الدفاع المدني السوري – أبطال إنقاذ مجهولون في إدلب وجميع أنحاء سوريا
بطلات الخُوَذ البيضاء السوريات متأهبات لإنقاذ السوريين حتى في مناطق سيطرة الأسد
متطوعات الخُوَذ البيضاء في سوريا من بين أكثر نساء العالم شجاعة. مدنيات متأهبات لإنقاذ السوريين والسوريات من ويلات الحرب في إدلب وحتى في مناطق سيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد رغم وصفه لهن تحاملاً بالإرهابيات. الناشطة الألمانية آنا فلايشر تقول لموقع قنطرة إن الوقت قد حان لتنال هؤلاء المنقذات التقدير المستحق خصوصاً مع وجود حملات تشويه تضليلية ضخمة.
في جبهات القتال العديد من الأبطال والبطلات المدنيين، ومن بين أكثر هؤلاء الأبطال شهرة: الدفاع المدني السوري، الذين يُعرَفون أيضاً باسم الخُوَذ البيضاء ويعملون داخل سوريا منذ عام 2013. يُقال إنهم أنقذوا 114 ألف شخصٍ، غير أنّ من الحقائق غير المعروفة عنهم تركيزهم على إشراك النساء في برامجهم وفي صفوفهم.
العمل على أرض الواقع
تحدّثتْ معي مُزنة دريد عبر سكايب في نهاية شهر شباط/فبراير 2020، وهي مختصة اتصال للخوذ البيضاء تقيم في كندا، وأوضحت عمل الخوذ البيضاء المتعدّد في سوريا: “في الواقع، لدى الخوذ البيضاء العديد من البرامج الأخرى إضافة إلى العمليات التي تُسمى البحث والإنقاذ التي تُسحب فيها الأجسادُ من تحت الأنقاض والتي ظهرت في الفيديوهات البطولية التي رأيتِها من قبل”.
“وتتضمّنُ هذه البرامجُ إزالة الألغام، وإنشاء مراكز النساء، إضافة إلى تطبيقٍ إلكتروني يتعقّب الطائرات الحربية. كما أننا نعمل على المحاسبة، إذ أننا نجمع ونقدّم عينات وراثية جينية وعينات من التربة من مواقع الهجمات”.
لا ينبغي أن تبقى هؤلاء النسوة في الظلِّ بعد الآن. إنهنّ يستحققن الاعتراف بعملهن وتفانيهن.
يجمعُ التطبيقُ، الذي يتعقّب حركةَ الطائرات، البياناتَ من القواعد الجوية التابعة لروسيا والأسد. ومن ثمّ يرسل تحذيرات حول الهجمات المُتوقّعة. وهذا يساعد على توجيه السكّان لإخلاء منطقة معينة أو البحث عن ملجأ، على الأقل.
نساء مرتديات للخوذات
من التطورات الأخيرة في عمل الخوذ البيضاء، زيادة مشاركة النساء. فإضافة إلى 31 مركزاً داخل سوريا -تقدِّم الخدمات إلى النساء والأطفال بشكلٍ أساسي، لا سيما فيما يتعلّق بالصحة الإنجابية والأمومة- تديرُ الخوذ البيضاء دورات توعية حول الألغام والذخائر غير المتفجّرة. وتنضم إليهم العديد من النساء باستمرار، إذ يوجد حالياً 2800 متطوّع و231 متطوّعة في الخوذ البيضاء.
وهذه نقطة فخر بالنسبة لمُزنة، التي تقول: “في العام السابق [2019]، نجحنا في تغيير قوانينا الداخلية لتشمل حصة المرأة في المنظمة لضمان أنّ مراكزنا النسوية تُدار حصرياً من قبل النساء”. وهذا التطور أمرٌ مشجّعٌ، إذ تتمتّع هذه النساء بإمكانية الوصول لشبكات مختلفة عن زملائهن الذكور، وهذا يمكنهنّ من تقديم الرعاية الطبية وزيادة الوعي.
ومع ذلك، ليست جميع الأمور سهلة بالنسبة لهؤلاء النساء. وكما تعترف مُزنة: “تواجه نساءُ الخوذ البيضاء تحدّيات معيَّنة، لأن هذا النوع من الأعمال يُعتبر عملاً للرجال. إنّه مجهِدٌ وخطيرٌ للغاية، لذلك لا يُعتبر مناسباً للنساء”.
وعلى الرغم من ذلك، تواصل النساء العمل ويقُمْنَ بأنشطتهن. وحين يكون هناك حالات طارئة فإنهنّ يشاركن في عمليات البحثِ والإنقاذ، بيد أنهنّ بشكل عام يتَوَلَّيْنَ أنشطةَ رفع التوعية.
إدلب تحت النار
يجري الجزءُ الأكبر من العمل في إدلب. فهذه المنطقة الأخيرة في سوريا، والتي لا يسيطر عليها نظام الأسد، كانت تتعرض لقصفٍ جوي مستمر منذ أسابيع من قبل قوات الأسد والقوات الروسية. ومن الواضح أنّ الهدف هو إخضاعها بالكامل، وإجبار أيّ شخص يقف ضد نظام الأسد على الاستسلام والتراجع عن معارضته.
وكما تقول مُزنة: “تصاعدت الأزمة في سوريا بشكلٍ كبيرٍ خلال الأشهر القليلة الماضية. ووفقاً للأمم المتحدة، هناك 4.5 مليون شخصٍ تحت القصف في إدلب. هذه الأزمة الإنسانية هي الأكبر في التاريخ الحديث”. كل المنشآت الطبية تقريباً في إدلب مدمّرة؛ والمنشآت التي ما زالت تعمل، ترزحُ تحت ضغطٍ هائلٍ. وفي الوقت الحالي، لا تلوحُ في الأفقِ نهايةٌ لهذه الحملة العسكرية المكثّفة.
نحن جاهزون لخدمة السوريين دائماً مهما كان مكان تواجدهم – مُزنة دريد
ووفقاً لمُزنة، “كلّ سوريا مهمة بالنسبة لنا، لكن إدلب تستقطب الاهتمامَ الأكبر لأنها ترزح تحت قصفٍ مكثّفٍ وهناك أربعة ملايين مدني محاصر فيها. بيد أنّنا نعمل أيضاً في ريف حماة واللاذقية وحلب وعفرين ومنبج. وبالتالي لا يتعلق الأمر بإدلب فحسب، لكن الطلب مرتفع جداً على عمليات البحث والإنقاذ فيها بسبب القصف”.
كلامٌ تضليلي سخيف – حملة تشويه ضخمة
المعركة محتدمةٌ، ليس فقط على الأرض بل أيضاً على الانترنت. فتسليط الضوء الهائل من قبل وسائل الإعلام على الخوذ البيضاء أدى إلى ثمن باهظ. إذ أنّ حملة تشويه ضخمة ضد عملهم مستعرّة منذ سنوات. ويقدّم تقرير “قتل الحقيقة”، وهو تقرير موجز وعميق صادر عن حمْلة “من أجل سوريا The Syria Campaign”، يقدّم رواية مثيرة للإعجاب حول هذا الجهد التضليلي. الذي ينطوي على بروباغاندا مدعومة من قبل الدولة الروسية، وجيش من مروجي الإشاعات والمدافعين عن الأسد الذين يعملون كمدونين.
إنّهم يحافظون على رواج الاتّهام المزدوج المتمثِّل في أنّ الخوذ البيضاء مرتبطة بتنظيم القاعدة، وأنّها تفبرك هجمات من أجل تشويه صورة نظام الأسد والجيش الروسي. ورغم أنّ هذه الاتهامات سخيفة تماماً، إلا أنّ هذه الحملة قد ساهمت في خلق شعور يتشاركه العديدون خارج سوريا، ويتمثّل بأنه: “لا يمكننا معرفة ما هو الصحيح بعد الآن”.
وهذا الرعب هو نتيجة مروعة ومحزنة لآلة البروباغاندا، لأنها تتجاهل معاناة المدنيين في سوريا. فإضافة إلى الثمن الناتج عن الهجمات المادية، فإنّ ثمن حملات التضليل في الواقع، هو أيضاً أرواح البشر على الأرض. إنهم يعيقون العمل الإنساني القيّم من خلال حجب الدعم أو إجبار المنظمات مثل الخوذ البيضاء على الدفاع عن أنفسهم بشكل مستمر، بدلاً من القيام بعملهم.
تحتدم المعركة من أجل الحقيقة، كما يذكرُ التقريرُ الصادر عن حملة “من أجل سوريا”: “تهدّد هذه التغطية السلبية بأن يكون لها تأثير كبير على عمل الخوذ البيضاء وقدرتهم على إنقاذ الأرواح وكشف جرائم الحرب الجارية. ويهدّدُ تردّد صدى الاتهامات الكاذبة إلى ما يتجاوز تغريدات تويتر، بإضفاء الشرعية على الهجمات على الأرض في سوريا”.
ومع مقتل ما يزيد عن 200 متطوع، فُقِدت العديد من الأرواح في هذا العمل الخطر. وفي غالبية الأوقات، يحدث هذا بسبب هجمات “النقر المزدوج” من قبل القوات السورية والروسية. وقد وُثِّقت هذه التكتيكات الدنيئة بشكل جيّد وتُعدُّ جريمة ضد الإنسانية.
لن نتعثّر
في 11 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2019، عانت الخوذ البيضاء من خسارةٍ أخرى: سقط جيمس لو ميسورييه من شرفة منزله في اسطنبول. وقبل ذلك ببضعة أيام، كان حساب تويتر الرسمي لوزارة الخارجية الروسية قد وصفه بأنّه جاسوس. وبالتالي، تقع هذه الحادثة في سياق المعركة الأوسع من أجل الحقيقة في سوريا.
أسّس لو ميسورييه منظمة الإنقاذ “ماي دَي ريسكيو” – “Myday Rescue”، التي درّبت متطوعي الخوذ البيضاء لإنقاذ ضحايا الهجمات. وهو محترف سابق في الجيش البريطاني ولديه معرفة قيّمة بمهام الإنقاذ هذه.
وبالنظر إلى ما وراء إدلب، إلى سوريا بأكملها، فإنّ لدى مُزنة رسالة واضحة: “نحن جاهزون للعمل في أيّ مكان في سوريا، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. هم يرفضون ذلك لأسبابٍ سياسيةٍ، بيد أنّنا جاهزون دائماً لخدمة السوريين بغض النظر عن مكان تواجدهم”.
وهذا تصريحٌ مذهلٌ بالنظر إلى أنّ الأسد يعتبر الخوذ البيضاء عبارة عن مجموعة إرهابيين ينبغي مجابهتهم بالقوة. وهو تصريحٌ يعبِّر عن التزام الخوذ البيضاء بمساعدة المدنيين في أيّ مكان في سوريا، على سبيل المثال عبر إزالة الألغام من التربة الملوّثة بجميع أنواع الأسلحة.
لا يوجد لدينا وقتٌ لتبرير أنفسنا طوال الوقت، نحن نواصل العمل فحسب – مُزنة دريد
وقد بات هذا الأمرُ ملحّاً أكثر من ذي قبل، إذ أعلنت الحكومة الروسية أنّ سوريا باتت ساحة لتجربة أحدث مقتنياتها العسكرية. كما أعلن وزير الدفاع الروسي بفخر أنّ أكثر من 200 سلاح قد جُرِّبوا في سوريا. وسيتطلّبُ الأمر سنوات من العمل من أجل جعل التربة آمنة مرة أخرى.
وفي هذا السياق يتجاوز إرثُ جيمس لو ميسورييه الناسَ الذين عرفوه، إذ يستمرُّ في أشخاصٍ مثل مُزنة ومتطوّعات الخوذ البيضاء على الأرض في سوريا، اللواتي ينقذن الأرواح ويساعدن مجتمعاتهن، رغم كل التهديدات التي يواجهنها.
حين تسقطُ قنبلةٌ في سوريا، لن تأتي سيارة إطفاءٍ أو سيارة إسعافٍ. الأشخاص الوحيدون الذين سيأتون وينقذون المدنيين هم هؤلاء المتطوعون، رجالاً ونساءً، وهذه هي الحقيقة البسيطة في هذه الحرب الرهيبة.
وبكلمات مُزنة: “يشرح عملُنا موقفَنا ومنظورَنا، إنه يتحدّث عن نفسه. الوضع يائسٌ للغاية داخل سوريا، لا يوجد لدينا وقت لنبرّر أنفسنا طوال الوقت، نحن نواصل العمل فحسب”.
آنا فلايشر
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
ar.Qantara.de