مريام كوك و(سورية الأخرى)/ علاء رشيدي
الجزء الأول
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب (سورية الأخرى صناعة الفن المعارض) تأليف مريام كوك، ترجمة حازم نهار. وهو يدرس علاقة الفن والسلطة في سورية، حين زارتها المؤلفة بين عامي 1995– 1996؛ حيث تميز المؤلفة بدقة بين الفن المعارض الذي ينفّس عن مشاعر الجماهير، والفن المعارض الذي يتناول قضايا عميقة في نقد النظام القائم في تلك المرحلة.
يبدأ الكتاب بمقدّمة مميزة لمترجم الكتاب حازم نهار، بعنوان (صناعة الفن الحر) تتناول العلاقة بين الفن والحرية، وهدف الفن ووظيفته، والفن والثورة. وعلى الرغم من كثافة الموضوعات المهمة التي يتناولها الكتاب، فإني أركز في هذه المراجعة على الأعمال الفنية، وتحديدًا الفنية، لا الفكرية، التي ذكرتها المؤلفة في الكتاب، واعتبرتها أعمالًا نموذجية في التعامل مع مفاهيم نقد السلطة، والحرية.
(النحنحات) (رائحة الخطو الثقيل) إبراهيم صموئيل:
من أولى الأعمال الفنية المذكورة في الكتاب، المجموعة القصصية (النحنحات) للكاتب إبراهيم صموئيل 1990. وتذكر منها المؤلفة قصتين: الأولى قصة (الناس، الناس) التي تصف علاقة الناس مع النظام الذي يقودهم، وهم يتجنبون مواجهته، حيث تروي حكاية ركاب منزعجين من سائق الحافلة الذي يقود بتهور واضح، وهم يتمتمون بكلمات لا يتعدى صداها صوت أنفاسهم، ثم يستجمع أحد المسافرين شجاعته، وينهض محتجًا ضد سلوك السائق، لكنه يُفاجأ بانقلاب الركاب عليه وإسكاته وطرده من الحافلة. العبرة جلية في هذه القصة: على الذين يقفون بشجاعة في وجه بطش النظام ألا يتوقعوا أي شكر على فعلهم هذا، ولن يكون النظام وحده من سيعاقبهم، بل إن الشعب سيشاركه أيضًا.
كما تذكر المؤلفة قصة (النحنحات) التي تحمل المجموعة عنوانها، وهي حكاية سجينين يحاولان التواصل للحفاظ على إنسانيتهما، عبر تبادل صوت النحنحات. كما تتطرق إلى مجموعة قصصية أخرى للقاص نفسه هي (رائحة الخطو الثقيل)، 1988. وهي القصة التي تحمل المجموعة عنوانها، وتروي حكاية امرأة تحاول رؤية زوجها المطارد في أحد الشوارع. لكن إذا شعرت بالخطر عند وصوله، فعليها أن تكمل سيرها فحسب، ولأنها سمعت خطواث ثقيلة وراءها، فإنها تسير متجاوزة الرجل الذي انتظرته عامين، مهزومة من رائحة الخطوات الثقيلة وراءها.
(سأخون وطني) محمد الماغوط:
تقيم مريام كوك السخرية التي اتبعها الكاتب محمد الماغوط، في كتابه (سأخون وطني)، 1987، من الخطابات والشعارات، تكتب: “كانت لهجته الاستنكارية واضحة جدًا، عند حديثه عن شعارات الخطاب الفارغة، مثل القومية العربية والحرية والصمود والشرف، فيصف في كتابه كيف تردد الشعارات دون تفكير، لأن الجميع يشعر بأن ثمة من يراقبهم، وكي يبرهنوا على وطنيتهم يراقبون الآخرين”. تذكر المؤلفة حكاية الأم التي لا تعرف لماذا استشهد ابنها بالضبط، حيث أخبرها أحدهم أنه استشهد من أجل الثورة في تشاد، في حين أخبرها آخرون أنه استشهد من أجل إسقاط المؤامرة على لبنان وللحفاظ على عروبة الخليج.
تقول المؤلفة: “معظم المقالات التي يحتويها كتاب (سأخون وطني) أقرب في أسلوبها إلى ملف في قسم الشرطة. إلا أن الاختلاف هنا أن المواطن هو من يسجل الدلائل، وفي بعض المناسبات يكون ذلك ضد الحكومات، وأحيانًا ضد مواطن آخر، وأحيانًا أخرى ضد نفسه، لكنه لن يستطيع أن يسجلها ضد القائد”. وتطرق لحكاية عن أحد المؤتمرات العربية التي يجري فيها دراسة موضوع الوحدة العربية والتضامن والشرف، ثم توضع التوصيات وتشكل اللجان، ويمر الحاضرون على الموضوعات ويحلونها تباعًا، حتى يصلوا إلى الحرية، حينذاك ينهض رئيس الجلسة، ويضع على فم كل واحد من الحضور شريطًا لاصقًا، ثم يقول: “سنناقش موضوع الحرية في الوطن العربي”! وعن الحرية، تذكر حكاية الرجل المخلص الذي ذهب ليشتري شيئًا من الحرية، فأخبره البائع أن حرية التعبير انتهت، لكن ما زال ثمة بعض من حرية الاستيراد والتصدير.. يكتب الماغوط أيضًا في هذا الكتاب عن الخوف “الذي يتدفق من قلمي، ومن بين أصابعي ورموشي، مثل الحليب المتدفق من ضرع شاة بعد عودتها من المرعى”.
(لا مكان للغريب) ناديا خوست:
ترى مريام كوك أن قصة (لا مكان للغريب) للكاتبة ناديا خوست، تتضمن اتهامًا صريحًا للحكومة، ففيها تحكي عن رجل يشتكي إلى الجمعية التاريخية بيته المسكون بشبح (يوسف العظمة)، البطل الوطني، ومن دون أن تستفسر الجمعية حتى عن مكان إقامته، أبدت اهتمامها وموافقتها على طلبه، فتصدر الجمعية تصريحًا بهدم المنزل، ثم تصريحًا ببناء منزل له نوافذ وحديقة واسعة لا يمكن للأشباح السكنى فيه. وتجمع الوثائق بعد ذلك، وتكدس في عربة تجرها أربعة بغال، وتؤكد هذه الوثائق أن التاريخ لم يكن يومًا جزءًا من هذا الحي، حتى إن البغال نفسها بدت غاضبة.
(أصابع الموز) غسان الجباعي:
من الأعمال القصصية التي تتوقف عندها المؤلفة بمساحات واسعة من الكتاب، (أصابع الموز) للكاتب غسان الجباعي، كتبت الناقدة مريام كوك أن قصص غسان الجباعي تثير الحفيظة دون وصف مباشر، حيث حيوانات من جميع الأنواع، وظلام لا هوادة فيه، وخوف من الموت. وترى أن الأديب الجباعي طور تقنيات لغوية وشكلية لتجنب الرقابة، كما كان يستخدم نوعًا من اللغة “الأيسوبية” أو “المقفعية”؛ إذ تأخذ ضباع (الجباعي) وعصافيره وعناكبه القارئ إلى سراديب التعذيب والزنزانات الانفرادية تحت الأرض.
تتوقف المؤلفة في المجموعة عند تلك القصص التي تصف ساحة التنفس في السجن، وتقتبس: “ساحة من الضوء، مسيّجة بأقدام العنكبوت، مسيجة بالخوف”، وكذلك قصة (المشنقة) التي تتحدث عن العلاقة مع الضوء في الزنزانة، حيث أول ما يُرى الضوء كأصابع كريستالية، ومن ثم كأنابيب شفافة قادرة على اختراق الحيطان، ومن ثم كرماح، وأخيرًا كقضبان سجن. الحكاية تروي قصة سجين أشقر نحيل، قاده فضوله إلى النظر خارج الزنزانة، وحين رأى ما يجري في خارج جحيم الزنزانة، تحوّل إلى مشنوق بالضوء، لقد “قتلته الرؤية”، على حد تعبير الأديب الجباعي صاحب القصة.
صورة الأفواه المكمومة:
يمكن اعتبار كتاب (دليل المواطنة)، وهو من تأليف حسان عباس وأحمد معلا، كتابًا فكريًا – فنيًا، فهو دليل استثنائي يشرح حقوق المواطنين في الحياة والحرية، في صفحات تحتوي على نصوص من تأليف حسان عباس، وصور أعمال صلصالية لأحمد معلا. تكتب عنه المؤلفة في الكتاب: “وفي هذه المجاورات الساخرة والمتناقضة، تتكلم النصوص والصور عن الانتهاكات الممنهجة للحقوق، وليس عن الحقوق نفسها”. وفي هذه المسألة، تكون الصورة المقابلة للنص المعنون (واجب الشهادة في المحكمة) صورة وجه بفم مكممم بشريط لاصق. هكذا يجب أن تكمم الأفواه عند الشهادة في المحكمة أو عند مناقشة الحرية؛ لأن الحرية والحقيقة يدفعان في الاتجاه المعاكس. كما تذكر المؤلفة صورة أخرى في الكتاب، وهي الصورة المرافقة لنص (حق المواطنين في الانتخاب)، وتقرؤها في ظل الأعمال البصرية الساخرة أو القادرة على نقض الواقع الديمقراطي في تلك المرحلة. الصور المرفقة بهذا الكتاب هي الأعمال التشكيلية الوحيدة التي توردها مريام كوك، في كتابها هذا.
العلاقة مع الكتابة:
أنهي هذا الجزء من المقالة الذي تغلب عليه أعمال أدبية في مجال القصة القصيرة، باقتباسين أوردتهما المؤلفة في الكتاب عن العلاقة مع الكتابة. الأول على لسان الكاتب غسان الجباعي، يقول فيه: “على الرغم من أننا كنا ممنوعين من الكتابة، استطعت الحصول على ورقة وقلم، وكان عليّ أن أكتب لأبقى حيًا. فعندما يريدون التخلص منك، يجب أن تؤكد وجودك”، والثاني على لسان الكاتب فرج بيراقدار، عن الموضوعة ذاتها العلاقة مع الكتابة في السجن، حيث قال: “الشعر سمح لي بالسيطرة على سجني، بدلًا من أن يسيطر سجني عليّ”.
الجزء الثاني
علاء رشيدي علاء رشيدي 23 سبتمبر، 2019 0 8 5 دقائق
نتابع في هذا الجزء من المقالة التعرّف إلى الأعمال الفنية السورية التي ذكرتها مريام كوك، في كتابها (سورية الأخرى صناعة الفن المعارض)، عن علاقة الفنون السورية بالسلطة وبموضوعة الحرية، في سنوات التسعينيات من القرن العشرين. ونخصص هذا الجزء للأعمال المسرحية والسينمائية.
(الغول) ممدوح عدوان:
تفتتح المؤلفة فصلًا بعنوان (عروض معارضة)، بمقتطف من مسرحية (الغول، ممدوح عدوان): “لن تهرب منا حتى بالنوم، ستلاحقك ضحاياك بنقمتها، وبالثأر لن يكفيها اللوم، وضحاياك ولو كممت شكاواها، ستطاردك ولو صارت أشباحًا، سمّمت حياة القوم، وملأت نفوس الناس جراحًا”، أعمق ما لمسته المؤلفة في المسرحية هي تلك المعالجة لصورة الطاغية، وعلاقة المجتمع مع الطاغية، وإدانة عصره بالكامل. يقول جمال باشا في المسرحية: “هل تظنون أنه سيكون من السهل عليكم أن تحاكموا طاغية؟! الطاغية لا يصير طاغية إلا بعد أن يملك عصره ويتمكن منه. لذلك، فإن محاكمة الطاغية محاكمة لعصره الذي استسلم له”. وتورد الكاتبة العبارة الختامية في المسرحية: “الحكمة في كل أوان، أن تهدم سجنًا، لا أن تقطع كف السجان. أنهينا واجبنا الأصغر، وسنبدأ منذ الآن، واجبنا الأكبر: هذا الطغيان لن يتكرر، لن يتكرر، لن يتكرر”.
كما تورد الكاتبة من أحاديث ممدوح عدوان: “لا يكفي أن نصف زنزانة السجن، بل لا بد من أن نقدم عن كثب مشهد انكسار الروح، ولا يكفي أن نصف آلة الطغيان، بل لا بد من أن نرفع الغطاء عن تقنية الطغيان، كي نكتسب القدرة على مقاومتها، ونحول إحباطنا إلى تفاؤل”.
(حفلة سمر من أجل خمسة حزيران)، سعد الله ونوس:
تجربة سعد الله ونوس تحضر في الكاتب، من خلال ثلاث مسرحيات. أولاها (حفلة سمر من أجل خمسة حزيران، 1968). هذه المسرحية تجسيد لإيمان (ونوس) بأن المسرح يرمز إلى ولادة الحوار في المجتمع الذي يمكن أن يوسع فسحة الديمقراطية، وأمل في أن يكون المسرح قادرًا على فعل شيء تجاه آلة القمع السلطوية، من خلال التكلم عليها في حوار. وتتساءل المسرحية عن مدى صدق الصورة السورية للحرب مع إسرائيل في 1967، التي حاولت أن تضفي السلطات العربية فيها لمسة إيجابية على الهزيمة، فجعل (ونوس) المسؤولين يلقون خطابات نصر طنانة، لكن صوتهم كان يقاطع بأصوات المحتجين، وكانت هذه التدخلات تأتي من ممثلين يجلسون خارج خشبة المسرح، وبين الجمهور، ويشكلون جزءًا من المسرحية، لكن المشهد لم يكن واضحًا لبعض الجمهور الذي حاول الانضمام إلى الهتاف، وكان لا بد من إسكاته، لقد كانت المسرحية نجاحًا هائلًا، بحسب ما كتب عنها (باتريك سيل)، كان مبدأ تفاعل الجمهور مع العرض أمرًا جديدًا في ذلك الوقت.
(الفيل يا ملك الزمان) سعد الله ونوس:
في العام 1969، كتب سعد الله ونوس مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) وتناولت فكر القيادة الثورية غير اللائقة. وتحكي المسرحية قصة قرية تحاول من دون جدوى إيقاف فيل ملكي عن تدميرها، وفجأة، يظهر (زكريا) الذي يلوم الفلاحين على إذعانهم للمك وفيله الذي يلحق الخراب بالقرية. ويقرر أن يأخذ زمام المبادرة، ويقود جموع الناس إلى الملك ليطالبوه بكف أذى فيله عنهم. يتمكن جموع الأهالي من الحصول على على شرف المثول أمام الملك، ويدخل الجميع من البوابات، ويمرون بجانب الحراس، ومع كل خطوة يخطونها كانت شجاعتهم وجرأتهم تتبددان. وفي النهاية يقف (زكريا) أمام الملك، وبالكاد يستطيع الكلام:
زكريا: الفيل.
الملك: نعم؟
زكريا: الفيل، يا ملك الزمان.
الملك: نعم، ما بال الفيل؟
زكريا: يحتاج إلى زوجة.
بهذه الكلمات ختم مصير الناس في هذه المسرحية، وأصبح المثقف الجريء، صاحب الأهداف الطموحة، لعبة في يد الظلم الأعظم، عندما واجه رموز السلطة.
(منمنمات تاريخية) سعد الله ونوس:
في العام 1993، كتب سعد الله ونوس، نص مسرحية (منمنمات تاريخية)، تجري أحداث المسرحية عند دخول قوات تيمورلنك إلى دمشق، والموقف الذي اتخذه آنذاك المفكر ابن خلدون الذي كان يرفض عاطفة طلابه في شأن فضلية التضحية في سبيل المصلحة العامة. هكذا، تضع مسرحية (منمنات تاريخية) المشاهدين أمام لغز: كيف يجب أن تكون ردة فعل المثقف على الظلم؟ هل عليه رفضه أو مقاومته؟ أم أن يسجل ملاحظاته بطريقة تسمح للآخرين، الذين يمكن أن يكونوا أقدر منه على صنع الثورة، بأن يعلنوا احتجاجهم الآن أو مستقبلًا؟ ينتقد (ونوس) هنا عددًا من الأمور: الطاغية، المثقف، الخائف، والاستجابة الانتحارية وغير المدروسة للظلم. يترك (ونوس) في هذه المسرحية المتلقيّن ليقرروا بأنفسهم، هل اتخذت هذه الشخصية التاريخية القرار الصحيح أم لا، لكنه لم يدع مجالًا للشك حين صرّح في مقابلة له أن المعرفة تقتضي مسؤولية على من يحملها، ويجب على المثقفين أن يتدخلوا في الشؤون العامة، ويقاوموا المعتدين والحكام والطغاة.
(الشقيقة) و(جنراليوس) غسان الجباعي:
تذكر الكاتبة من النصوص المسرحي للكاتب غسان الجباعي ثلاثة نصوص هي: (الشقيقة)، (بودي الحاس)، و(جنراليوس). في مسرحية (الشقيقة)، ينطق فلسطيني أصابه الخرف من كثرة التعذيب، بمونولوج يقدم فيه باختصار، ولو لمرة واحدة، تجربته الليلية عن كيفية ضربه وإخراسه، وضرب رأسه بالأحذية وبأعقاب البنادق. يضحك ساخرًا وهو يقول: “الحراس خائفون. إنهم لا يريدون أن تسمع النوافذ صرخاتي أو أن تراهم. إنهم لا يريدون للشمس أن تراهم”.
مسرحية (جنراليوس) هزلية سياسية عن قيصر وشعبه، عن تلك العلاقة بين الحاكم والمحكوم. مثلًا، حين يتجرأ عرّاف على أن ينبه قيصر بتحوله إلى جنراليوس، يأمر قيصر بأن يلف العراف بجريدة ويترك على الأرض، تحذيرًا لأولئك الذين يهددون قادتهم بكلمات يستقونها من الإعلام. ويمنع قيصر استخدام أقنعة الغاز، لأنها تمنع الشخص من الحديث باستثناء السجناء. هنا يعرّض القائد نفسه للخطر، كي يبقى قادرًا على الحدث. كما يخبر قيصر شعبه بأن ليس عليهم أن ينحنوا له مجددًا، يجب أن يظلوا واقفين فحسب إلى الأبد. ويهتف الشعب:
نزين الشوارع بأمر منه
نزين الهواء
نحمل الصور
ونحمل الرجال
نطفئ القمر
نجوع، نشقى، نتعرى
نموت ألف مرة بمشانق الصمت
وتبقى روما، روما القيصر، قصير روما
بأمر منه.
لقد أمروا أن يهتفوا للقائد، وهم يطيعون لأن حياتهم تتوقف على طاعتهم لقيصر الذي توجد سلطته في كل مكان.
(نجوم النهار) أسامة محمد:
يورد باتريك سيل، في كتابه (الأسد والصراع على الشرق الأوسط)، عن فيلم (نجوم النهار) للمخرج أسامة محمد، ما يلي: “في هذا الفيلم يكون البطل رجلًا طموحًا يتحدر من أصول علوية من شمال سورية، وأول ما يلاحظه المشاهدون شبهه الكبير بالرئيس، حتى إن المنزل الذي تدور فيه أحداث الفيلم يشبه البيت الذي ترعرع فيه حافظ الأسد. في الفيلم يقوم البطل بسرقة أي شيء ثمين تملكه عائلته، مخفيًا أفعاله الشائنة في رداء الحمل الوديع ومشاعر الحب التي يحرص على إظهارها باستمرار أمام عائلته. في المقابل، ثمة جندي إسرائيلي في الجبهة أكثر تعاطفًا وإنسانية من رب العائلة، يسأل الجندي السوري: لماذا لا يأخذ استراحة ويزور عائلته لفترة وجيزة”. لم يحظر الفيلم، لكنه ببساطة لم يعرض، فالجهة المنتجة هي المؤسسة العامة للسينما.
(صعود المطر) عبد اللطيف عبد الحميد:
في فصل بعنوان: (تصوير أحلام)، تتحدث المؤلفة ميريام كوك عن فيلم (صعود المطر، عبد اللطيف عبد الحميد)، حكاية صراع كاتب بين أن يتابع كتابة قصة حب بين حبيبين يراقبهما من على السطح، وأن يكتب ما عايشه برفقة المهرج الذي ظهر له فجأة، وسحبه من قصة الحب التي كان يكتبها، وقاده إلى التظاهرات والاعتصامات، ومن بعدها لم يعد بإمكان الكاتب متابعة الكتابة. ينتهي الفيلم عندما يموت الكاتب في انفجار السخان الصغير الموجود في مكتبه، غير أن موته لا يوقف كتابته، فبعد مدة من جنازته ينفتح قبره ليقذفه خارجًا. وهو يطبع بجنون على طابعته الموحلة، إذ لا يمكن إيقاف الفكر المعارض. كما ترى المؤلفة حكاية الفيلم.
(الكومبارس) نبيل المالح:
توقفت الكاتبة أيضًا عند فيلم (كومبارس، 1995) من إخراج نبيل المالح، يتحدث الفيلم عن قصة بسيطة بين حبيبين: (ندى) الأرملة الشابة التي تعيش مع أخيها وعائلته، و(سالم) الذي يعمل في كاراج لكنه يحلم أن يعمل في المسرح. وكان الحبيبان يلتقيان في الحدائق والأزقة لأنهما فقيران جدًا، الأمر الذي منعهما من الزواج والعيش معًا. وفي يوم من الأيام، تهيئ لهما الأقدار أن يستخدما شقة (عادل)، وهو صديق (سالم). لكن الشقة تقتحم من قبل رجال الأمن الذين يحاولون جمع المعلومات عن الجار، عازف العود الأعمى، وينتهي الفيلم بمشهد المخبر عائدًا، وهو يجر عازف العود الذي لا يملك أدنى فكرة عن الجريمة التي ارتكبها، إذ تعكس هذه الصورة الأخيرة معاقبة المثقف على فنه وأفكاره.
أحلام المدينة، الليل، محمد ملص:
كما تتوقف الكاتبة عند تحليل فيلم (أحلام المدينة، محمد ملص)، فإنها تعتبر أن فيلم (الليل، محمد ملص) يتطرق إلى الممنوع بقناعة تامة، الممنوع هنا هو القنيطرة في عام 1967، ولكنه حماة في عام 1982 أيضًا. تكتب: “نستطيع أن نرى في (الليل) إشارات دمار المدينة القديمة والمجزرة معروضة بصورة واضحة بشكل رمزي ومرئي من خلال عرض النواعير، حيث إن الناعورة رمز حماة، أصبحت علامة المجزرة”.
وأخيرًا، تذكر الكاتبة فيلم (في يوم من أيام العنف الاعتيادي، مات صديقي ميشيل سورا)، وهو للمخرج عمر أميرالاي، يتناول قضية اغتيال الصحفي الفرنسي ميشيل سورا، وهو مؤلف مجموعة الأبحاث التي نشرت بعد وفاته بعنوان (سورية الدولة المتوحشة).