ضفة ثالثة