النخبة اللبنانية تفضحها التغريدات: نكره اللاجئين السوريين
تناوُل شخصيات لبنانية عامة ومؤثرة في المجتمع اللبناني قضية وجود اللاجئين السوريين في لبنان، دفعنا كصحافيين استقصائيين، ومحررين إلى تشكيل فريق لتحليل الخطاب الموجَّه عبر التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
على مدار 10 أشهر من العمل، وثّقنا آلاف التغريدات وحلّلناها، لتحديد الشخصيات التي تساند اللاجئين السوريين في لبنان، وتلك التي تناهض وجودهم. وشهد لبنان خلال فترة إعداد هذا التقرير الكثير من الحملات ودعوات المناصرة، منها من أجل القضية السورية، وأخرى لمساندة اللاجئين في لبنان، إذ غرَّد مئات النشطاء السوريين واللبنانيين في العامين الماضيين تحت وسم #عرسال_تستغيث، لإطلاق نداءات استغاثة لما تعايشه مُخيمات اللاجئين هناك من أوضاعٍ سيئة.
كشف التحقيق المدعوم بالبيانات، أنّ أكثر من نصف تغريدات الشخصيات المشمولة في عينة التحليل، كانت رافضة اللاجئين السوريين، وكان رفض الذكور أوسع من رفض الإناث، فـ95 في المئة من تغريدات الذكور عبرت عن رفض اللاجئين، مقابل 5 في المئة فقط من التغريدات الرافضة، كتبتها نساء.
شخصيات ذات تأثير
تعاون فريقنا الصحافي والتقني في “إنفوتايمز” مع فريق من المحررين والباحثين من “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية” – سراج وموقع “درج” ، لدراسة تغريدات مجموعة من الشخصيات العامة اللبنانية وتحليلها، خلال الفترة الممتدة من شباط / فبراير 2011، حتى أيلول/ سبتمبر 2019، واختيرت مئة وشخصية وفقاً لحضورهم ونشاطهم على “تويتر” وتأثيرهم في الشارع اللبناني.
جُمعت البيانات من “تويتر” باستخدام خوارزميات برمجية تم تصميمها خصيصاً لإتمام هذه العملية، إذ قامت بتصنيف التغريدات قيد الدراسة بشكلٍ آلي، ثم تم تقسيمها إلى ثلاثة قطاعات بحسب وظائف كاتبيها، فجاء على رأس القائمة قطاع الإعلاميين، والذي ضم 41 شخصية من صحافيين وحقوقيين وكُتَّاب رأي، وفي المرتبة الثانية قطاع السياسيين بمجموع 36 شخصية، شملت سياسيين وحزبيين ومسؤولين حكوميين ورجال دولة، وفي المرتبة الأخيرة قطاع الفنانين الذي تضمن 24 فناناً وفنانة من ممثلين ومُغنين.
باتباع الخوارزميات البرمجية، قُمنا بفحص ما يقارب 228 ألف تغريدة وتصفيتها، لاستخلاص المتصلة منها بموضوع اللجوء السوري في لبنان، والتي بلغ عددها 1454، غرَّدت بها 68 شخصية لبنانية من مجموع الشخصيات المرصودة في البحث، وتبين أنّ 23 شخصاً من القائمة، لم يتطرقوا مطلقاً لموضوع اللاجئين السوريين على “تويتر”.
فرز الفريق بعدها التغريدات وصنفها إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول: التغريدات الإيجابية، وهي التغريدات التي احتوت على تعاطف ودعم لوجود اللاجئين السوريين في لبنان، القسم الثاني: التغريدات السلبية، وهي التغريدات التي تضمنت مناهضة ومعاداة لوجود اللاجئين السوريين، ودعت إلى إعادتهم إلى بلادهم، القسم الثالث: التغريدات المحايدة، وهي التغريدات التي لم تحتوِ على كلمات تعاطف أو دعم وكذلك لم تحمل أي عبارات كراهية أو معاداة.
عداء فاضح
أظهَر تحليل التغريدات تضارباً في الآراء إزاء اللاجئين، إذ تبيَّن أن 30 في المئة من الشخصيات اللبنانية المشمولة بالبحث تدعم اللاجئين، بينما وصلت نسبة الرافضين لهم إلى 51 في المئة، وهو ما يفسر بروز الأصوات المنادية بإعادة اللاجئين السوريين ووصفهم بـ”النازحين”.
توضح هذه النسب موقف المسؤولين وحجم الانقسام الواضح للعلن في الشارع اللبناني حيال اللاجئين السوريين، غير أن هناك ما نسبته 19 في المئة من الشخصيات تبنَّت موقفاً محايداً من خلال التغريدات، كما لم يُلاحَظ أي تضاربٍ في الآراء أو تحولٍ ظاهرٍ في المواقف لأيٍ من الشخصيات محل الدراسة، حتى لو ظهر تعاطف في تغريدة أو أكثر من الشخصيات التي تعارض اللجوء السوري في لبنان، فقد كان إظهاراً لبعض الإنسانية ليس أكثر، لكنه لا يرتقي لتكوين تبدل حقيقي في الموقف العام لهذه الشخصية.
أظهر التحليل وجود شخصيات شديدة الرفض للاجئين، بعضها من المحور الذي يدعم النظام السوري وأخرى من المحور المناهض له، مثل شخصيات من تيار “المردة”، وأخرى من تيار “المستقبل” أو “حزب القوات اللبنانية” أو “تيار العزم”، إضافة إلى مسؤولين حكوميين ونواب في البرلمان اللبناني وشخصيات من “التيار الوطني الحر”، الذي تصدَّر قائمة الشخصيات المغردة سلباً بمجمل 114 تغريدة. لكنّ الدور الأوضح في رفض اللاجئين والدعم البارز للنظام السوري، كان لوزير خارجية لبنان جبران باسيل رئيس “التيار الوطني”، والذي دعا في معظم الأحيان إلى ضرورة إعادة “النازحين” السوريين إلى بلدهم.
تعاطف ودعم
في المقابل، كان هناك من يدعم اللاجئين السوريين ويتناول أوضاعهم بإيجابية، مثل شخصيات من “الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان” ومن تيار “المستقبل”، الإعلامي والحقوقي نبيل الحلبي الناشط في حقوق الإنسان، الإعلامي اللبناني طوني بولس والإعلامية ريما مكتبي، الفنان فضل شاكر، إضافةً إلى الإعلامية دلال معوض وآخرين.
العنصر النسائي اللبناني كان حاضراً في تناول أوضاع اللاجئين السوريين على “تويتر”، واحتلت النساء النسبة الأقل في التغريدات السلبية، وهي 5 في المئة، من أصل 736 تغريدة سلبية، واستحوذن على ما يقارب الثُلث من التغريدات الإيجابية. وجاءت الإعلامية اللبنانية ريما مكتبي على رأس النساء الأكثر دعماً للاجئين السوريين عبر تغريداتها على مدار 8 سنوات.
كراهية في سياق تاريخي
في البحث عن الأسباب التي أوجدت واقعاً رافضاً الوجود السوري في لبنان حتى قبل الاحتجاجات السورية واندلاع الأعمال العسكرية، يبرز عامل تاريخي مرتبط بالعلاقات السياسية بين البلدين، وهو طول فترة وجود الجيش السوري في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية وما بعدها حتى عام 2005، وتجلى هذا الدور في ممارسة الحكم المطلق في لبنان وفرض نوع من أنواع الوصاية كما يقول طيفٌ من اللبنانيين، تزامن مع فرض هيمنة وسيطرة وتحكُّم، كذلك ارتبط هذا الوجود بارتكاب انتهاكات وقمع وممارسات قيّدت مناخ الحرية العامة، فبرزت الاعتقالات وحالات تكميم الأفواه وغيرها، الأمر الذي خلق نفوراً تجاه “السوري”، ووُصف هذا الوجود بأنه احتلال.
تماشياً مع هذا الشعور تجاه السوري في لبنان، يبرز عامل آخر مرتبط بالوضع الاقتصادي، إذ يرى البعض أن العمالة السورية تخفّض فرص عمل اللبنانيين وتزيد من أزمة البطالة. وقال وزير العمل اللبناني السابق سجعان قزي لصحيفة “العرب” اللندنية، إن “حوالى مليون سوري ينافسون الأيدي العاملة اللبنانية من دون ضوابط، ما يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد اللبناني وعلى الفرص المُتاحة للأيدي العاملة اللبنانية”.
المعارك تنتقل من “تويتر” إلى أرض الواقع
لم يكن خطاب الكراهية الذي انبثق عبر تغريدات بعض الساسة والشخصيات العامة ضد اللاجئين السوريين في لبنان، عبارة عن كلمات كُتبت على وسائل التواصل الاجتماعي وحسب، إنما تُرجمت على أرض الواقع في مواقف كثيرة، وارتفعت مستويات مهاجمة اللاجئين والتضييق عليهم من قِبل البلديات المحلية في بعض المناطق، وكذلك من قِبل أجهزة الدولة والسلطات، وفق حقوقيين ومدافعين عن حقوق الإنسان.
ذكر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في نيسان/ أبريل 2018، أن 13 بلدية في لبنان -على الأقل- قامت قسراً بإجلاء 3664 لاجئاً سورياً على أقل تقدير من منازلهم وطردتهم، مشيراً إلى أن هذا الطرد يبدو تمييزياً وغير قانوني، وأن 42 ألفاً آخرين يواجهون الخطر ذاته بسبب “جنسيتهم أو دينهم”.
كما ذكرت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها أن هذه العملية أدَّت إلى خسارة اللاجئين مداخيلهم وممتلكاتهم، كما عطَّلت تعليم أولادهم، ومنهم من تغيب عن المدارس لأشهر أو توقف تماماً عن الدراسة فيها.
لكن كيف يمكن أن يؤثر خطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً “تويتر”، في مصير قرابة مليون سوري يعيشون في هذا البلد؟ أردنا من خلال هذا السؤال، ومن خلال ما حصلنا عليه من بياناتٍ بعد تحليل هذه التغريدات التحدث إلى الشارع اللبناني لنعرف أكثر عن رأيه في موضوع اللجوء السوري في لبنان، وبطبيعة الحال انقسم الشارع بين مؤيدٍ لفكرة إعادة اللاجئين وبين من يدعمها ولكن بشروط.
يقول الياس ملكي، وهو أمين سر جهاز التنشئة السياسية في “حزب القوات اللبنانية”: “إن أزمة النزوح السوري في لبنان تحولت إلى أزمةٍ اجتماعيةٍ ذات تداعياتٍ كبيرةٍ على المستوى الاقتصادي وغيره من المستويات، ما يتطلب تعاون أطراف عدة لإيجاد حل، كسوريا ولبنان والأمم المتحدة”.
وعليه يطرح ملكي مُقترَح حزبه، وهو إنشاء مُخيمات في الأراضي السورية غير تابعة للنظام السوري ولا المعارضة، بل تقع تحت رعاية دولية، إلى أن ينضج الحل السياسي في سوريا. كما يشدّد على ضرورة تعاون النظام السوري لعودة اللاجئين إلى أرضهم، “إذا كان فعلاً حريصاً على ذلك”.
تقول إيليان سعد، وهي شابة منتسبة إلى “التيار الوطني الحر”: “أشجع عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في سوريا لأسباب عدة، أولها ازدياد البطالة في لبنان بسبب حلول اليد العاملة السورية الرخيصة مكان مثيلتها اللبنانية”.
على الصعيد الأمني، ترى سعد أن اللجوء السوري يُشكّل خطراً، بخاصة في المُخيمات التي تعتبرها “بؤراً للخلايا الإرهابية”. كما تشجع على تعاون المنظمات العالمية مع النظام السوري لعودة النازحين، بخاصة أن الكثير من المناطق أصبحت آمنة.
على جانب آخر، يعترض صبحي أمهز، صحافي لبناني، على مصطلح “العودة الآمنة”، على اعتبار أن العودة يجب أن تكون مشروطة بالطواعية وفق المواثيق الدولية، وذلك لأن مفهوم الأمان نسبي، “فلا يكفي أن تكون المنطقة آمنة، فيما يركّب ملف للسوري العائد على أنه ناشط في جهة معارضة مثلاً”.
ويرى أمهز أن ثمّة موروثات لبنانية تعتبر كل غريب خارجاً عن النسيج اللبناني، الأمر الذي أفرز عنصريةً تجاه السوريين خلال سنوات إقامتهم في لبنان، وتخوّفاً من بقائهم فيه مصحوباً بخوف على الديموغرافية اللبنانية والتنوع الديني والطائفي.
كما يغالط أمهز فكرة ازدياد نسبة البطالة بسبب اللجوء السوري في لبنان، مؤكداً غياب السياسات الواضحة في سوق العمل اللبناني من قبل عام 2011، فبالتالي لا مسؤولية تقع على السوريين. بل وعلى العكس، يرى أن الدولة اللبنانية تستفيد من الهبات والأموال التي تُضخ في خزينتها، والتي تحصل عليها مقابل استقبالها اللاجئين.
وعلّق الحقوقي محمد حسن مؤسس “مركز وصول لحقوق الإنسان” Access Center For Human Rights، على ما أوردناه من نتائج التحليل، قائلاً: “إن العدائية تجاه الأجانب ليست بالتصرف الجديد، فقبل مرحلة اللجوء السوري إلى لبنان، كان هناك استعباد للعمال الأجانب، وخصوصاً عاملات المنازل اللواتي يأتين إلى لبنان بظروف صعبة للغاية من بلدانهن عبر مكاتب استقدام الخدمات، والتي تنضوي تحت القانون المحلي”.
وأضاف حسن: “العدائية المتزايدة في الآونة الأخيرة ضد اللاجئين السوريين، تمثلت في خطابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية اللبنانية، ما شكّل سبباً رئيسياً في تزايد الاحتقان بين المجتمعين اللبناني والسوري”.
ولخّص حسن أبرز الانتهاكات التي تسببها خطابات الكراهية من السياسيين اللبنانيين والوسائل الإعلامية الرسمية، والتي تخالف القوانين المحلية والدولية، متحدّثاً عن قرارات البلديات اللبنانية بمنع تجول اللاجئين وإجبارهم على العمل سُخرةً، ودفع اشتراكات شهرية مقابل خدمات البلدية المُمولة أصلاً من الحكومة، فضلاً عن قرارات الترحيل “المُجازة قانوناً” من قِبل الأمن العام اللبناني في مطار بيروت، والتي تخالف البند الثاني من المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب، كما تخالف الدستور اللبناني.
تم إنجاز هذا التحقيق بالتعاون بين انفو تايمز ووحدة “سراج” وموقع درج
فريق العمل: محمد واكد، عمار الخصاونة
فريق الباحثين: عبد الرحمن الخضر، أحمد رحال، منار أبو حسون
ترجمة: آية نادر
تحرير: محمد زيدان، محمد بسيكي
درج