الناس

غضب بعد نبش قبر طفل سوري لأن المقبرة «ليست للغرباء»… ولبناني يتبرع بأرض ليدفن فيها «كل ميت من أشقائنا السوريين»

■ بيروت ـ وكالات: تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي خبر نبش قبر طفل سوري لاجئ في قرية لبنانية وإعادة جثته لعائلته، بحجة أن المقبرة «ليست للغرباء» وهي مخصصة للبنانيين فقط، مما أثار موجة غضب واستنكار لهذا التصرف وتم وصفه بالعنصرية.

وجاء في الخبر المتداول أن عائلة سورية لاجئة أجبرت على نبش قبر طفلها الذي يبلغ من العمر أربع سنوات وإخراجه من مقبرة بلدة عاصون في قضاء الضنية شمال لبنان، بعدما قيل لهم إن سلطات القضاء تحصر الدفن بأهل القرية من اللبنانيين فقط بسبب ضيق مساحة المقبرة.

أحد أبناء بلدة عاصون ويدعى الدكتور خالد عبد القادر شجب ما جرى من نبش للقبر وتبرع بقطعة أرض ليدفن فيها الطفل، وأوقفها للسوريين فقط، وأعلن أن «ما حدث في بلدتنا من إخراج جُثة طفل سوري من قبره بعد وضعه فيه، هو عمل مرفوض بالإجماع شرعاً وقانوناً وإنسانية… عمل ضجّت به وسائل الإعلام المحلية والعالمية شجباً واستنكاراً واستغراباً، وكانت لي مشاركات من خلالها، وعلى إثرها أعلنتُ عن تقديم قطعة أرض أملكها في البلدة نفسها، على أن تكون وقفاً لكل ميت من أشقائنا السوريين فقط دون غيرهم… هذه الارض كنت قد نويتُ تقديمها من العام الماضي، ولكن إجراءات التسجيل في السجل العقاري تحتاج إلى وقت، ولما حدثت الفاجعة قمتُ وأعلنتها صراحة».

وأضاف أن «بعض الإخوة في بلدتنا لما علموا بالواقعة، (وهم من آل مريم) وعرفوا الأرض التي قدمتُها كمقبرة، أسرعوا وقدموا قطعة أرض أكبر للغرض نفسه، وأخذتُ على عاتقي إصلاحها وتسويتها. نحن نعمل لله وحده، ولا نتلقى الدعم من أي جهة داخلية او خارجية لأننا أحرار لا نرتهن لقرار أحد… وأزيدكم خبراً أنني كنت قد أسستُ مدرسة خاصة ومرخّصة من السلطات المحلية (روضة – ابتدائي -متوسط حتى التاسع) استقبل فيها أبناءنا من الإخوة السوريين واللبنانيين، ويدفع السوري نصف قسط اللبناني، مراعاة لظروفهم… ولا أُخفيكم ان هذه المعاملة للسوريين سببت لي حرجا مع اللبنانيين، إذ يطالبني بعضهم بمعاملتهم كالسوريين، ولكني لا أقدر على ذلك.

وأضيفكم خبراً آخر وهو أني قد أسستُ محلاً تجارياً بإدارة ولدي لدعم المدرسة من خلال أرباحه ومساعدة السوريين في أجرة منزل، أو ثمن دواء، أو شراء أثاث».

ورفضت شخصيات لبنانية عدة ما حدث، ومن هذه الشخصيات المسؤول في دائرة أوقاف طرابلس الشيخ فراس بلوط الذي قال في بيان إن «نبش القبر مرفوض جملة وتفصيلاً ولكن تلبيسه لباساً فتنوياً أمر مرفوض أيضاً… لنذكر جميعاً أن ساحتنا العامة والخاصة لا ينقصها تفجيرات وهمية جديدة».

ومما جاء في بعض التغريدات التي أعربت عن استنكارها لنبش قبر الطفل: «مستوى من العنصرية يثير الغثيان. في زمن نظرية التفوق اللبناني الجيني لصاحبها جبران باسيل، لن يُستغرب أن يخرج هذا المستوى الحقير من العنصرية».

وفي السياق «العنصري» نفسه نشرت قناة «أو تي في» التابعة للتيار الوطني الحر في لبنان والمحسوبة على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، كاريكاتيراً خلال إحدى نشراتها المسائية الأحد، سخرت فيه من اللاجئين والنازحين وأبناء العمال الأجانب في البلاد «بشكل عنصري غير مسبوق».

وملخص «الكاريكاتير» هو حول عودة الطلاب إلى المدارس، وتعليقاً على تصريح وزير التربية أكرم شهيب بأنه لن يسمح ببقاء أي طالب خارج المدرسة مهما كانت جنسيته. ويظهر في مجموعة الصور طالبان لبنانيان يهمان بالدخول إلى المدرسة ليتفاجآ بأنها لم تعد تتسع للطلاب، والسبب بحسب لافتة وضعت على باب المدرسة كُتب عليها: «نعتذر منكم المدرسة ممتلئة بالسوريين والعراقيين والفلسطينيين والهنود والزنوج والأحباش والبنغلاديشيين».

السوريون الموتى في لبنان لا يجدون مقبرة/ فاطمة حيدر

وقعت الأسبوع الماضي، حوادث كانت خيرَ دليل على أن الحس الإنساني عند بعض اللبنانيين يحتاج إلى ترميم، أو إعادة تأهيل. ذلك أن هؤلاء، وزعماءهم السياسيين، لا يميزون بين الشعبوية والعنصرية وما يزعمون أنه حب الوطن لكسب التأييد الشعبي. وهذا ما برهنت عليه قناة otv التلفزيونية العونية عندما نشرت رسماً تظنه كاريكاتوراً تعلن فيه أن الأطفال البنغلادشيين والسرلنكيين والسوريين والعراقيين والفلسطينيين والهنود والزنوج  والأحباش، يزاحمون اللبنانيين على مقاعدهم في المدارس.

أين يُدفن السوريون؟

أما الحادثة الأفظع في دلالتها فكانت نبش قبر طفل سوري لا يتعدى عمره 4 سنوات، لاستخراج جثته من مقبرة بلدة عاصون اللبنانية، لأنه سوري وليس لبنانياً! وأكدت البلدية بعد اجتماع مطول أن “العمل مدان وأقدم عليه شخص يدعى محمد خ. ي بصورة فردية. وذُكر أن هذا الشخص قد أوقفه القضاء، واتفق المجتمعون في البلدية على السماح بدفن السوريين في المقبرة، إذا كانوا المقيمين في البلدة”.

وفي العام 2017 كانت عُلقت لافتة على سور مقبرة في إحدى ضواحي بيروت، تحذر من دفن أي سوري: “يمنع دفن أي شخص من السوريين منعاً باتاً، كبيراً وصغيراً.. تحت طائلة المسؤولية القصوى ومراجعة اللجنة المختصة”.

وما حدث في عاصون يفتح باب التساؤل: أين يُدفن السوريون في لبنان، وما عدد موتاهم في ملاذهم اللبناني، بعد مرور 8 سنوات على نزوحهم من بلدهم؟

تشير الإحصاءات إلى أن عدد وفيات السوريين في لبنان وصل إلى 8400 شخص حتى أيار 2018، وحوالى 4200 حالة أرفق الإعلان عنها لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بوثيقة وفاة، فيما الحالات الأخرى لم تثبتها وثيقة، حسبما ذكرت المنسقة الإعلامية في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق اللاجئين، ليزا أبو خالد.

لكن النازح السوري يعاني من مشكلتين أساسيتين في دفن الموتى، في ظل تقديم المنظمة الدولية مساعدات للإنفاق على المقابر: تكمن المشكلة الأولى في ضيق المقابر اللبنانية وامتلائها. وتتعلق الثانية بكلة الدفن والقبر. ويشرح رئيس القسم الديني في دائرة أوقاف طرابلس الشيخ فراس بلوط في حديث إلى “المدن” أن ضيق مساحة المقابر في المدينة يؤدي إلى دفن السوريين في مقابر قرى عكارية لأنها أقل كلفة.

أما البدلات المالية التي يتعذر على بعض السوريين دفعها، فتتكفل الأوقاف الإسلامية بتغطيتها “قدر المستطاع”.

قبر لموتى كثيرين

المناطق التي تعاني من مشاكل في دفن السوريين هي القرى الصغيرة، والتي تكون مقابرها مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، فيُرفض دفن السوريين فيها بعدما تكاثر عدد موتاهم على مر السنوات الأخيرة. وفي بعض القرى بدأت المقابر السورية تتمدد خارج المقبرة. لذا صارت البلديات في موقف محرج، بحسب بلوط الذي أضاف: “لنرفع عنها الحرج، نتولى نحن الأمر وندفن السوريين في مقبرة الغرباء في طرابلس. وهي ما زالت تتسع لعدد لا بأس به من الموتى. وأحياناً ندفن ميتاً في قبر قبل مضي 3 سنوات على دفن ميت سابق فيه”.

كلفة الدفن الأكبر هي في بيروت. لذا ينقل الموتى السوريون فيها الى مدافن في الشمال، حيث يفضلون دفع كلفة النقل (100 ألف ليرة) على تحمّل الكلفة الباهظة في مدافن بيروت.

وتبلغ كلفة الدفن في الشمال – حيث العدد الأكبر من اللاجئين السوريين – 600 ألف ليرة، إذا كان القبر جديداً، وهو مبلغ يشمل كلفة الغسل والكفن والنقل، وغير كبير، حسب بلوط.

مدير البحوث في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين، يعيد جذر المشكلة إلى أن المؤسسات الإنسانية وهيئات الإغاثة لم تضع خطة طويلة الأمد لأزمة اللاجئين السوريين. ويقول في حديث إلى “المدن” إن احتياجات النازح تتعدى المساعدات الإنسانية، وخصوصاً حين نتحدث عن النازح السوري. فهو ليس مقيماً لمدة زمنية قصيرة، ويعود بعدها إلى دياره. لذا كان لا بد من التفكير في التعاطي مع حاجاته من الجوانب كلها، ومنها دفن الموتى: “لم نعلم أن الأزمة طويلة، ولم نرسم خطة واضحة. وهذا أساس المشاكل التي تحصل الآن”.

التحدي الأكبر للنازحين السوريين بيرز، حسب ياسين، في مناطق تجمعاتهم الكبيرة في الشمال والبقاع الأوسط وإقليم الخروب، حيث أصبح عدد السكان مضاعفاً في بعض البلدات والقرى. في بلدة بر الياس مثلاً، كان عدد السكان حوالى 25 ألف نسمة، والآن ارتفع إلى ما فوق 60 ألفاً. ومن البديهي أن تتضاعف في هذه الحال حاجات دفن الموتى. وما تستطيع تأمينه القرى الكبيرة تعجز عنه القرى الصغيرة. لذا تقوم بعض البلديات بالتعامل مع كل حالة دفن على حدة.

سوء معاملة السوريين في لبنان صارت شائعة ومعروفة، وهناك – حسب ياسين – ما يحفز الشر الكامن في الإنسان ويجعله على غير سجيته. ولكن حال الإنهاك والأزمات التي تتعرض إليها المجتمعات المضيفة جراء العدد الكبير للنازحين فيها، تحفز السوك السلبي حيال النازحين والأجانب من أهل الضعف.

عرسال: مقابر جديدة

في عرسال الحدودية 65 ألف سوري. والبلدة البقاعية هذه احتضنت أكبر عدد من النازحين، خصوصاً من بلدات القلمون والقصير. أعداد العائدين إلى ديارهم من عرسال ما زالت قليلة نسبياً.

عن دفن السوريين موتاهم في عرسال، يقول مفتي البلدة باسل الحجيري في حديث إلى “المدن” إن هناك مقبرة قديمة يُدفن فيها لبنانيون وسوريون. ولكن استمرار الحرب في سوريا، حتّم شراء مقبرة جديدة خصصت للسوريين وحدهم. وهي تقع ما بين منطقتي حميد والمصيدة. أما المقبرة القديمة فأوشكت على الامتلاء.

في عرسال لا رسوم على الدفن، ولا ثمن للمقابر، وهي شبه مجانية تقريباً. السوري فيها “بيحفر وبيدفن”. وما يتكلّفه على القبر، كالحجار والباطون، لا تتعدى 20 ألف ليرة لبنانية، بحسب الحجيري الذي لا يحبذ استقبال موتى سوريين في منطقة أخرى، لدفنهم في مقبرة البلدة، معللاً السبب بأن مقبرة السوريين مساحتها 10 آلاف متر مربع، وهناك دائماً مخاوف من امتلائها، وصعوبة إيجاد أرضِ لإنشاء مقبرة جديدة. فمتر الأرض في عرسال سعره 20 دولار. وتبلغ كلفة أرض مقبرة السوريين 200 ألف دولار، وقد تعاونت البلدية مع بعض المتبرعين لإنشائها.

أصبح على السوري المهان والمنبوذ في بلد اللجوء، بعد خسارته كل شيء في بلده، بلد الحرمان والقهر والقتل، أن يتجرع مرارة العيش في كل يوم وساعة، ويفكر في الموت وكلفته ومكانه.  فالدفن يحتاج إلى “واسطة” ومال ومكان يستمر البحث عنه يومين أو أكثر.

قتل ومعتقلات وموت في سوريا، وفي لبنان بؤس وتمييز.. حتى ما بعد الموت.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى